كريسماس - أحمد الصاوى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 2:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كريسماس

نشر فى : الإثنين 2 يناير 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الإثنين 2 يناير 2012 - 9:10 ص

لم يحتفل الشهداء بعيد الميلاد

 

كان الناس فى الميدان يشعلون لأجلهم الشموع ويقيمون الصلوات، يرفعون الأكف متضرعين بالدعاء إلى إله الكون الواحد، يسألون «ربنا الحى القيوم» أو «أبانا الذى فى السموات»، فيصعد الدعاء بالرحمات لسماء كان هذا التنوع مشيئة خالقها وحكمته، لكن الشهداء لم يحتفلوا ولم يفرحوا.

 

كان الناس فى الميدان يغنون للوطن، ولدماء الشهداء، يتذكرون التضحيات بثناء على أصحابها، يشكرون كل من خرج ووقف أمام الرصاص، وغاص وسط سحائب الغاز ومات تحت الجنازير الغليظة، لكن الشهداء لم يحتفلوا ولم يفرحوا.

 

كان الناس فى الميدان يودعون عاما رحل، ويستقبلون قادما جاء، ينظرون خلفهم لتاريخ لاهث، لا يترك الفرصة لأحد حتى يتدبر ويعتبر، يحتفلون بألف تاريخ صنع فى 12 شهرا، يراكمون إنجازات مكتوبة بدم غال، لكن الشهداء لم يحتفلوا ولم يفرحوا.

 

كان الناس فى الميدان، يردون اعتبارا لشهداء وُصموا بالبلطجة والتخريب، لوثتهم العناوين فى الصحف الخائنة، مع أنهم هم الذين قلبوا التاريخ رأسا على عقب، خرجوا بالسجناء إلى مقاعد الحكم، وأخذوا الحكام إلى الزنازين، وضعوا بذرة العدل وانتظروا أن تصبح شجرة نامية وارفة يعلقوا عليها أمانيهم فى ليلة عيد الميلاد، لكن الشجرة لم تنمُ لأن البذرة مازالت ضائعة بين بقايا التربة الفاسدة، لذا فإن الشهداء لم يحتفلوا ولم يفرحوا.

 

كان الناس فى الميدان، منهم من رتل القرآن ترتيلا، ومنهم من رنم المزامير ترنيما، ومنهم من أحجم معتقدا أن شريعته تمنعه، لكن الشهداء راحوا وهم موقنون أن كل الشرائع تعنى العدل، وأنه طالما ظل بعيدا فلا إثم أعظم، لذلك جاد كل منهم بروحه معتقدا أنه ليس أول الشهداء لكنه سيكون آخرهم، لكن طابور الجنازات انتظم، ونهر الدم لم يتوقف جريانه، لذا فإن الشهداء لم يحتفلوا ولم يفرحوا.

 

كان أناس فى الميدان يودعون عاما ويشحذون الهمم لنضال عام جديد، وكان أناس خلف الشاشات ينظرون للميدان باعتباره فرض الكفاية، وأناس يرون الميدان رجسا وخيانة، وأناس يقطفون ثمرة الميدان ليقضمونها فى البرلمان، وأناس لا يكترثون، لكن الشهداء الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون، ربما ينظرون فى أبديتهم لحصاد دمائهم، يرون من يحاول أن يحيله لحرث فى بحر، ومن يدعو عليهم بدلا من أن يرجو لهم الفردوس، لذا فإنهم لم يحتفلوا ولم يفرحوا.

 

كان الناس فى كل البلاد يحتفلون بعام مضى، لكن الشهداء يعرفون أنه إذا كان «التقويم» قد فرض عليه الرحيل، فهو باق على الأرض، لأن ما بدأ فيه لم ينته، لا عيش ولا حرية ولا كرامة إنسانية، ولا عدل تحقق ولا قصاص، ليس من حق 2011 إذن أن يرحل دون أن يحقق وعوده، سيذهب التقويم باسمه لكنه لا يجب أن يزهق روحه، لأن من حق الشهداء أن يحتفلوا وأن يفرحوا.

 

رأيت الناس يحتفلون بعام يمضى ورأيت الشهيد يخاطبهم: «أحبكم.. ».

 

أعرف أنكم تقاتلون من يحبكم.. لكننى.. أحمل نعش الحب فوق كاهلى الصغير.

 

أمشى به.. لعل هذا الجسد الهامد يوما ما يسير.. باسم الذين يولدون ميتين.. ومن يضاحكون وجه الشمس فى الحقول.. ومن يقاتلون دون سيف.. ومن يضاجعون هذا الخوف»، أو كما قال أمل دنقل.

أحمد الصاوى كاتب صحفي
التعليقات