قراءة فى أوراق الأزمة المصرية ــ السعودية - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 11:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قراءة فى أوراق الأزمة المصرية ــ السعودية

نشر فى : الخميس 3 مايو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 3 مايو 2012 - 8:00 ص

ليست هذه الأزمة هى الأولى فى المسار المعاصر للعلاقات المصرية ـــ السعودية، لكنها قد تكون الأخطر. فى الأزمة الأولى قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع مصر على خلفية قصف الطيران المصرى قواعد الملكيين اليمنيين إبان الوجود العسكرى المصرى فى اليمن لدعم ثورتها الجمهورية فى ستينيات القرن الماضى، وكان قطع العلاقات والسعى إلى توفير ظهير أمريكى لحماية السعودية أمرا منطقيا ومتوقعا تعبيرا عن رفض مهاجمة الإقليم السعودى، حتى ولو كان مصدر الهجوم هو مصر التى كانت فى ذلك الوقت تتبوأ باقتدار موقع القيادة فى النظام العربى. كان المشروع الناصرى فى أوجه، وله أنصاره داخل السعودية نفسها، ولم تكن مصر فى حينه تعتمد على السعودية فى تشغيل عمالة أو تلقى مساعدات، لذلك كان الميزان لصالح مصر على الرغم من الإجراء السعودى. فى الأزمة الثانية قطعت السعودية علاقاتها مع مصر عقب توقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل، لكن وقع الأزمة كان أقل حدة، لأن قرار قطع العلاقات كان ضمن إطار عربى جماعى، وليس صحيحا ما أشار إليه البعض فى سياق الأزمة الراهنة من أن السعودية كانت «تقود» جبهة الرفض للسلوك المصرى، فقد كان «عراق صدام حسين» هو قائدها فى خطوة أخيرة قبل إقصاء مصر تماما عن أى دور قيادى فى النظام العربى، وحلول العراق محلها، بل لعل السعودية ـ كما يظهر محضر المجلس الوزارى الذى أوصى بالقرار ـ قد حاولت التخفيف من حدة الاندفاع نحو إدانة مصر وفرض العقوبات عليها. فى هذه المرة التى لم يصل الأمر فيها إلى حد قطع العلاقات اكتفت السعودية باستخدام بعض أعمال «العداء الدبلوماسى» كما تسمى نظريا، أو أدوات الضغط الدبلوماسية وفقا للتسمية الشائعة. فى المرتين السابقتين كانت الأزمتان محصورتين فى الخلاف بين «حكومات»، ولكنها فى هذه المرة بدأت «مجتمعية» ولم يظهر العنصر الرسمى فيها إلا عند تفاقمها.

 

●●●

 

ليس جديدا أن تحدث «أزمات مجتمعية» فى علاقات مصر العربية، خاصة بعد أن خرج ملايين المصريين لأول مرة إلى البلدان العربية ـ وبالذات بلدان النفط ـ سعيا إلى عمل ضاقت فرصه عليهم فى وطنهم، فتعرض البعض منهم لتداعيات نموذج العلاقة بين العمالة الوافدة وسلطات البلدان المستقبلة لهذه العمالة، وقد يذكر القارئ الكريم الأزمة فى العلاقات العراقية ـ المصرية بعد انتهاء حرب العراق مع إيران فى ثمانينيات القرن الماضى التى لم يكن للقيادة العراقية يد فيها، وإنما بدأت بأولئك العراقيين الذين سُرِحوا من الجيش بعد الحرب ليكتشفوا أن العمالة المصرية تشغل أماكنهم، وتصاعدت الأزمة يومها إلى حد القتل إلى أن تدخلت القيادتان العراقية والمصرية لحل الأزمة، وكانت الأولى معروفة بموقف إيجابى من العمالة المصرية فى العراق. بل إن مصر والسعودية سبق لهما أن تعرضتا لأزمة «مجتمعية» فى العلاقات بينهما بعد أن اتهم رب أسرة مصرية يعمل فى السعودية الناظر السعودى لمدرسة طفله بالاعتداء جنسيا عليه، وتطور الأمر يومها إلى إدانة الشاكى وجلده علنا أمام المدرسة بتهمة القذف، وساعتها قامت قيامة النخبة المصرية ولم تقعد، كما ظهر على صفحات الصحف، ورد السعوديون يومها بالمثل، وطالت الأوصاف القاسية فى هذا العراك «المجتمعى» الشعبين المصرى والسعودى. وأخطر ما فى هذه الأزمات «المجتمعية» أنها ـ على العكس من العداء بين حكومتين الذى يمكن أن يزول فى أى وقت بالمصالحة أو تغيير أيهما ـ تفضى إلى عداء «مجتمعى» لابد وأن يترك رواسب سلبية فى النفوس.

 

●●●

 

بدأت الأزمة بمظاهرات نظمها قطاع من الشباب نصرة للمواطن المصرى «أحمد الجيزاوى» الذى سافر إلى السعودية لأداء العمرة، فاعتُقل فور وصوله مرة بحجة أنه مدان غيابيا بجريمة العيب فى الذات الملكية، وثانية باتهامه بمحاولة تهريب أقراص مخدرة للسعودية. ويسود الاعتقاد فى مصر بأن ما حدث له مدبَرٌ بليل، وأن المؤسسة الأمنية السعودية قد نصبت له هذا الشَرَك، وظلت أحداث الأزمة تتصاعد إلى أن وصلت إلى حد استدعاء السعودية سفيرها للتشاور وإغلاق مقارها الدبلوماسية والقنصلية فى القاهرة والإسكندرية والسويس بما يعنى عملا منع سفر المصريين إلى السعودية للعمرة أو العمل. كان غضب النظام السعودى مما جرى متوقعا، لكن المفاجأة تمثلت فى الإجراءات التى تضمنها الرد السعودى، وسارعت جميع المؤسسات السياسية الرسمية فى مصر بدءا بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة وانتهاء بوزارة الخارجية إلى محاولة رأب الصدع، وإقناع الطرف السعودى بالعدول عن إجراءاته، وعززت هذا مظاهرات محدودة تفوح منها رائحة «الإعداد المسبق» أكدت شعاراتها على عمق العلاقات بين البلدين، وطالبت بعودة السفير. ويلاحظ أن معظم المشاركين فى هذه المظاهرات ينتمى إلى شركات توظيف العمالة المصرية فى الخارج، أى ممن تأثرت مصالحهم مباشرة بالإجراءات السعودية.

 

يلاحظ فى إدارة النظام السعودى للأزمة أن طابع «استعراض القوة» يطغى عليه، فهو يصيب المصالح المصرية بضرر بالغ بمنعه عملا سفر المصريين للعمل فى السعودية، ناهيك عن أداء العمرة. بدت الإجراءات السعودية وكأنها رسالة لمن يعنيهم الأمر فى مصر مؤداها أن «سعودية» ستينيات القرن الماضى قد انتهت، وأن «السعودية» تلعب الآن دور القيادة فى النظام العربى، تماما كما كان وضع مصر فى ذلك الزمان، وأنها ـ أى السعودية ـ لا يمكن أن تسمح بأى تطاول عليها، ويؤكد هذا أن رد فعل العاهل السعودى لطلب المشير العدول عن الإجراءات المتخذة لم يكن الاستجابة الفورية وإنما الوعد بالنظر فى الطلب فى خلال أيام. ويلاحظ أن النظام السعودى كان بمقدوره أن يتخذ إجراءات تتصاعد تدريجا كى يلفت إلى عدم رضاه عما يجرى، أو يخاطب القيادة المصرية لتأكيد ضرورة وقف تلك التطورات التى مست المقار الدبلوماسية والقنصلية السعودية، وأهانت السعودية وعاهلها، كما كان بمقدوره أن يصدر بيانا صارما يمكن أن تتلوه خطوات أخرى تصعيدية ما لم تتخذ القيادة المصرية قرارات وإجراءات تحفظ كرامة السعودية وعاهلها.

 

على الجانب المصرى تُرِكَت إدارة الأزمة حتى تفاقمت «لقوى مجتمعية» تعمل فى ظل يقين بأن «أحمد الجيزاوى» ضحية للنظام السعودى، وأن اتهامه بمحاولة تهريب أقراص مخدرة ملفق، وعادة فإنه عندما تدير «قوى مجتمعية» أزمة فى علاقات رسمية بين دولتين فإنها تكون متحررة تماما من أية حسابات رشيدة للمصالح، وقد تنتهك فى تصرفاتها قواعد القانون الدولى، ونذكر أن أزمة العلاقات المصرية ـ الجزائرية الشهيرة بسبب كرة القدم قد تُرِكَت إدارتها لنفر من الإعلاميين غير المسئولين ـ وإن بتأييد رسمى ـ وقد خلفت الإدارة السيئة للأزمة تداعيات سلبية عديدة على تلك العلاقات لا يزال بعضها قائما إلى اليوم رغم عمق العلاقات التاريخية بين الشعبين. ونتيجة هذا الأسلوب فى إدارة الأزمة الراهنة حاصر المتظاهرون السفارة السعودية، ومنعوا الداخلين إليها والخارجين منها، ورفعوا أحذيتهم تعبيرا عن الاستحقار، وسبوا العاهل السعودى.

 

●●●

 

لكن هذا كله شىء وما شهدته صفحات الفيس بوك وتويتر شىء آخر مختلف تماما، حيث وصلت بذاءة فئة من الشباب ـ يفترض أنهم ينتمون إلى الثورة ـ حدا غير مسبوق، وهو سلوك تعودنا عليه للأسف فى تفاعلاتنا السياسية الداخلية حيث يتم التطاول على المشير وعلى مؤسسات سيادية فى مصر بأقذع الألفاظ والعبارات، وهو ـ أى هذا السلوك ـ يعبر عن نفسه منذ مدة على جدران التحرير وغيره، لكنه لا يُناقَش من قريب أو بعيد فى أجهزة الإعلام المختلفة التى تناقش كل شىء وأى شىء، ربما تخوفا من قبل ناقدى هذا السلوك من أن يُحسَبوا ضمن قوى «الثورة المضادة»، وكأن الثورة والبذاءة صنوان، مع أن الاعتماد على وسائل ضغط جماهيرية منظمة وفاعلة، وحملات إعلامية تؤيد الحق المصرى وتفند الموقف السعودى كان ليأتى بنتائج أفضل بكثير من «البذاءة» لو كانوا يعلمون، وكان من شأنه أن يحبط ردود فعل سعودية كتلك التى حدثت. وقد ترتب على هذا الأسلوب ردود أفعال مماثلة من قبل مواطنين سعوديين مرفوض سلوكهم بدوره، لكنهم اعتبروا أنفسهم بالتأكيد مدافعين عن كرامة وطنهم. أما الحكومة المصرية فلم تتدخل من قريب أو بعيد فى الأزمة اللهم إلا فى الحد الأدنى المتمثل فى حماية المقار الدبلوماسية والقنصلية السعودية من الاقتحام، ولم تستيقظ إلا على ضجيج الإجراءات السعودية، وقد آن الأوان كى تتنبه الحكومة إلى ما يدور حولها، وتتحسب لتطوراته، وتدرك أنه ليس كل الأزمات يُعالَج بالتغاضى والإهمال.

 

يدرك المرء الدافع الوطنى والإنسانى فى نصرة «أحمد الجيزاوى»، لكن أسلوب القوى «المجتمعية» فى إدارة الأزمة مرفوض تماما، وليعلم هؤلاء الشباب إن كانوا حقا ثوارا مخلصين أن «البذاءة» لن تعيد لمصر حقا أو كرامة أو دورا، وإنما يحدث هذا بإعادة بناء الوطن التى يجب أن تكون همنا الأول بدلا من «نرجسية» الإعجاب بسلوك «عنترى» يوصف ظلما بأنه ثورى.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية