ما بعد الورشة الاقتصادية في البحرين - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 5:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بعد الورشة الاقتصادية في البحرين

نشر فى : الثلاثاء 2 يوليه 2019 - 10:25 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 2 يوليه 2019 - 10:25 ص

يختصر صديق صفقة القرن بالقول أنها ترمي إلى تحقيق الأهداف الإسرائيلية الأصولية من دينية وقومية، بهندسة وإدارة ورعاية أمريكية والمطلوب لتنفيذها أموال عربية تأتي تحت عناوين اقتصادية إنسانية بالنسبة للشعب الفلسطيني وذلك على حساب إسقاط الهوية الوطنية لهذا الشعب ولحقه في التعبير عنها عبر قيام دولة مستقلة. يكفي أن يذكرنا جاريد كوشنر المهندس الرئيسي لصفقة القرن برؤيته "البراجماتية" والعملية حول تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما يقول من خلال التأكيد على أن "جمع مجتمع الأعمال" يعد بمقاربة جديدة لحل الصراع بعدما فشل "المجتمع الدبلوماسي" بذلك سابقًا. وحسب كوشنر فالحل السياسي لاحقًا يقع ما بين المبادرة العربية والموقف الإسرائيلي: قد يقول البعض أن هنالك إبهام قد يكون إيجابيًا في هذا الأمر ولكن الحقيقة بعيدة كل البعد عن ذلك: التصور السياسي المستقبلي واضح في خطوطه العامة فلا دولة فلسطينية مستقلة بل حكم ذاتي "متقدم" عن الوضع الحالي في مجالات معينة، (اقتصادية، إدارية وتنموية) دون مجالات أخرى، من سياسية وأمنية وسيادية.

يقول البعض أن المطلوب الاعتراف بواقع قوامه أن إسرائيل دولة موجودة ولكن سيان الاعتراف بذلك الواقع والتفاوض مع إسرائيل في "فراغ مرجعي" أي في غياب أي أسس وقواعد وأطر يفترض أن تستند إلى قرارات الأمم المتحدة والتوافقات السياسية التي تشكل إطار التسوية والتي تبلورت دوليًا في الربع قرن الأخير والتي تهدف إلى تحقيق تسوية "الدولتان اللتان تعيشان جنبًا إلى جنب": دولة فلسطين ودولة إسرائيل. إن الواقعية في ظل الانعدام الكلي في توازن القوى بين الطرفين ومطالب الحد الأقصى اللاغية للحقوق الأساسية للآخر، التي تطرحها إسرائيل تفترض التأكيد على وجود المرجعيات والأطر المشار إليها سابقًا لتكون حاضنة للتفاوض. وتفترض أيضًا دورًا مواكبًا وفعالاً "للطرف الثالث" وتحديدًا الأمم المتحدة وذلك ضمن جدول زمني محدد، لكننا اليوم بعيدين كل البعد عن ذلك ونبتعد مع الوقت أكثر: السياسة الاحادية الإسرائيلية التي نقوم على تعزيز الاحتلال وشرعنته أمريكيا بانتظار محاولة شرعتنه دوليًا عبر المفاوضات، تدفع نحو نسف أسس التسوية وإفراغ هذه الأخيرة من أي مضامين محقة وواقعية: فالقدس واللاجئين والسيادة خارج التفاوض ويعزز هذه الأهداف تقطيع أوصال "مشروع" الدولة الفلسطينية والحديث المتكرر عن ضم أجزاء واسعة من "المنطقة ج" التي تشكل 60 بالمائة من الضفة الغربية والمحاذية للأردن لأهميتها الأمنية والاقتصادية. وللتذكير فالحديث عن مساعدات لدول الجوار يهدف بشكل خاص إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين. فالرئيس الأمريكي يذكرنا من فترة إلى أخرى بتعريفه للاجئ وهو الذي ولد في فلسطين وليس أبناءه الذين ولدوا في دول اللجوء لاحقًا.

"رؤية صفقة القرن" التنموية تهدف إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني بأكثر من الضعف وتخفيض مستوى الفقر ومستوى البطالة وذلك من خلال خلق أكثر من مليون فرصة عمل للفلسطينيين. تصلح هذه الأفكار بالطبع ضمن مقاربة أشمل لمرحلة ما يعرف "ببناء السلم بعد النزاع" أي بعد التوصل إلى الحل السياسي وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة بغية دعم الاستقرار وتعزيز المؤسسات الوطنية وفعاليتها وذلك عبر المدخل التنموي والتعاوني الواسع. ولا يمكن للمشروع التنموي أن يكون بديلاً عن إقامة تلك الدولة.

المطلوب اليوم من العرب حسب صفقة القرن ركوب قطار التسوية الأمريكية. القطار التي تعرف وجهته منذ البداية وذلك بانتظار المرور "بمحطة" الانتخابات الإسرائيلية وتشكيل حكومة جديدة والتي دون شك ستكون أكثر تشددًا من الحكومة السابقة في ظل الخارطة الانتخابية الإسرائيلية ثم الوصول إلى محطة "الأفكار السياسية للتسوية" وإقفال ملف هذا الصراع المستمر: يزيد من هدر الوقت وتعزيز منطق الفرص الضائعة في ظل انعدام خطير في توازن القوى بين طرفي الصراع وتحول هذا الصراع إلى "ورقة" أساسية في الحرب الباردة الأمريكية الإيرانية في المنطقة. حرب تغذي وتتغذى على حروب أهلية منتشرة وحروب بالوكالة، تشارك فيها القوى الإقليمية والدولية. رحلة القطار "الترامبي" ستعيد الصراع كما نذكر دائمًا إلى المربع الأول. يزيد من مخاطر هذا الأمر وتعقيداته أننا نعيش في زمن إحياء الأصوليات الدينية وغيرها التي ستتغذى وتغذي هذا الصراع. أن الحجج التي يستعملها بعض العرب في الانخراط الخجول أو في الجلوس في المقعد الخلفي للمشروع الأمريكي أو في عدم مواجهة تلك الخطة بأخرى تقوم على إحياء مبادرة السلام العربية عمليًا وواقعيًا وليس نظريًا وكلاميًا، سيؤدي دون شك إلى تحويل المخاوف من الذهاب نحو الهاوية في الشرق الأوسط في حرائقه المتعددة، إلى حقيقة قائمة بصب التعامل معها بنجاح وفعالية لاحقًا.

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات