بريكس.. تحرر الجنوب العالمي وفرص التنمية المستدامة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بريكس.. تحرر الجنوب العالمي وفرص التنمية المستدامة

نشر فى : الجمعة 1 سبتمبر 2023 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 1 سبتمبر 2023 - 7:25 م

بعيدا عن تفاصيل انضمام مصر إلى تجمع «بريكس» والفرص التنموية والمكاسب التجارية والنقدية التى ستحملها العضوية الكاملة اعتبارا من بداية ٢٠٢٤، ثمة أهمية سياسية وجيو ــ استراتيجية كبيرة للتجمع ولدوره فى النظام العالمى ولحضوره فى بلدان الجنوب الممتدة عبر القارات الآسيوية والإفريقية والأمريكية اللاتينية ليس لها غير أن تتصاعد بعد انضمام مصر وإثيوبيا والسعودية والإمارات وإيران والأرجنتين إلى الأعضاء المؤسسين الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا.
• • •
من جهة أولى وقبل توسعه، كان يعيش على أراضى دول «بريكس» ما يتجاوز ٤٠ بالمائة من سكان الكرة الأرضية، وتسهم اقتصادياته بما يزيد على ثلث الناتج العالمى الإجمالى، ويدار ما يقرب من ٦٠ بالمائة من تبادلاته التجارية بالعملات الوطنية وليس الدولار، وقدم «بنك التنمية الجديد» التابع له قروضا تنموية لدوله ولدول أخرى فى الجنوب العالمى لم تقل عن ٣٠ مليار دولار.
اعتبارا من ٢٠٢٤، سترتفع جميع هذه الأرقام فى سياق انضمام الأعضاء الجدد وسيكتسب التجمع تنوعا جغرافيا بالانفتاح على منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقى وجنوب أمريكا اللاتينية. بل إن تجمع «بريكس بلس» سيصير مع عضوية روسيا والسعودية وإيران والإمارات المورد الأكبر للطاقة فى عالم اليوم.
نحن، إذا، أمام تجمع له قوة بشرية واقتصادية وتجارية كبرى ويتمتع بتنوع جغرافى حقيقى وبقدرات تنموية وثروات طبيعية هائلة. وعلى الرغم من ابتعاد أعضاء «بريكس بلس» بالحسابات الراهنة عن تطوير اندماج اقتصادى وتجارى ومالى مشابه للاتحاد الأوروبى على سبيل المثال أو منطقة للتجارة الحرة كمنطقة «نافتا» التى تضم الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك، إلا أن مصادر قوتها وتنوعها وقدراتها تؤهلها لأن تكون تكتلا عالميا مؤثرا بشرط حضور حد أدنى من التنسيق السياسى والوعى الجيو ــ استراتيجى وتوافق إرادات الأعضاء على التطوير التدريجى للتعاون التنموى وللعلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية.
• • •
من جهة ثانية، وفيما خص شرط التنسيق السياسى، أظهر الأعضاء المؤسسون لتجمع «بريكس» خلال السنوات الماضية قدرتهم على العمل الدولى المشترك وعلى الانفتاح على بلدان الجنوب العالمى والإسهام البناء فى تبنى قضاياهم العادلة.
قادت الصين الدبلوماسية الدولية المطالبة بحل سلمى للحرب الروسية ــ الأوكرانية، والممتنعة عن إدانة أحادية للغزو الروسى للأراضى الأوكرانية دون اعتبار للتهديدات الواردة على مصالح وأمن روسيا التى مثلها انضمام محتمل لأوكرانيا لحلف الناتو، والرافضة للانصياع للعقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على الاقتصاد الروسى. واشتركت الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا مع الصين فى معارضة توظيف الغرب لمنصة الأمم المتحدة لإدانة روسيا، وفى تفنيد ازدواجية معايير الجانبين الأمريكى والأوروبى اللذين يريان فى الغزو الروسى فعلا إجراميا يناقض مبادئ وقواعد القانون الدولى بينما يبرران الغزو والاحتلال والأبارتيد الإسرائيلى فى فلسطين ويتنصلان من المسئولية عن الدمار الذى سببه الغزو الأمريكى ــ البريطانى للعراق والغزو الأمريكى ــ الأوروبى لأفغانستان والتدخلات الغربية العسكرية فى الشرق الأوسط والقرن الإفريقى وغرب إفريقيا.
قادت الصين أيضا التجمع باتجاه التنسيق السياسى بين الدول الأعضاء للتخفيف من الآثار السلبية للحرب الروسية ــ الأوكرانية على بلدان الجنوب العالمى. وإذا كانت الحكومة الروسية قد عملت على إمداد الجنوب بالقمح والحبوب الأساسية الأخرى إن بأسعار مخفضة أو فى إطار تبادلات بالمقايضة أو بقروض ميسرة لضمان أمنها الغذائى، فإن الحكومة الصينية هى التى اضطلعت بمبادراتها التنموية الكبرى مع الجنوب (الحزام والطريق) بالدور الأهم فى مساعدة البلدان الأكثر فقرا ومحدودة الدخل على التعامل مع الأوضاع الاقتصادية السيئة المستمرة منذ جائحة كورونا والتى عمقت منها الحرب الروسية ــ الأوكرانية بارتفاعات أسعار الحبوب والطاقة ومعدلات التضخم غير المسبوقة. توسعت الصين خلال السنوات الماضية فى الإقراض التنموى لبلدان الجنوب وفى التبادل التجارى بالعملات الوطنية وفى الاستثمارات فى مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا والطاقة المتجددة فى جوارها الآسيوى وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. ومع أن الشروط المالية للقروض والاستثمارات الصينية فى الجنوب قد تكون أكثر صعوبة من قروض المؤسسات المالية الدولية والحكومات الغربية، غير أنها قدمت وتقدم «شريانا لحياة» فقراء العالم فى مرحلة تراجع ويتراجع بها اهتمام الغرب بهم.
كما أن الصين، ومعها الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، نشطت دبلوماسيا وسياسيا وفى سياقات مختلفة، إن داخل «بريكس» مع الدول التى كانت مراقبة وستصبح كاملة العضوية فى ٢٠٢٤ أو داخل مجموعة الـ٧٧ أو فى المحافل الدولية كمنتديات التنمية والمناخ العالمية، للتعبير عن مصالح بلدان الجنوب العالمى ومطالبها العادلة فيما خص حقوقها التنموية والتعامل مع تداعيات التغير المناخى الذى لم تتسبب به وتتحمل كلفته والتعاطى مع تراكم ديون الجنوب وأزماته التجارية والمالية التى تستدعى حلا شاملا. وحتما سيتصاعد هذا التنسيق الدبلوماسى والسياسى باسم بلدان الجنوب العالمى بانضمام دول كمصر وإثيوبيا والأرجنتين وهى ذات اهتمام تقليدى بتمثيل مصالح قاراتها وبالبحث عن حلول شاملة وعادلة لأزمات التنمية والديون والتجارة.
• • •
من جهة ثالثة، وفيما خص شرط حضور الوعى الجيو ــ استراتيجى لدى تجمع «بريكس» بكونه يمثل تكتلا عالميا يسعى إلى الحد من الهيمنة الكونية للغرب الأمريكى والأوروبى على الاقتصاد والتجارة والمال، فإن الخطاب الرسمى للأعضاء المؤسسين للتجمع ولبعض المنضمين الجدد يدلل على ذلك بوضوح.
للحكومتين الصينية والروسية خطاب رسمى يرفض الهيمنة الغربية على النظام المالى العالمى (مركزية الدولار الأمريكى وسيطرة الغرب على المؤسسات المالية الدولية والتبادلات البنكية من خلال نظام سويفت) ويبحث عن بدائل لها إن باعتماد العملات الوطنية فى التبادلات التجارية داخل «بريكس» أو مع بلدان الجنوب أو بالتوسع فى برامج المقايضة التجارية أو بتأسيس بنك «التنمية الجديد» حتى وإن تواضع رأسماله المعلن وتواضع أكثر ما جمع من الرأسمال هذا إلى اليوم. أما الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا كأعضاء مؤسسين، ومعهم مصر وإثيوبيا والأرجنتين كأعضاء جدد، فلهم تاريخيا خطاب تحررى يسعى لتخليص الجنوب العالمى من الهيمنة الغربية ويمد الخط على استقامته بين السيطرة الاستعمارية للغرب على مقدرات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية حتى بدايات النصف الثانى من القرن العشرين وبين الاستعمار الجديد الذى أسست له الولايات المتحدة منذ انتهت الحرب العالمية الثانية فى ١٩٤٥ وما لبثت تدافع عن استمراره بكافة الوسائل الاقتصادية والتجارية والمالية، بل والسياسية والعسكرية والأمنية.
تعى هذه الدول جيدا، دون تورط فى معاداة الغرب الذى تربطها به علاقات تعاون واسعة، الأهمية الجيو ــ استراتيجية للخروج من مصيدة الهيمنة الأمريكية والأوروبية من خلال تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة للجنوب وتعميق التنسيق بين بلدانه لانتزاع حقوقها التى أهدرت تاريخيا بسبب ماضى وحاضر الاستعمار الغربى واستعادة شىء من العدالة للنظام العالمى. ليس بغريب، إذا، أن تبتعد الحكومة الهندية عن عروض التحالف مع الولايات المتحدة التى تنهال عليها اليوم لجرها إلى التورط فى مواجهة مع الصين وأن تخرج فى مناسبات عدة (الهبوط الناجح على الجانب المظلم من القمر، وقمة «بريكس» الأخيرة فى جوهانسبرج وإعلان توسع التجمع) بخطاب يموضع العملاق الآسيوى الصاعد داخل الجنوب العالمى كممثل لحقوق شعوبه وآمالها فى التنمية والعدالة والتقدم. ليس بغريب، أيضا، أن يأتى الخطاب الرسمى المصرى والإثيوبى والأرجنتينى المرحب بالانضمام إلى التجمع متطابقا فى ترحيبه باسم الجنوب العالمى بالعضوية وفى تشديده على الحقوق التنموية والمطالب العادلة لبلدانه.
• • •
من جهة رابعة، وفيما خص مدى توافق إرادات أعضاء «بريكس» على التطوير التدريجى للتعاون التنموى وللعلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية بينها وكذلك بينها وبين بلدان أخرى فى الجنوب العالمى، وبغض النظر عن الاندفاع الروسى السابق لأوانه للحديث عن «عملة موحدة ونظام نقدى مشترك» وعن التصريحات الصينية والسعودية والإيرانية المتتالية عن تعاملات تجارية شاملة بغير الدولار وهى أيضا سابقة لأوانها، فإن الثابت اليوم هو رغبة الأعضاء المؤسسين والجدد فى توظيف التجمع لمنازعة الهيمنة الأمريكية والأوروبية.
الصين، وهى المنافس الأكبر والأشرس للغرب، تريد قيادة تكتل عالمى مؤثر يدعم من قوتها وأوراقها الاستراتيجية وتقدم نظير ذلك مساعدات تنموية واسعة. أما روسيا، فتبحث عن الحد من تداعيات العقوبات الأمريكية والأوروبية عليها بتطوير منظومة بديلة للعلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية وتحتاج فى هذا الصدد إلى أعضاء «بريكس» بثقلهم الكبير. بينما تعمل الهند ومعها الأعضاء الآخرون من ذوى الكثافة السكانية الكبيرة والمطالب التنموية المتصاعدة، ومن بينهم مصر وإثيوبيا والأرجنتين، على الحد من الانكشاف فى إدارة شئون الاقتصاد والتجارة والمال لما يمكن توصيفه كالاعتماد الأحادى على الغرب والمؤسسات المالية المدارة من واشنطن (صندوق النقد الدولى والبنك الدولى) وتعظيم فرصها فى التنمية المستدامة والشاملة. أما الدول المصدرة للطاقة كالسعودية والإمارات وإيران، فلها مصالح ترتبط إن بتقليل هيمنة الغرب للحصول على مزايا تنافسية أكبر أو بتحقيق استقلالية تجارة النفط والغاز الطبيعى عن هيمنة الشركات الأمريكية والأوروبية وسيطرة الدولار على مبادلاتها.
• • •
بحسابات اليوم، إذا، لسنا إزاء تجمع «بريكس» مع كيان مناظر للاتحاد الأوروبى ولا مع منطقة تجارة حرة كاملة تتطابق مع منطقة «نافتا» ويصبح من الخطأ، سياسيا وتحليلا، الحكم عليه بمعايير مستمدة من السباق الأوروبى أو الأمريكى الشمالى. بل نحن مع تجمع ذى قدرات تنموية واقتصادية وتجارية ومالية هائلة، وتنسيق سياسى متصاعد، ووعى واضح بالوزن الجيو ــ استراتيجى وبالدور فى النظام العالمى، وتوافق الإرادات لجهة المزيد من التعاون بين الأعضاء المؤسسين والجدد وبينهم وبين بقية بلدان الجنوب الذين يدافعون عن حقوقها ومطالبها العادلة بعد أن سئمت شعوبها من الهيمنة الغربية ومن مراكمة الولايات المتحدة وأوروبا للثروات على حسابها ومن الاستدانة لمؤسسات وبنوك الغرب.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات