الإنسان ذلك المعلوم 16-«..وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا» - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ذلك المعلوم 16-«..وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا»

نشر فى : الجمعة 2 مايو 2014 - 6:20 ص | آخر تحديث : الجمعة 2 مايو 2014 - 6:20 ص

(1)

«الجدل» مستوى من مستويات الحوار، لكنه مذموم ــ بصفة عامة ــ فالحوار بين اثنين يبدأ تواصلا حول معلومة أو موقف معين، فإذا استمر التواصل بينهما فيعرض أحدهما رأيه والآخر يعرض بديلا مقبولا وممكنا لذلك الرأى، فإن الحوار بينهما «مناظرة» متكافئة، فإذا قصد أحدهما فرض الرأى، أو تبرير تمسكه برأيه دون حجة مقبولة، فهنا يتحول الحوار إلى «جدل»، وإذا تمسك هذا المجادل برأيه رغم وضوح فساده وعدم جدواه، فقد تحول الجدل إلى «مكابرة أو مغالطة».

فالجدل مستوى نقاشى يحاول أحد طرفيه أو كلاهما أن يبرر تمسكه برأيه، ويسمى «جدلا» لأن المحاور يحاول الالتفاف برأيه حول الآخر ليحيط به فيصبح الرأيان مثل (حبل مجدول) من طرفين يلف كل منهما الآخر. هذا هو المعنى الأساس للجدل، وله دلالات أخرى قريبة من نفس المعنى.

(2)

والقرآن الكريم يستعمل لفظة تعبيرا عن دلالات مختلفة، ففى الدلالة على التمسك بالباطل يقول: (..وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ..) وكذلك يقول: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ) ويوضح دلالة التمسك بالباطل: (مَا يُجَادِلُ فِى آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا..).

كما يستعمل الجدل دلالة على تمسك صاحب الحق برأيه والدفاع عنه فى مواجهة بالباطل، فما دام يحاول الالتفاف عليك فإن لك أن تناقشه بما يؤكد سلامة رأيك (..وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ..) أى جدال أحسن مما يقولون.

وهذه الصحابية تحاول حل مشكلتها فتجادل الرسول لتحقق غرضها فيقول القرآن: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا..)

فسمى القرآن حوارها «جدلا» لإصرارها على تجاوز الواقع المتاح، فالجدل يشبه «السير فى الممنوع»

(3)

ووصف القرآن «الإنسان» بقوله (..وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا) لأنه كثيرا ما يحاول الانتصار لرأيه دون حجة أو حق فهو يجادل، وتلك «حالة مرضية» يحاول القرآن علاجها. وللجدل المذموم كثيرة حتى إن القرآن يعتبره من الظواهر الكبرى التى يجب التخلص منها، فالإنسان يجادل أكثر مما يأكل ومما يعمل وأكثر مما يفكر، ويحاول التعاظم والتكبر والانتصار لنفسه. ومن هذا الجدل المذموم تسمع ردود البشر حينما تدعوهم لترك عبادة الأصنام والشيطان والنفس فيسارع مجادلا (..لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم..) وأيضا (..لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا..)

ومن الجدل المذموم ما يقوله الشخص الفاشل تبريرا لفشله فيسارع مجادلا قائلا: «كل شىء بإرادة الله». هكذا يريد العاجز الفاشل أن يعلق سبب فشله على «إرادة الله»، ونتعجب كثيرا لنفس الشخص حينما يحقق نجاحا فتراه يقرر ويعلن أن نجاحه هو ثمرة جهد واجتهاد غير عادى!!!

وأيضا ترى شخصا إذا ارتبط بموعد ترفيه أو سياحة ضبط موعده وأعد العدة ونهض مبكرا على غير العادة، وإذا سألته لماذا لم تستيقظ للصلاة يسارع مجادلا: «لو أراد الله أن أستيقظ لذكرنى وأيقظنى» !!

والمستغرب فى هذا الجدل العقيم، أن الإنسان إذا أحس بالجوع سعى للطعام، وإذا احتاج لأى شيء بادر وتصرف من تلقاء نفسه ولم يقل «لو شاء الله لأشبعنى».

لهذا يجب علينا أن تخلص من الجدل والمكابرة، فالإنسان إما أن يكون مدافعا عن حق واضح لا يختلف فيه العقلاء وإما أن يجتهد ليتعرف ويتبين ويتعلم.

والسنة الصحيحة لرسولنا ترك الجدل والمراء ولو كنا على حق، فالرسول يريد لأمته أن تتعافى من أمراض النفس وأبرزها حب الذات والمكابرة والجدل والمراء، ولذلك يقول «أنا زعيم بيت فى الجنة لمن ترك المراء وهو محق».

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات