سبب تجاهل صناع السياسة الغربية الإرهاب فى إفريقيا - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 12:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سبب تجاهل صناع السياسة الغربية الإرهاب فى إفريقيا

نشر فى : السبت 1 يناير 2022 - 9:25 م | آخر تحديث : السبت 1 يناير 2022 - 9:25 م

نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا للكاتبة إيميلى إستيل، حاولت فيه تفسير عدم اهتمام دوائر السياسة الغربية بإرهاب الجماعات السلفية المتطرفة فى أفريقيا، جاء من ضمن تفسيراتها أن الجماعات المتطرفة لا تستطيع استغلال ملايين الأفارقة، وأن الدول الغربية تخشى الدخول فى حروب لا نهاية لها كما حدث فى العراق وأفغانستان، وأخيرا إعطاء أمريكا ودول الغرب الأولوية لمواجهة روسيا والصين.. نعرض منه ما يلى.
فى مستهل الحديث نؤكد أن الحركة السلفية المتطرفة، التى تضم القاعدة والدولة الإسلامية، حققت نجاحا تلو الآخر فى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى فى السنوات الأخيرة. وتنشط الجماعات السلفية المتطرفة الآن فى 22 دولة أفريقية ولا تزال فى ازدياد. بكلمات أخرى، اتسعت حركات التمرد حيث انتشر المتطرفون المتمركزون فى مالى فى بوركينا فاسو التى كانت مستقرة فى عام 2016 وازداد تطرفهم منذ ذلك الحين مما أدى إلى نزوح أكثر من مليون شخص وتحويل البلاد إلى منصة انطلاق لشن هجمات على الدول المجاورة. كما مهد عنفهم المتطرف الطريق لسلسلة من عمليات الاختطاف التى استهدفت تلاميذ المدارس فى نيجيريا، أكبر دولة فى إفريقيا من حيث عدد السكان. ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن تنظيم الدولة الإسلامية فى موزمبيق سيشرد مليون شخص بحلول يونيو 2022. هذا بالإضافة إلى إفشالهم مشروع غاز طبيعى بمليارات الدولارات كان من المفترض أن ينقل موزمبيق إلى طريق الازدهار.
لكن فى دوائر السياسة الغربية، لا تحظى حركات التمرد السلفية المتطرفة فى البلدان الأفريقية باهتمام واضح. فاجتماع تنافس الأولويات مع العقبات السياسية يمنع صناع السياسات من رؤية التهديد بوضوح أو التفكير بشكل جدى بشأن ما يجب القيام به حيال ذلك.
ومن الأمثلة على ذلك، الأخبار الكئيبة التى وردت الشهر الماضى من موزمبيق، حيث اجتاح مهاجمون من تنظيم الدولة الإسلامية بلدة بالما، وقتلوا العشرات، بمن فيهم 12 أجنبيا عُثر عليهم مقطوعى الرأس. تم تجاهل إراقة الدماء فى الولايات المتحدة وأوروبا إلى حد كبير، لكن ما كان ينبغى أن يحدث ذلك. فهذا أحدث تقدم فى حرب تشمل بلدان أفريقية متعددة تدمر الأرواح وسبل العيش.
***
لقد حاول مجتمع السياسة الخارجية الأمريكية مرارا وتكرارا إقناع نفسه والآخرين بأن مخاوفهم بشأن إفريقيا حقيقية. حتى أن هذه القضية قد دفعت إلى إقامة شراكة نادرة للغاية بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى فى الولايات المتحدة، حيث اجتمع الحزبان معا لمناقشة سلسلة من مبادرات الصحة العامة والتنمية الاقتصادية فى إفريقيا السنوات الأخيرة. فلماذا تكون إذن الاستجابة لأزمة موزمبيق وهجمات أخرى مماثلة محدودة للغاية؟ الإجابة ببساطة هى أن جميع الفئات الرئيسية التى تركز على القارة لا ترى ولا تؤمن بأن المتمردين المتطرفين العنيفين سيستطيعون استغلال ملايين الأفارقة!.
وفى الوقت نفسه، التحذيرات من الوقوع فى فخ «حرب لا نهاية لها» تعنى أن الكثيرين ممن يتعاملون مع إفريقيا يحجمون عن التركيز على الحلول التى تنطوى على استخدام القوة العسكرية. فلقد تسببت الإخفاقات السابقة فى مكافحة الإرهاب، بما فى ذلك التجارب فى أفغانستان والعراق، فى التحول نحو التأكيد على الحلول المحلية والردود غير العسكرية. لكن القوة الناعمة وحدها لا تستطيع هزيمة المتطرفين المسلحين الذين يمسكون بالسلطة بالفعل، لا سيما بالنظر إلى أن هذه ليست مجرد تهديدات إقليمية بل تهديدات عالمية. فالجماعات السلفية المتطرفة الأفريقية تخطط بالفعل للهجمات الخارجية أو تدعمها. هم يطورون قدرات هجومية، ويفكرون فى المناورات التكتيكية لصنع القنابل والفرق الصغيرة، كما يعملون على جذب المجندين، ونقلهم إلى خارج القارة.
حرى بنا التطرق إلى أن الولايات المتحدة لا تريد إرسال قواتها لمهام طويلة الأمد فى إفريقيا. كما اتخذت فرنسا، التى تقود مهمة لمكافحة الإرهاب فى منطقة الساحل، خطوات لتقليص وجودها هناك. لكن الاعتماد على الشركاء المحليين لخوض المعركة بالكامل هو حلم بعيد المنال. فلا تزال الظروف المحلية التى سمحت بتشكيل ونمو حركات التمرد السلفية المتطرفة قائمة: ها هى الجيوش المحلية غائبة إلى حد كبير، أو غير قادرة على أداء المهمة المطروحة. وبما أنه بالمثال يتضح المقال، نقول إن فى بوركينا فاسو، انتهاكات قوات الأمن هى ما أدت إلى إشعال التمرد الحالى. وفى نيجيريا، تُرك المدنيون معرضين للخطر مع انسحاب الجيش إلى معسكرات أكثر أمانا. أما موزمبيق، فيفتقر الجيش إلى القوة البشرية والقدرة على الوصول إلى المناطق التى يسيطر عليها المتطرفون.
من البديهى أيضا أن تؤدى العبارات الطنانة الجديدة مثل المنافسة بين القوى العظمى إلى تفادى المحادثات حول هزيمة التمردات السلفية المتطرفة. فالأطر الاستراتيجية الجديدة تشير إلى أنه يجب على الولايات المتحدة عدم إعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب لأنها تصرف الانتباه عن روسيا والصين. لكن هذه القضايا مرتبطة ببعضها البعض. بكلمات أكثر وضوحا، خصوم الولايات المتحدة يستغلون وجود الجماعات السلفية المتطرفة لتحقيق مصالحهم الخاصة، كما يتضح من التدخلات الروسية فى سوريا وليبيا، التى قدمت نماذج يسعى الكرملين إلى تكرارها فى أماكن أخرى. ويمكن أن تؤدى تصرفات الدول المنافسة للولايات المتحدة، أيضا إلى تأجيج التهديد السلفى المتطرف، سواء من خلال إطالة أمد الصراعات، كما فعلت روسيا فى ليبيا، أو من خلال تشجيع المستبدين الذين يعمقون المظالم الشعبية ويوفرون الثغرات التى تستغلها الجماعات السلفية المتطرفة.
***
بناء على ما سبق، لا بد من التأكيد على أن صعود إفريقيا إلى الازدهار هو الهدف المهم خلال العقود القادمة. لكن هذا لن يحدث إذا عاش مئات الآلاف من الأفارقة تحت سيطرة السلفية المتطرفة وتشريد الملايين بسبب العنف، مع تحول مساحات شاسعة من الأراضى إلى ملاذات إرهابية دائمة. وحتى لو سلم المجتمع الدولى البلدان التى مزقتها الحرب مثل ليبيا ومالى والصومال إلى مصائرها، فلن تتمكن الولايات المتحدة من تجاهل آثار البلاء السلفى المتطرف على اللاعبين الرئيسيين فى القارة مثل الجزائر ومصر وإثيوبيا وكينيا والمغرب وأخيرا تنزانيا وجنوب إفريقيا، والتى تواجه جميعها تهديدات سلفية متطرفة مستمرة أو ناشئة إلى جانب التحديات المحلية لاستقرارها الحالى والمستقبلى. ومن المؤكد أن نيجيريا التى يبلغ قوامها 200 مليون شخص ستتعثر إذا لم تكن قادرة على طرد الجماعات التى تنمو داخل حدودها والساعية لإقامة «الخلافة».
صفوة القول، مشكلة التطرف فى إفريقيا تتفاقم لأن صناع السياسة يخشون مواجهة الأسباب المستعصية بشكل جدى وحاسم. وبالنسبة للبلدان المعنية، يتطلب الحل الدائم أموالا وتغييرات فى هيكل سلطتها لا تستطيع النخب القيام بها أو لن تفعلها. والمجتمع الدولى مخطئ بنفس القدر.
حان الوقت لأولئك الذين يصرحون بأنهم يهتمون بالقارة السمراء أن يدركوا أن الأقوال وحدها لا تكفى لذا لابد من ارتباطها بالأفعال، فهناك حرب ضارية تجرى الآن فى أفريقيا.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى: هنا

التعليقات