فى جمهورية أفريقيا الوسطى.. روسيا تربح الحرب وتخسر السلام - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى جمهورية أفريقيا الوسطى.. روسيا تربح الحرب وتخسر السلام

نشر فى : الأربعاء 1 سبتمبر 2021 - 8:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 1 سبتمبر 2021 - 8:10 م

نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا للكاتب جاك لوش، أورد فيه الانتهاكات التى يرتكبها جيش جمهورية أفريقيا الوسطى بمساعدة المرتزقة الروسية للسيطرة على البلاد، مؤكدا أنهم بذلك يكسبون الحرب ضد المتمردين ولكنهم يفشلون فى تحقيق السلام بسبب ما ستودى إليه هذه الانتهاكات والمظالم المجتمعية من نشوب صراع أوسع.. نعرض منه ما يلى.
وفقًا لما قاله مصدران مطلعان لمجلة فورين بوليسى، فى المقاطعات الخارجة عن القانون فى جمهورية أفريقيا الوسطى، تم حفر حفرة عميقة أمام قاعدة عسكرية. يبلغ عمق هذه الحفرة حوالى 20 قدمًا وعرضها 12 قدمًا، ويستخدمها المرتزقة الروس والقوات الفيدرالية لاحتجاز أى شخص يشتبه فى تعاطفه مع المتمردين ضد نظام الحكم هناك.
نادرا ما يتم توفير الطعام والماء فى هذه الحفر. يتجمع الرجال والنساء معًا، ويتعرضون للحرارة الشديدة أو الأمطار الغزيرة. يتم الإفراج فقط عندما يدفع أحد الأقارب مئات الدولارات وحتى لو كان الشخص بريئا عليه أيضا أن يدفع مقابل حريته!.
السلطات الروسية أنكرت القيام بهذا العمل الوحشى، إلا أن هذه الحقيقة تجسد الاستراتيجية الوحشية وغير المثمرة التى تنتهجها حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى وحلفاؤها الروس لتحقيق مكاسب على مستوى البلاد. ولا داعى للقول إن هذه الاستراتيجية تعمل على تدمير المجتمعات، وتفاقم المظالم، وتسبب سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان، وكلها تمهد الطريق لنشوب صراع أكبر.
وراء هذا كله، تتكشف حرب قذرة فى المناطق النائية الفقيرة فى البلاد، ومعظمها مخفى عن الأنظار والإعلام. فمع وجود القوات الموالية للحكومة من جانب والمتمردين من ناحية أخرى، نجد المدنيين والمدنيات محاصرين بينهم، ويتعرضون للاختفاء والعنف الجنسى والتعذيب والإعدام.
لكن مكاسب روسيا غير المسبوقة فى جمهورية أفريقيا الوسطى تشير إلى أن موسكو تكسب، ظاهريًا، الحرب. بينما على المدى الطويل، ستخسر السلام. فطبقا لهانز دى مارى هيونجوب، كبير المحللين فى مجموعة الأزمات الدولية، البلاد دخلت فى فصل أكثر قتامة، ولا أحد يعرف إلى أين تتجه الأمور. وقد تصبح البلاد غير قابلة للحكم فى الأشهر المقبلة.
•••
فى العام الماضى، كانت هناك مؤشرات ضعيفة ولكنها واعدة على أن جمهورية أفريقيا الوسطى يمكن أن تضع فى النهاية ماضيها البائس وراءها وذلك عندما سعت مجموعة من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية وجماعات المجتمع المدنى والوزارات الحكومية والدول الأجنبية إلى إعادة بناء البلاد بعد حرب أهلية كارثية. تركزت الجهود على الأعمدة الأربعة التى عادة ما يتم إعادة بناء البلدان الخارجة من الصراع عليها.
الأول هو الأمن، بمعنى توفير بيئة آمنة وأساس متين للمواطنين والمواطنات. والثانى هو العدالة والمصالحة، حيث يمكن لأجهزة إنفاذ القانون معالجة الانقسامات، ووضع حد للانتهاكات، ومعاقبة المخالفين بطريقة شرعية. ثالثًا، الرفاه الاجتماعى والاقتصادى وهو مفتاح تلبية الاحتياجات الأساسية، وتعزيز التنمية طويلة الأجل، وتقليل التدفق المالى للجماعات المسلحة لصالح الفئات المهمشة. والرابع هو الحوكمة والمشاركة، وإنشاء مؤسسات سياسية تمثيلية وقطاع عام فعال.
لكن اليوم فى جمهورية أفريقيا الوسطى، تقوم سلطات البلاد وشركة عسكرية روسية خاصة سيئة السمعة، مجموعة فاجنر، بإهانة ركائز السلام هذه، وخنق المعارضة، ومن خلال القيام بذلك، فإنهم يؤججون التمرد القادم.
بعبارة أكثر تفصيلا، الحفر العميقة ــ السابق ذكرها أعلاه ــ هى واحدة من العديد من الانتهاكات. حيث سلط تقرير صادر عن الأمم المتحدة فى يونيو الماضى الضوء على نمط من القوة المفرطة والانتهاكات الخطيرة التى يرتكبها المرتزقة الروس مع الإفلات من العقاب. إحدى هذه الانتهاكات وقعت فى فبراير الماضى، حيث قتل ستة مدنيين على الأقل خلال هجوم روسى على مسجد فى بامبارى، كان حينها تحت سيطرة المتمردين. انتقل القتال بعد ذلك إلى مخيم للنازحين والنازحات، ودمر مركزًا طبيًا وجرح 36 شخصًا، من بينهم ثمانى نساء وتسعة قاصرين بينهم طفل يبلغ من العمر 17 شهرًا.
قائمة الانتهاكات تطول، فقبل شهر تقريبا، ووفقًا لتقرير من الأمم المتحدة، قتل الجنود الروس شخصين غير مسلحين من ذوى الإعاقة، وقبل أسبوعين من ذلك، أطلق جنود روس وجنود من الجيش الفيدرالى لجمهورية أفريقيا الوسطى النار على شاحنة مدنية أثناء اقترابها من نقطة تفتيش عسكرية فى غريمارى واستشهد ثلاثة مدنيين وجرح 15 بينهم ست نساء وطفل. يتهم التقرير أيضًا وحدات فاجنر الروسية بالنهب على نطاق واسع، وسرقة الماشية مثل الدجاج والماعز، وكذلك المال والدراجات النارية.
احتجت المعارضة السياسية لجمهورية أفريقيا الوسطى، لكن الحكومة لم تبدِ اهتماما. نشر مستشار لرئيس جمهورية أفريقيا الوسطى مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعى (فيسبوك) ينفى المخاوف بشأن الجنود الروس. مشيرا إلى أن التسامح مع سلوكيات معينة قام بها الجنود الروس كان الثمن الذى يجب دفعه مقابل مساعدتهم فى «تحرير البلاد»!.
•••
اكتسبت موسكو موطئ قدم فى جمهورية أفريقيا الوسطى بعد أن التقى وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف برئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستين أرشانج تواديرا فى أكتوبر 2017. بدأ التحالف بين البلدين بالتبرع بالأسلحة والذخيرة لجيش جمهورية أفريقيا الوسطى بالإضافة إلى قوة مرافقة قوامها 175 من العسكريين المدربين. بالطبع هناك حوافز اقتصادية واستراتيجية وراء ذلك، حيث يسعى الكرملين إلى وضع بصمته فى أفريقيا.
من الناحية الاقتصادية، قدمت جمهورية أفريقيا الوسطى سوقا جيدا للبنادق والمركبات العسكرية وأنواع أخرى من الأسلحة المصنعة من قبل روسيا. كما أن جمهورية أفريقيا الوسطى تحدها دول غير مستقرة ــ تشاد والكاميرون وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان ــ والتى ستدر دولارات لصناعة الأسلحة الروسية.
أما من الناحية الاستراتيجية، قدمت جمهورية أفريقيا الوسطى فرصة استراتيجية لموسكو لتوسيع مجال نفوذها فى القارة السمراء. واختارت روسيا تنفيذ هذه الاستراتيجية بثمن بخس من خلال استخدام جماعة فاجنر.
فى بداية تنفيذ روسيا مشروعها الطموح هذا، خرجت جمهورية أفريقيا الوسطى من حرب أهلية اندلعت قبل خمس سنوات تقريبًا عندما أطاح تحالف من المتمردين المسلمين يُعرف باسم (سيليكا) بالزعيم الاستبدادى، فرانسوا بوزيزى. ولكن ردا على ذلك، نفذت ميليشيات (بالاكا)، المؤلفة من مسيحيين ووثنيين، عمليات انتقامية شرسة ضد المجتمعات المسلمة، مما أدى إلى مقتل الآلاف.
وفى عام 2016، عندما أدى الرئيس الجديد تواديرا اليمين، خفت حدة القتال. ولكن بمرور الوقت كان العنف يتصاعد مرة أخرى بين الفصائل المتشرذمة من سيليكا وميليشيات بالاكا.
أما خلال العام الماضى، بدأت القوات الحكومية فى جمهورية أفريقيا الوسطى، بدعم من المرتزقة الروس، بالانتشار فى المناطق التى يسيطر عليها المتمردون. وسرعان ما ارتكبت الانتهاكات؛ عنف جنسى، وحالات اختفاء قسرى، وإعدامات فى وضح النهار، إلى جانب انتهاكات منهجية أخرى «تؤثر بشكل خاص على النساء والأطفال والأقليات»، بحسب تقرير للأمم المتحدة فى يناير الماضى. بعد ذلك، فى أواخر العام الماضى، أعاد المتمردون تجميع صفوفهم وشنوا هجمات فى جميع أنحاء البلاد. أدى هذا إلى هجوم مضاد شرس من جيش جمهورية أفريقيا الوسطى المدعوم من روسيا. خلاصة القول، جمهورية أفريقيا الوسطى أصبحت منطقة كوارث إنسانية. ولا نرى أى شيء يشير إلى أن تصرفات روسيا تساعد على استقرار الوضع. بل هناك أدلة على أنها فى الواقع تؤدى إلى زيادة الأوضاع سوءا.
فى ضوء هذه الخلفية، يواصل الروس زرع أنفسهم على جميع مستويات السياسة والأمن فى جمهورية أفريقيا الوسطى. يتحكم الموظفون الروس فى مواقع التعدين الاستراتيجية ويعملون فى عمليات الجمارك المربحة.
وزارة الدفاع فى جمهورية أفريقيا الوسطى على دراية بالاتهامات الموجهة لجنودها لكنها تنفيها باستمرار، على الرغم من الشهادات الموثقة التى تثبت عكس ذلك. أما روسيا فتدحض هذه المزاعم. قال متحدث باسم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى يونيو الماضى: «لا يمكن للمستشارين العسكريين الروس بأى حال من الأحوال المشاركة فى جرائم القتل». ونفى سفير موسكو فى جمهورية أفريقيا الوسطى وجود مرتزقة روس بل يقتصر الأمر على تدريب الجيش فى جمهورية أفريقيا الوسطى وتقديم المشورة له والمساعدة فى العمليات الإنسانية.
•••
على الرغم من كل أعمال العنف المذكورة، لا يزال الدعم الشعبى يميل إلى الوجود الروسى!. بعبارة أخرى، يرى معظم الناس فى جمهورية أفريقيا الوسطى أن الروس منقذون ويعتقدون أنه لا يمكن هزيمة المتمردين دون مساعدتهم. وإذا كان بعض الروس يسيئون استخدام سلطتهم، فهؤلاء أقلية. جاء الدعم الشعبى هذا بسبب أن معظمهم سئموا التفاوض وفقدوا الثقة فى عملية السلام. الناس خائفون من التحدث. المعارضة لا تملك الشجاعة للتظاهر. إنهم مقتنعون بأنهم إذا فعلوا ذلك، فإن الروس سيطلقون النار عليهم. فالأدلة تُظهر من الميدان أنه، سواء كان الأمر يتعلق بالمتمردين أو بمقاتلى ميليشيات بالاكا، فإن قوات فاجنر تختار الاضطهاد الشامل بدلا من شن عمليات محددة بناء على معلومات موثوق فيها.
•••
ختاما، ضعف روسيا هناك لا يرجع فقط إلى تحالفها مع جيش جمهورية أفريقيا الوسطى، التى يشتهر بضعف انضباطه، وعدم التوازن العرقى، وضعف القيادة والسيطرة. بل يرجع أيضا إلى إرسالها الأشخاص الخطأ (مجموعة فاجنر).
ومع استمرار هذه الحرب الوحشية، ستستمر الانتهاكات، ليس أقلها تلك الحفرة العميقة التى حفرت أمام قاعدة عسكرية. وبينما تورط روسيا نفسها أكثر فى هذا المستنقع العنيف، قد يصبح هذا البلد مؤشرا على حفرة أكبر بكثير حفرتها روسيا لنفسها فى قلب أفريقيا.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى: هنا

التعليقات