عناصر مصطلح الدين - جمال قطب - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 12:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عناصر مصطلح الدين

نشر فى : الأربعاء 1 سبتمبر 2010 - 10:16 ص | آخر تحديث : الأربعاء 1 سبتمبر 2010 - 10:16 ص

 يرحم الله شيخ شيوخ مشايخنا الأستاذ محمد عبد الله دراز وهو الذى آتاه الله حكمة اقتدر بها أن يصوغ من كلام الفلاسفة فقها علميا ومن صحيح التراث البشرى قانونا منطقيا فضلا عن قيامه بتحكيم ذلك الفقه والقانون على مائدة الوحى القرآنى.. ومصداق قولنا هذا ما تراه فى إبداعه فى كتبه وأبرزها دستور الأخلاق فى القرآن الكريم وكذلك كتابه الدين فى بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان.

قطفنا لك بالأمس زهرات من كتابه «الدين» حيث جاء بخلاصة جامعة مانعة لتعريفات البشرية لمصطلح الدين.
وحينما ننقل عنه لا نقصد التكرار، بل نهدف إلى بيان المعنى الكامل لمصطلح الدين حتى لا يتحول الدين عند البعض إلى مجرد فكرة عقلية، أو مجموعة شعائر وطقوس أو حزمة من الأحاسيس.. أو كما يتوهم البعض أن الدين هو ضميره الخاص يحاسب به نفسه وقتما يشاء.

فالدين أبعد مدى وأكثر عمقا من تلك التصورات فضلا عن يسر هذا الدين وقدرته على التأثير الإيجابى فى كل زمان وكل مكان وفى كل من يريد من بنى البشر.
وقد استخرج العلامة «دراز» من سائر التعريفات عناصر أساسية لمصطلح الدين إذا لم تتوافر فى التدين يصبح هذا التدين ضربا من العشوائية والعبث واللهو لا يسمن ولا يغنى من جوع، فمصطلح الدين عند دراز مصطلح خماسى الأركان أولها الإيمان بوجود ذات عليا تستحق التقديس والخضوع لها، والإيمان بأن هذا المعبود «ذات عليا» يضع المؤمن أمام مسئوليته لأن العابد يقدس ويخضع لذات عليا قادرة وليس لفكرة أو مبدأ، وهذا العنصر واضح أشد الوضوح فى الإسلام، فالمسلم يوقن بأنه يعبد إلها حيا قيوما (وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلْحَيِّ القَيُّومِ...)(111 طه)، (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَىُّ القَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ...)(255 البقرة) وهو إله قادر تجلت قدرته فى تسخير الدنيا لخدمة الإنسان فهو أيضا قادر على أن يحاسب هذا الإنسان ويجزيه.

وثانى عناصر الدين الإيمان بأن القوة العليا المعبودة هى قوة غيبية لا تدرك بالبصر بل تدرك بالعقل والوجدان، تماما مثلما صرح القرآن الكريم عن الله (لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ) (103 الأنعام) أما العنصر الثالث فى الدين فهو الإيمان بأن حقيقة هذه الذات الغيبية المعبودة ليست مما تقع عليه العين من الماديات المرئية المحسوسة بل هى قوة فعالة مؤثرة لها قدرتها التى تتميز باختيار ما تريد، وتقصد ما تفعل بمحض إرادتها دون تدخل من عالم المسخرات والأشياء، هكذا يؤكد القرآن الكريم (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ... ( القصص 68) وأيضا « فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ» (16 البروج).

ورابع العناصر فى الدين أن هذه القوة الغيبية القادرة المريدة ليست قوة منعزلة عن العالم وما فيه من كائنات، بل هى دائمة الاتصال بجميع من فى الكون من مسخرات وبشر فهى تسمع نجوى العباد وتصغى لشكواهم وتعنى بآلامهم وآمالهم كما تستطيع تغيير جميع الأحوال إذا أرادت.
أما خامس هذه العناصر وآخرها فهو اعتقاد المؤمن بحاجته الملحة إلى مناجاة تلك القوة مناجاة تقوم على الخضوع والتمجيد من خلال رغبة فى الرحمة ورهبة من الكبرياء والجبروت.

هذه هى العناصر الخمسة لمصطلح الألوهية أو لمعنى لفظ «الله» وقد تكفلت الأسماء الحسنى ببيان هذه الأركان وشروطها وضوابطها وتجلياتها حتى أصبح عقل المؤمن وقلبه يرى الله ببصيرته فوق كل القوى والقدر «حكيم» «خبير» «يسمع ويرى» «فعال لما يريد».

فإذا كانت الفكرة الطبيعية لا تعالج ولا تعتنى ولا تعترف إلا بالمحسوسات الملموسة التى يمكن بحثها وقياسها والتعرف عليها، كما أن الفكرة الفعلية النفسية تعتنى بما تحسه النفس من أحوال ومعانى، وما يشتغل به العقل من حسابات ومقدمات ونتائجها وكذلك فإن الفلسفة الروحية قد تتقارب مع الدين فى أن كلا منهما يؤمن بما وراء الطبيعة لكن الفلسفة الروحية مع إقرارها بوجود القوة العليا القادرة أو الماهرة فإنها تقف عند هذا الحد ولا تقيم صلة ولا علاقة بين هذه القوة الغيبية العليا وبين عبادها المؤمنين بها من جهة أخرى.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات