درجات لا طبقات فى الإسلام - رجائي عطية - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 3:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

درجات لا طبقات فى الإسلام

نشر فى : الأربعاء 2 فبراير 2022 - 10:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 2 فبراير 2022 - 10:00 م
من الحقائق التى لا يقع عليها خلاف حقيقة أن التفاوت ظاهرة كونية، وأنه لا نهاية من ثم للفوارق بين الناس، فى الطائفة الواحدة، وفى العمل الواحد.. حتى فى الأجرام بين السماوات والأرضين، وفى أوراق الشجرة الواحدة، وفروعها، فالفوارق موجودة، ولا يتساوى جرمان ولا فرعان ولا ورقتان.
من هذه الحقيقة ينطلق الأستاذ العقاد، ليستطرد استطرادات مبحرة، تتفق مع تكوينه وموسوعيته وميله الذى لا يداريه للتساند إلى معارفه الواسعة، حتى وإن كانت «حقيقة التفاوت» لا تحتاج إلى كل هذه البراهين، ولكنه الأستاذ.
يطوف الأستاذ العقاد فى بلاد الطبقات، كالهند، والإقطاعيين فى أوروبا، ورأس المال والعمال والنبلاء والسراة فى البلاد الروسية، وحيث موضع الصناعات الكبرى والأطوار الاقتصادية، ليؤكد أن الطبقات ستبقى ما بقى الناس مختلفين.
ولعل القارئ يذكر أننى بمناسبة حديثى سلفًا عن كتاب: «الفلسفة القرآنية» فضلت تعبير «الدرجات» على تعبير «الطبقات»، بيد أن ذلك لم يكن إنكارًا لوجود الطبقات، وإنما كان تعبيرًا عن موقف القرآن الكريم الرافض لمنطق الطبقات؛ وحرصه على أن يسبغ على الفوارق التى لا خلاف على وجودها، أنها تنصرف فى الإسلام ــ إلى «الدرجات» لا إلى «طبقات»، لأنه لا يقر منظور «الطبقات»؛ ولم يستخدم القرآن الحكيم إلاَّ تعبير الدرجة والدرجات، وهذا واضح ظاهر فى آياته.
الأفضليات والدرجات
التفاوت موجود بين جميع أقدار الناس، وإن كانوا من الأنبياء والمرسلين..
«وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ» (الإسراء 55).
«تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ» (البقرة 253).
ولا يسوى الإسلام بين العلماء والجهلاء، ولا بين المؤمنين فى صدق الإيمان.
«هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» (الزمر 9).
«يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» (المجادلة 11).
وليس من العدل فى الإسلام أن يختلف الناس فى العمل ويتساووا فى الأرزاق، فهم مختلفون فى درجات الرزق كاختلافهم فى درجات العلم والإيمان.
«نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ» (الزخرف 32).
«وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الْرِّزْقِ» (النحل 71).
بيد أن هذا التفاضل لا يقوم على نسب موروث، أو على سطوة أو غضب أو نفوذ، إنما يقوم على العمل الذى هو ــ مع الأخوة ــ المناط والحكم الذى إليه التقدير.
«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» (الحجرات 10).
«وَهُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ آتَاكُمْ» (الأنعام 165).
«وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ» (الأنعام 132).
ويبدو جليًّا فى هذه الآيات، حرص القرآن الكريم على استعمال تعبير «الدرجات»، وهو ما قصدته من أن الإسلام وإن أقر بوجود التفاوت، والتفاضل أيضًا، إلاَّ أنه أنكر تقسيم الناس إلى «طبقات» وآثر عليه تعبير «الدرجة» و«الدرجات».
على أنه أيًّا كانت المسميات، فالمنظور الإسلامى واضح، فإنه عالج الأمر على سنة المساواة، وعلى ما يصلح به المجتمع الإسلامى: مجتمع الضمائر والنفوس التى يخاطبها الدين.
أمانة العلم والإصلاح، ينهض عليها الأكفاء لها، ولا تحكمًا ولا سيطرة، وإنما من باب الإقرار بالكفاية لأهلها، والقدرة على الإصلاح للناهضين بها.
«فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» (النحل 43).
«وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ» (آل عمران 104).
كسب المال مباح محمود، ولكن الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى الخير ملعونون مستحقون للعذاب الأليم:
«وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ» (التوبة 34).
وصلاح المال أن تتداوله الأيدى.
«كَى لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاء مِنكُمْ» (الحشر 7).
وليس من الخير فى غنى المال أن يجمعه الإنسان حتى يطغيه.
«كَلا إِنَّ الإنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى» (العلق 6، 7).
أما المحتكرون فهم منبوذون من المجتمع الإسلامى يبرأ منهم ويلعنهم الله، كما جاء فى الأحاديث النبوية الشريفة: «الجالب مرزوق والمحتكر ملعون»، كما جاء فيها: «من احتكر طعامًا أربعين يومًا يريد به الغلاء فقد برئ من الله وبرئ الله منه».
ودفع الإسلام ربا النسيئة بتحريمه، ودفع المضاربة بالنقد أو بالطعام لاحتكاره، ونهى عنهما نهيًا شديدًا ووصفه الحديث الذى مرَّ بنا سلفًا، بأنه ربا.
والعمل هو المناط..
«وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» (التوبة 105).
وفى الحديث الشريف:
«إن الله يحب العبد المحترف ويكره العبد البطال».
«أفضل الكسب كسب الرجل بيده».
ولمن أقعده العجز أو المرض عن السعى، فله على المجتمع حق مفروض.
«لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِى الرِّقَابِ» (البقرة 177)
والحديث عن الزكاة، وغايتها فى الإسلام، لا يبتعد بنا عن حديث المساواة كمبدأ إسلامى يقع عليه الإجماع، فمن المتفق عليه أن الإسلام لم يقصد بفريضة الزكاة أن تكون حلاًّ لمشكلة الفقر، فحل مشكلة الفقر يكون بالعمل والسعى فى طلب الرزق فى مجتمع واجب عليه أن يتسع لهذا السعى، بل ويحث عليه.
وإنما يقصد الإسلام إلى أبعد من هذا، مستهدفًا أن تكون الزكاة بابًا للتعاون بين الناس، هذا التعاون الذى هو أدب من آداب الإسلام، وسعيه فى تكريس الاتجاه إلى سيادة المساواة بين الناس، مهما اتسعت فيما بينهم الفروق.
وأدب التعاون، أدب يؤدى إلى هذه الغاية، فالمتعاونون لا يستعلى أحدهم على الآخر، بل يقترب منه بهذا التعاون، ففى سيادة روح التعاون، تقريب للمساواة بين الناس.
يقول الله تعالى:
«وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ..» (المائدة 2).
«وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ» (العصر3).
وواجب الكبار فى الإسلام كواجب الصغار، فعلى كل واجب، فليس من المسلمين كبير لا يرحم صغيرًا، أو صغير لا يوقر الكبير..
وفى الحديث الشريف:
«ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف، وينه عن المنكر».
وإنه لمما ييسر التعاون بين الأمة، فيما يقول الأستاذ العقاد، إن تقرر فيها كفالة الضعفاء فرضًا محتومًا على القادرين، وأن يمتنع حبس المال فى حوزة فريق من الناس.
لا إفراط ولا تفريط ولا استئثار ولا حرمان.
حتى الإمام فى الإسلام، ليس سيدًا على الناس، وإنما هو وكيل الأمة فى رعاية المجتمع والأحياء، وفى إقامة النظام وحدود الله، لذلك كانت طاعته واجبة فيما يدعو به لمصلحة الأمة.
لذلك فليس للإمام أن يستعلى على الرعية، وليس له أن يستعلى عليها، ولا أن يعطل حدود الله، أو أن يقيم حدًّا فى غير موضعه، فحيثما استطلعنا نجد مبدأ المساواة مرعيًّا فى كل أركان الحياة، والصلات بين الناس.
‏Email:rattia2@hotmail.com
www.ragai2009.com
التعليقات