متعة أنهكت أحاسيسي - خالد محمود - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

متعة أنهكت أحاسيسي

نشر فى : الثلاثاء 2 يونيو 2009 - 9:21 م | آخر تحديث : الثلاثاء 2 يونيو 2009 - 9:21 م

 «بعتنى بكام يا عشرى».. قالها إبراهيم الأبيض لصديق العمر عندما أدرك أن رحلة الشقاء والحب أوشكت على الانتهاء.. جسد الموقف أسمى معانى الأداء والاندماج ليعبر بصدق عن اللحظة الفاصلة بين الحياة والموت ويكشف أيضا عن مرحلة النضج لبطلى المشهد أحمد السقا وعمرو واكد اللذين غامرا بمشاعرهما وعضلاتهما وكسبا رهان الموهبة، لكنهما خسرا فى رهان العقل والمنطق وتعاطف القلوب معهما، فقد أفرطا فى لغة الدم وبالأحرف الكبيرة وبسطا اللون الأحمر ليطغى على باقى ألوان الحياة بعد أن فرض إبراهيم الأبيض عالمه الملحمى الخاص الملئ بالعنف والانتقام من كل العوالم الأخرى البريئة والطاهرة أو حتى التائبة، وهى التى تشكل الجزء الأسمى من دنيا السينما الجميلة، التى إذا خلت من الحلم والأمل والإيمان والإحساس بالطمأنينة والوجود تصدعت رسالتها وقيمتها.

منذ الوهلة الأولى لمشاهدة إبراهيم الأبيض تشعر أنك مقبل على قصة سينمائية لبطل أسطورى بثت فيه الحياة روح الانتقام بعدما قتل أبيه أمام عينيه، وهو طفل ولكن هذا البطل الأسطورى القادم من عالم عشوائى له قوانينه الخاصة ظل يستعرض قوته فى الكر والفر والذبح والقتل وفنون العراك بالمطواة والسكين وتجارة الممنوعات دون هدف نبيل حتى وإن كان كل ما يفعله تحت ستار تحرير حبيبته وتخليصها من قبضة غريمه عبد الملك زرزور، الذى يتحكم فى الحى وكأنه إله، فقصة حبه لها كانت كفيلة بإلهامه بتعديل المسار الذى اتخذه فى دنيا العصابات ولكن المؤلف عباس أبو الحسن اراد لقصة إبراهيم الأبيض أن ترتدى الثوب الملحمى هى الأخرى ليجعل حورية تنقلب على إبراهيم بعدما علمت أنه هو الذى قتل أباها بعدما قتلت أمها أباه، كل هذه الأحداث ــ التى لم تتخل لحظة عن لونها الأحمر الدموى ــ جاءت بصورة سينمائية مبهرة وجذابة ومتقنة الديكور والتصوير لهذا العالم القاسى، والذى استعرض خلالها المخرج مروان حامد موهبته وقدرته على صناعة أفلام أكشن، لكن هذا الفكر طغت عليه التقنية السينمائية أكثر من الروح الإنسانية، رغم وجود مواقف حميمة تضمنها الفيلم، خاصة التى جمعت بين إبراهيم وحورية أو بشكل آخر بين إبراهيم وصديقة عشرى، لكن كثرة العراك ولغة المطاوى أطاحت بالمشاعر، وجاء الاستثناء الوحيد مشهد النهاية العظيم سينمائيا والمبالغ فيه منطقيا، والذى رسم ملامحه بإبداع كبير المعلم زرزور أو الفنان محمود عبدالعزيز، الذى اغتال فيه على يد رجاله عشرى صديق إبراهيم ــ الخائن الوفى ــ وأشعل النار فى إبراهيم وقتل برصاص مسدسه محبوبته التى لم ينالها ــ حورية ــ حيث حاول إبراهيم، وهو غارق فى دمائه زاحفا على الأرض أن يمسك بيد حورية ويلقى بها على صدره ليرحل الاثنان فى نفس واحد، وهى النهاية الدافئة، التى لم تكن ملائمة أبدا لأحداث الفيلم الملتهبة، وفى هذا المشهد أيضا برع محمود عبدالعزيز، الذى اقتحم منطقة جديدة بلغة خاصة وأداء يرتدى ثوب الأساتذة، وكذلك هند صبرى وأحمد السقا، الذى أتمنى أن يخلع عباءة المغامر الأسطورى فى فيلمه القادم وربما تشفع لهم هذه اللحظة السينمائية خطايا التجربة المؤلمة للمشاعر وللعين رغم تفوقها الفنى.

أما عمرو واكد فقدم صورة مثالية لشخصية عشرى، الذى يملك حرفية الضرب بالمطواة ويتعارك بلا عقل من أجل كل شىء. اللوحة السينمائية الدموية المتجسدة فى «إبراهيم الأبيض» أصرت على أن تغوص فى مجتمع مهمش لا يتقن أفراده سوى لغة القتل والذبح والحب بالإكراه.. «بطله» لا يعرف سوى الجانب المظلم والشرير والقاسى من الحياة و«كبيره» يحجب عنه نور تلك الحياة.. هذه الروح التى أفسدت متعتى وانهكت إحاسيسى.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات