برلمان أنصاف الفرص - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 10:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

برلمان أنصاف الفرص

نشر فى : الأربعاء 2 سبتمبر 2015 - 7:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 2 سبتمبر 2015 - 7:20 ص

بالقرب من الانتخابات النيابية تكاد السياسة أن تكون قد نزعت عن المشهد كله.
أية انتخابات تكتسب حيويتها من مستوى المنافسة السياسية فيها.
عندما تغيب أية قواعد فى بناء التحالفات الانتخابية فإننا أمام عرض بلا نص.
وعندما يغيب الخطاب السياسى فإننا أمام جفاف لا يحتمل فى المجال العام.
وعندما تكون الطبقة السياسية فى أوضاع ترنح يقارب الانهيار فإن الأزمة منذرة.
إذا أهدرت فرصة الانتخابات فى تحريك مياه السياسة الآسنة فإننا مقبلون على أيام صعبة جديدة.
لا توجد رهانات جدية على البرلمان المقبل ولا فرص كبيرة للانتقال إلى أوضاع مغايرة.
غير أن أنصاف الفرص تظل ممكنة.
فى التاريخ الإنسانى الحديث لا توجد دروب معبدة للتحول إلى مجتمع ديمقراطى حر.
لكل شىء معاركه وأثمانه وتضحياته.
النفس الطويل من متطلبات كسب معركة الديمقراطية والحقائق لا الأوهام هى التى تصوغ معادلات المستقبل.
الديمقراطية بنت التوازن وقوة البرلمان من مدى تمثيله لتنوع مجتمعه وقدرته على احتواء تفاعلاته.
سقط برلمان (٢٠١٠) لأن انتخاباته أفحشت فى التزوير وصادرت أى احتمال لإصلاح النظام من الداخل.
عند انسداد القنوات السياسية تنتقل الحركة بالطبيعة إلى خارج السياق.
قوة «يناير» كلها جاءت من خارج السياق.
سياق الدولة والمعارضة معا.
فى لحظة الاختبار لم يكن بوسع الأحزاب القديمة أن تضطلع بمسئولية التغيير.
أيدت الثورة بعد أن قالت كلمتها وانضمت إليها دون أن تكون فى قلبها.
الأحداث العاصفة تجاوزتها لكنها بقيت على المسرح كأطلال من عصور مضت تقاوم الانهيار الأخير.
فى التوقيت نفسه بدت القوى التى قدمت من خارج السياق وحطمت قواعد النظام القديم دون أن تزيحه تماما غير مؤهلة لملء الفراغ السياسى.
غلبت عليها الروح الاحتجاجية ولخصت مفهومها للعمل السياسى فى التظاهر وحده.
لم تستكمل تجربتها ولا أنضجت أهدافها فى مبادئ وبرامج ولا أخذت وقتها فى اكتساب الخبرة السياسية وإنضاج الأفكار والتصورات وبناء الكادرات.
تجربة ما بعد يناير كلها تستحق مراجعة جدية، أين كانت مصادر القوة وأين كانت مواطن الضعف؟
بتلخيص ما قوة يناير أنها جاءت من خارج السياق وضعفها أنها لم تصنع سياقا سياسيا جديدا.
اختطفت جوائزها عندما افتقدت بوصلتها.
الأهداف العامة يمكن دائما اختطافها.
عندما تدعو إلى العدالة الاجتماعية بلا تصورات واضحة فإنه يمكن لأشد الرأسماليين توحشا أن يدعى الأمر نفسه.
وعندما تدعو إلى الحرية بلا مفهوم محدد فإنه يمكن لأشد الاستبداديين أن يجاريك فى هذه الدعوة.
وقد كانت تجربة برلمان (٢٠١٢) مثالا فاجعا على خلط الأوراق بين الشرعية والشريعة والثورة والجماعة والعصور الحديثة والقرون الوسطى.
بقدر ما أفضت إلى هيمنة جماعة الإخوان المسلمين على مفاصل السلطة التشريعية فإن نتائجها كانت كارثية.
دفعت الجماعة ثمنا باهظا للتنكر لكل الوعود السياسية التى قطعتها للقوى المدنية والنزوع إلى التكويش على السلطة بلا قدرة على الوفاء بمهامها.
كان الأداء العام مزريا، وأى أداء من مثل هذا النوع يفضى إلى نتائج مقاربة.
فى برلمانى (٢٠١٠) و(٢٠١٢) دروس جوهرية إن لم نستوعبها فإن مصير البرلمان الجديد لن يختلف كثيرا عن سابقيه.
أى نزوع لمصادرة الحياة البرلمانية تزكية لعودة محتملة إلى خارج السياق.
أى سياق يكتسب جدارته من مدى التزامه بالقواعد الدستورية.
أول ما تحتاجه مصر على أبواب الانتخابات النيابية الجديدة تأكيد نزاهتها.
أى تزوير محتمل ينزع عن البرلمان المقبل شرعيته وسقوطه مسألة وقت.
وأى تدخل للأمن كارثة محققة تنال من مستقبل الدولة.
قضية الشرعية مسألة لا يمكن تجاوزها فى أى حساب.
الدستور يمنح البرلمان صلاحيات غير مسبوقة فى تشكيل الحكومة وسحب الثقة من رئيسها أو أحد نوابه أو أحد الوزراء أو نوابهم.
رغم أن الدستور شبه معطل إلا أن نصوصه مصدر أى شرعية.
كأى نصوص معطلة فإنها يمكن أن تستخدم عندما تتوافر ظروف مساعدة.
يبدو ذلك احتمالا بعيدا لكنه لا يمكن استبعاده.
السياسة عمل تراكمى ولا ديمقراطية بلا ديمقراطيون.
أسوأ خيار ممكن بالقرب من الانتخابات النيابية أن تستبد ببعض القطاعات المحبطة نزعة شبه عدمية ترى أنه لا أمل فى أى تحول يوسع المجال العام رغم أن دخول مائة نائب على قدر من الكفاءة السياسية يقلب الموازين العامة.
الديمقراطية معركة من شروط كسبها إدراك حقائق الموقف وتعقيداته لا الاستغراق فى نوبات لوم الآخرين دون أن ننظر فى المرآة مرة واحدة ونعترف بالأخطاء الفادحة التى ارتكبت وبعضها جرائم.
لمرتين متتاليتين أهدرت فرصتان استثنائيتان فى التحول إلى مجتمع ديمقراطى حر.
فى أعقاب «يناير» بدا ممكنا كما لم يحدث فى التاريخ المصرى الحديث كله بناء نظام سياسى جديد يلتحق بعصره.
غير أن ما هو ممكن تصادم مع القوى المتنفذة فى المجلس العسكرى وجماعة الإخوان المسلمين.
ارتبك المسار الانتقالى بقسوة بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وكان الاستفتاء بأجوائه أقرب إلى طعن مبكر فى أية وعود وكاد البلد كله يجر إلى منازعات طائفية.
فى أعقاب «يونيو» لاح أمل جديد فى بناء دولة ديمقراطية حديثة، غير أن الآمال تبددت والرهانات الكبرى تراجعت.
لا توجد الآن توقعات كبرى بتغيير جوهرى فى بنية السياسة.
هذا استنتاج يوافق البيئة العامة التى سوف تجرى فيها الانتخابات، فقد صممت القوانين المنظمة للانتخابات النيابية بما يهمش الأحزاب التى توصف أصلا أنها ضعيفة.
لا جرت استشارتها فى القوانين ولا أخذ برأيها عند إعادة صياغتها بعد حكم الدستورية العليا.
إضعاف الأحزاب خطيئة سياسية سوف تدفع مصر ثمنها باهظا.
لأنه يعنى بالضبط تفريغ المجال العام.
وقد كان صادما ما أطلقه وزير الداخلية السابق اللواء «محمد إبراهيم» من أن الجماعة قد تتقدم بمرشحين من خلاياها النائمة تحصد أية انتخابات نيابية.
ورغم أنه صحح فى اليوم التالى تصريحاته إلا أن رسالتها اتسقت مع تفريغ المجال السياسى والانخراط فى إعلام التعبئة.
فى مثل هذه الأجواء كل شىء محتمل وكل سيناريو ممكن.
إن لم يكن اليوم فغدا وإن لم يكن غدا فبعد عشر سنوات.
بصورة مقاربة تكشف الحملة على حزب «النور» مخاوف مماثلة.
هناك فارق جوهرى بين أن تعترض على «النور» لأن وجوده يتصادم مع النص الدستورى الذى يجرم الأحزاب على أساس دينى وبين أن تكون أسبابك انتخابية محضة خشية أن يكسب مقاعد على حسابك.
الأول كلام فى الدستور والثانى تعبير عن العجز.
بين الصلاحيات الدستورية والعجز السياسى فجوة لا يمكن ردمها بسهولة.
غير أنه بقدر ما نثق فى شعب قام بثورتين وتطلع إلى التغيير مرتين فإن أنصاف الفرص لا يمكن الاستهانة بها.