مأزق الاستقالات من حزب النهضة - امال قرامى - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 8:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مأزق الاستقالات من حزب النهضة

نشر فى : الثلاثاء 1 أبريل 2014 - 5:50 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 1 أبريل 2014 - 5:50 ص

سمح المسار الانتقالى للتونسيين باكتشاف وجه من وجوه حزب النهضة، وتسنى لهم أن يقارنوا بين الوعود والإنجازات، بين الخطاب والفعل، بين ما يقال أمام وسائل الإعلام، وما يدور داخل البيوت حين تغلّق الأبواب. وأبانت تجربة الحكم «الترويكى» عن أبعاد أخرى فى تنظيم النهضة. فبرز أداء مختلف القيادات وتفاوتت درجات الحنكة، والمهارة، والخبرة، والقدرة على مواجهة الخصوم، وبدا جليّا سلوك الأتباع، والمناصرين، والمنضمين مؤخرا إلى حزب «الأغلبية» لغايات فى نفس يعقوب. فالمتحوّلون من حزب إلى حزب وفق تغيّر موازين القوى لا عهد لهم ولا ميثاق، كما أنّ عصابات التهريب والسرقة والنهب و... وجدت طريقها إلى الحزب الحاكم فكانت «ميليشيا» داعمة فى زمن الشدة تردع من يتطاول على الشرعية.

وبالرغم من محاولات إسبال الكساء على عورات قيادات لم تستطع أن تكون فى مستوى التوقعات فإنّ فئات من التونسيين غيّروا نظرتهم إلى حزب النهضة. لم يعد حزب النهضة حزب «المعذبين فى الأرض» و«المحرومين» و«الضحايا» و«الذين يعرفون الله» بل تخلخلت الصور النمطية، والأحكام المسبقة التى تسعى إلى أسطرة الحزب وأتباعه.

•••

وعلى مرّ الشهور اكتشف الناس تشابُها على مستوى السلوك والطموحات والأحلام بين مختلف الأحزاب والمسئولين. فأغلب القيادات تحب المال حبا جما وتتلهف من أجل استبدال سنوات الحرمان بحسن الهيئة وطيب العيش وأفخر القصور، وتسعى إلى تكريس نظام ليبرالى متوحش بكل جهد. والجماعة تناور وتتلاعب ولا تعير وزنا للشفافية والحوكمة الرشيدة إن هى إلا مصطلحات يُوشَّى بها الخطاب. وذاك كلام بكلام أما أن يتحول الكلام إلى فعال فتلك قضية أخرى لا عهد لجماعة عاشت فى كنف السرية بها.

وعلى مرّ الشهور والأعوام سقطت ورقة التوت وظهرت قصص الفساد والتجاوزات... وتغيرت المناظير. لم تعد الاختلافات داخل حركة النهضة مجرد شائعات تحاك للمس من البنيان المرصوص، ولم تعد الحركة ديمقراطية تُدير الاختلافات إن وجدت، بحكمة.

•••

اليوم يصحو التونسيون على وقع استقالات عدد من القياديين من حزب النهضة كرياض الشعيبى ومنار الإسكندرانى وعبدالحميد الطرودى... أو من مناصب كحمادى الجبالى الذى استقال من أمانة الحزب، وهكذا حدث الصدع وبدا الانشقاق. ولم يعد الحزب تنظيما مغلقا محكم الإدارة يفرض الالتزام على الجميع، ولم يعد الأتباع يعبّرون عن تصوّراتهم المختلفة داخل مجلس الشورى وخارجه وتقبل بكل أريحية وديمقراطية. اليوم تنشق القيادات لتؤسس الأحزاب فهل هى العدوى تدب فى كيان الجماعة مؤذنة بحالة تشرذم أم أن الأمر لا يغدو أن يكون تكتيكا انتخابيا أم أنه علامة صحيّة فى دولة تبنى من جديد وتكرس ممارسات ديمقراطية.؟

إن ما يحدث من انشقاقات واستقالات لا مرية فيها لا يفهم فى تقديرنا، إلا إذا نزّلناه فى إطار التغيير الذى تتعرّض له الحركة من الداخل بعد فوزها وممارستها للحكم. فشتان بين إدارة الحركة من الخارج، وفى زمن العمل السرى، وإدارتها من الداخل، وكل الأنظار تصوب نحوها، والمعارضة تتربّص بها، والقوى الإقليمية والعالمية تضغط عليها.

والفرق واضح بين خطاب يمجّد التوافق، والتماسك، ويتغنى بفضائل الانسجام، ووحدة الصف، ولا يعترف بالانقسامات، وتعدد القوى الضاغطة داخل التنظيم، والمتمرّدة على انتهاج سياسات التوافق، والتنازل، والحوار، والخروج من الحكم وغيرها من نقاط الخلاف، وخطاب صار يبوح بعوامل التصدّع إذ ما عاد بإمكانه ممارسة التقيّة أو الكتمان.

•••

لقد آن أوان المصارحة والمكاشفة والمراجعة، وعلى حزب النهضة الذى رغب أتباعه فى أسطرته إلى حدّ الهوس ممارسين شتّى أنواع العنف على منتقديه، أن يعالج أسئلة جوهرية:

ـ لم قَصر عن الإيفاء بالوعود، وعجز عن الالتزام بالمواثيق والعهود فكان معيبا فى نظر العموم والأتباع على حد سواء؟

ـ بم تفسّر الحركة صعوبة تحقيق التوافق الداخلى بين الصقور والحمائم والبين بين؟ لم تغّلب أنصار العمل الدعوى المناصرين للسلفية على المنفتحين على العمل الديمقراطى؟

ـ بم نُفسّر تقلّص الإنتاج الفكرى والمراجعات على حساب العمل على أرض الميدان، فكان التحرّك والحضور على حساب التنظير وكأنّهما خطّان لا يلتقيان؟

ـ هل وصلت الحركة إلى مرحلة اختلط فيها الحابل بالنابل فحصل المزج السريع بين رؤى مختلفة وتصوّرات متباينة بعضها لأهل الداخل وبعضها الآخر لأهل الخارج فكانت الهجانة؟

ومهما يكن من أمر فإنّ ترتيب البيت من الداخل قبل الانطلاق الفعلى لمسار الانتخابات القادمة يتوقّف على مدى استعداد الحركة لحسم عدّة مسائل لعلّ أهمّها إجراء القطيعة مع تصوّرات ماضوية تشدّ إلى الوراء، والتخلّص من لعبة الازدواجية فتكون بذلك مرشحّة لاستعادة ثقة الناخبين.

التعليقات