ملاحظات لا تفسد الفرح .. - علاء الأسواني - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ملاحظات لا تفسد الفرح ..

نشر فى : الأحد 1 مارس 2009 - 6:12 م | آخر تحديث : الأحد 1 مارس 2009 - 6:12 م

 مع احترامنا الكامل للقضاء وأحكامه ، فان الرأي الغالب في الشارع المصري أن الأستاذ أيمن نور قد تعرض إلى مكيدة سياسية أدت به إلى السجن ، وأن النظام قرر التنكيل بأيمن نور لأنه معارض سياسي حقيقي ومؤثر استطاع أن يحقق شعبية كبيرة في وقت قصير ولأنه في نفس الوقت وجه مقبول لدي الدوائر السياسية الغربية وكل ذلك يجعل منه عقبة كبيرة أمام توريث الحكم من الرئيس مبارك لنجله جمال ..

وقد أعجب المصريون بأيمن نور عندما أثبت صلابته وشجاعته خلال المحنة ، وبالرغم من الضغوط الهائلة التي تعرض لها في السجن لم يطأطىء رأسه ولم يذعن للظلم ولم يتوسل لأحد بل ظل شامخا مرفوع الرأس إلى النهاية ، كما تعاطف المصريون كثيرا مع زوجته العظيمة ، السيدة جميلة إسماعيل التي وقفت وحدها، بشجاعة مذهلة ، ضد نظام سياسي كامل يريد أن يذلها ويشوهها . وقد انتصرت جميلة معنويا على كل الذين أساءوا إليها ، بدءا من أكبر ضابط في الشرطة وحتى أتفه الكتبة في صحف الحكومة الذين أمطروها ببذاءات ، لم تصبها وانما ارتدت إليهم في نظر الرأي العام . .

كل هذه الظروف أكسبت أيمن وجميلة تعاطف المصريين وحبهم واحترامهم .. من هنا كان الإفراج عن أيمن نور مفاجئة مفرحة للناس ، على أن قرار الإفراج في هذا التوقيت وبهذه الطريقة يحمل دلالات مهمة :

أولا : يكرر الرئيس مبارك دائما أنه لا يتدخل أبدا في أحكام القضاء ، ويؤكد دائما أن القضاء في مصر مستقل تماما ، لكن ما يفعله الرئيس كثيرا ما يدل على غير ذلك ..فقد تم القبض على الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام وأجريت له محاكمة قانونية أمام القضاء المدني الطبيعي اعترف خلالها بالتجسس وتجنيد العملاء وتم الحكم عليه بالسجن .. لكن الرئيس مبارك استجاب لطلب إسرائيل و تجاهل حكم القضاء و قرر الإفراج عن الجاسوس عزام وتسليمه لإسرائيل حيث تم استقباله كبطل قومي .. ..

بعد ذلك حوكم الصحفي الكبير الشجاع إبراهيم عيسى بتهمة غريبة مطاطة هي ترديد الشائعات وإثارة البلبلة بسبب أنه كتب مرة أن الرئيس مبارك مريض . وصدر الحكم النهائي على إبراهيم عيسى بالسجن لمدة شهرين وفي اللحظة الأخيرة ، أصدر الرئيس مبارك عفوا رئاسيا عطل الحكم القضائي ومنع الحبس عن إبراهيم عيسى ..

وهذه المرة أيضا ، بعد أن رفض الرئيس مرارا طلبات الإفراج عن أيمن نور بدعوى أنه لا يتدخل في أحكام القضاء ، إذا به يعدل عن رأيه فجأة ويقرر الإفراج عنه .. والخلاصة أن الرئيس يتدخل بالفعل في أحكام القضاء وأن مشيئة الرئيس أكبر من أي حكم قضائي مهما كانت حصانته ..والحق أن فكرة العفو الرئاسي ذاتها تنسف القانون من أساسه لأنها ترهن تنفيذ الأحكام ، التي هي عنوان الحقيقة ، بموافقة الرئيس ورضاه ..

في الدول الديمقراطية لا يوجد عفو رئاسي وانما يتم تنفيذ القانون على الجميع بمن فيهم الرئيس نفسه وأولاده . ولكننا في مصر حيث يخضع كل شيء لرغبة الرئيس بما في ذلك القانون وآراء الوزراء ، فالمسئولون في الحكومة الذين ظلوا يتهمون أيمن نور بالتزوير على مدى أعوام ، ما أن أفرج عنه الرئيس حتى تحولوا إلى النقيض و بعثوا إليه ببرقيات التهنئة والورود وعلب الشيكولاته ..

وهم ينقلبون من الرأي إلى نقيضه بدون أدنى إحساس بالخجل أو الذنب . لأنهم تعودوا على ألا يفعلوا ما يعتقدونه وانما ما يريدهم الرئيس أن يفعلوا ...وهذا مثال على نوع المسئولين الذين ابتليت بهم مصر .. وفي ظل تدخل الرئيس المتكرر في أحكام القضاء .يجب أن ندرك أهمية المعركة العظيمة التي يخوضها القضاة الاصلاحيون في نادي القضاة من أجل تحقيق الاستقلال الحقيقي للقضاء عن الرئيس ووزير العدل ، ونفهم أيضا لماذا حشد النظام سيف المعز وذهبه حتى يسقط القضاة الإصلاحيين في الانتخابات الأخيرة ..

لأن استقلال القضاء في مصر سيؤدى إلى تغيير مصر كلها .. في ظل قضاء مستقل لن يكون بمقدور الرئيس أن يزج بأي شخص في السجن عندما يريد ويطلق سراحه عندما يريد ..لأن الرئيس نفسه آنذاك سيكون مجرد مواطن مصري يخضع مثل غيره من المصريين للقانون الذي يستوي أمامه الجميع . .

ثانيا : التفسير الوحيد للإفراج عن نور الآن هو الاستجابة للضغط الأمريكي .. فقد نشرت الواشنطن بوست ، وهي الصحيفة الأمريكية الأقرب للبيت الأبيض ، أن الرئيس اوباما قد ربط استقباله للرئيس مبارك في البيت الأبيض في أبريل القادم بشرطين محددين هما: الإفراج الفوري عن أيمن نور ، وإسقاط التهم الموجهة ضد الدكتور سعد الدين إبراهيم وتأمين عودته إلى مصر .

ولأن النظام في مصر على استعداد لأن يفعل أي شيء حتى يحتفظ بالرضا الأمريكي .. فقد تم الإفراج عن أيمن نور بسرعة بالغة ، وهرول المسئولون في الشرطة لاخراجه من السجن حتى بدون استيفاء الإجراءات القانونية .واصطحبه أحد الضباط بسرعة في سيارة وألقى به أمام منزله . وكأن صاحب القرار في مصر يتعجل اللحظة التي يؤكد فيها للرئيس أوباما أن طلبه قد تم تنفيذه كما أراد .

ثالثا : ما حدث يدل على أن الرئيس أوباما سوف يكون مختلفا عن جورج بوش في التعامل مع نظام الرئيس مبارك .. وهنا نذكر الجميع بعشرات الألوف من المعتقلين المصريين الذين قضوا أعواما طويلة في السجون ، تحت التعذيب والقهر ، بدون محاكمة أو بالمخالفة لعشرات الأحكام بالإفراج عنهم ...

هؤلاء البؤساء وأسرهم لا يتحدث عنهم أحد ولا يطلب أحد الإفراج الفوري عنهم ولا يعتبر أحد أن التنكيل بهم مخالف للمبادئ الديمقراطية .. ونذكر أيضا بالإخوان المسلمين الذين يقبض عليهم ويعذبون في السجون وتصادر أموالهم وتتشرد أسرهم ومع ذلك لا يتحدث عنهم مسئول غربي واحد .ولا يمكن أن ننسى المناضل الكبير مجدي أحمد حسين الذي قبض عليه و حوكم أمام القضاء العسكري ، بكل ما يعني هذا من انتهاك لمبادئ القانون وحقوق الإنسان ، ثم حكم عليه بالسجن لمدة عامين بتهمة الدخول إلى غزة ومناصرة أهلها بعد المذبحة التي تعرضوا لها على أيدي الصهاينة ..

وكأن أداء الواجب الوطني والأخلاقي نحو إخواننا في العروبة والدين قد أصبح جريمة في مصر .. المطالب الأمريكية للديمقراطية في مصر إذن انتقائية وعوراء وناقصة .. والإدارة الأمريكية الجديدة تبدو وكأنها لا تهتم إلا بمصير بشخصين في مصر هما أيمن نور وسعد الدين إبراهيم .. والسبب في ذلك أن عشرات الألوف من المعتقلين الآخرين بما في ذلك مجدي أحمد حسين ، ينتمون جميعا إلى التيار الإسلامي ..

وهؤلاء فيما يبدو لا تجد الإدارة الأمريكية غضاضة في اعتقالهم وتعذيبهم وتشريد أولادهم بدليل أنها لم تطلب قط الإفراج عنهم كما فعلت مع نور وسعد الدين

هذه ملاحظات وجدت من الواجب ذكرها لكنها لا تقلل أبدا من فرحتنا باسترداد أيمن نور لحريته ولا تقلل من حرارة التهنئة له ولأسرته .. والحق أن الذي يستطيع أيمن نور أن ينجزه في مصر كثير ومهم .. ونحن في انتظاره ، بعد فترة نقاهة يستحقها ، لكي ينضم إلى كتيبة المدافعين عن الحق والعدل والحرية .. حتى تتحقق الديمقراطية في بلادنا ويسترد المصريون جميعا حريتهم ..

علاء الأسواني طبيب أسنان وأديب مصري ، من أشهر أعماله رواية عمارة يعقوبيان التي حققت نجاحا مذهلا وترجمت إلى العديد من اللغات وتحولت إلى فيلم سينمائي ومسلسل تليفزيوني ، إضافة إلى شيكاجو ونيران صديقة ، وهو أول مصري يحصل على جائزة برونو كرايسكي التي فاز بها من قبله الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا ، كما أنه صاحب العديد من المساهمات الصحفية.
التعليقات