عُرسٌ أم مأتم - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 4:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عُرسٌ أم مأتم

نشر فى : الأربعاء 1 ديسمبر 2010 - 10:21 ص | آخر تحديث : الأربعاء 1 ديسمبر 2010 - 10:21 ص

 عندما تجد من السهل عليك كصحفى أن تكتب عن الانتخابات فى ساحل العاج، وكيف جرت معارك الشوارع فى بوركينا فاسو بين أنصار الرئيس الفائز والرئيس المهزوم، سوف تفهم على الأقل أن ما يحدث هو نتيجة لحروب وخلافات قبلية قديمة لا علاقة لها بالديمقراطية. ولن تأسف حينئذٍ على ما فاتك فى «عرس الديمقراطية» الذى شهدته مصر قبل أيام. وكان من سوء حظ العالم أن تمنع السلطات الرسمية المراقبين الدوليين من نقل مشاهده المثيرة والخطيرة!

فعندما تستيقظ صباح أحد الأيام على ضجيج الاشتباكات التى وقعت فى مقار الدوائر الانتخابية بين أنصار مرشح من أحزاب المعارضة، وأنصار مرشح من الحزب الحاكم الذين يحاولون منع أنصار المرشح المعارض من الاقتراب من حرم المكان أو الدائرة، وينتهى الأمر بقطع الطريق العام ونزع اللافتات وتشويه الشعارات والصور التى علقها الخصوم.. فإذا لم يكف قطع الطريق جرى استخدام الأسلحة البيضاء والعصى والسنج ثم إطلاق الأعيرة النارية فى الهواء أو فى المليان إذا لزم الأمر، وربما جرى خطف المرشح أو بعض أنصاره.. فاعلم أن ما تراه وتسمعه ليس إلا مظهرا من مظاهر الاحتفال بالعُرس «العظيم»: عُرس الديمقراطية!

وعندما يستخدم الوزراء وكبار المسئولين الذين رشحوا أنفسهم لنيل مقعد فى مجلس الشعب يضمن لهم حصانة دائمة، فيستخدم وزير البترول أتوبيسات شركات البترول.. ووزير الصناعات الحربية عمال مصانعه للاشتباك مع المرشح المستقل المعارض.. ووزير المالية امكانات وزارته فى إغراء الناخبين بالتعيين فى الوظائف.. ويتم إفراغ الدوائر من المنافسين لضمان نجاح الوزراء واكتساح الأغلبية.. فلابد أن تشعر بأن شيئا لم يَفُتك من «أفراح الديمقراطية» على الطريقة المصرية، وأنك صرت جزءا لا يتجزأ منها، حتى وإن لم تنل نصيبك منها.

وعندما تغلق المقار الانتخابية مبكرا. ويعكف الموظفون المحترفون على تسويد البطاقات الانتخابية وملء الصناديق بها، ويشكو قاضٍ يرأس إحدى اللجان مما رآه من تزوير رأى العين، فيحتجزه البوليس ساعات قبل أن يفرج عنه، وعندما يُمنع مندبو المرشحين من دخول اللجان بحجة ضيق المكان أو كثرة عدد المرشحين، ثم يمنع أعضاء جماعات الحقوق المدنية من مراقبة العملية الانتخابية، ولا يسمح إلا لأعداد محدودة ذرا للرماد فى العيون، فلابد أن «العُرس الديمقراطى» قد جرى الإعداد له إعدادا جيدا، وأن جموع الناخبين نالت حريتها كاملة غير آبهة بالبلطجية ومحترفى التزوير.. وقد غطت حالة الإظلام التام على كل شىء، ولم يكن عجيبا ألا تزيد نسبة الذين أدلوا بأصواتهم على 15٪ (الحكومة تقول 25٪).

لا أظن أن دولة فى العالم احتفلت بممارسة الديمقراطية كما فى مصر، وأسرفت على نفسها وعلى الشعب فى الدعاية وفى دعوة الناخبين للمشاركة فى حقبة جديدة، كما أسرفنا نحن فى مصر من خلال وسائل الإعلام الحكومية، تليفزيونية وورقية ورقمية.. دون أن نهيئ الأسباب ونضع الضمانات ونقدم الحوافز السياسية التى تغرى المواطن بأداء واجبه والإدلاء بصوته، بغير خوف من عصا البوليس، أو طمع فى سخاء المرشح وكرمه، أو انسياقا وراء القطيع ممثلا فى قبيلة أو حزب!

لقد تحول «عرس الديمقراطية» إلى مأتم بالنسبة لقطاع واسع من الشعب، استبعد بالقوة لأسباب غير مفهومة، وقد يكون بسبب ضيق الأفق والغباء السياسى، ورفض استقلالية القرار. وعلى الرغم من الكلام الكبير والعناوين الرنانة عن حقوق الإنسان ولجانها ومجالها، والإشراف القضائى ولجانه، فقد اعترف الجميع بأن اللجنة العليا للانتخابات عجزت عن حماية القضاة وعن إعادة الحق لأصحابه.. ولم يكن يكفى ذلك العرض المستمر على شاشات التليفزيون للاشادة بعرس الديمقراطية. فقد أسفر العُرس عن إصابة الديمقراطية فى مقتل. وفقد مجلس الشعب عددا من أبرز واكفأ نوابه من المعارضة، ليستولى الحزب الحاكم على الأغلبية الساحقة.

فى الأرياف يحتفل أهالى العروسين بإطلاق النار فى الهواء احتفالا بليلة الزفاف.. وفى معظم الحالات يقع ضحايا نتيجة الجهل والطيش والحماقة.. هكذا بدا لى عرس الديمقراطية الذى رأيناه.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات