كم محظوظًا فى مصر غير وزير العدل؟ - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 6:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كم محظوظًا فى مصر غير وزير العدل؟

نشر فى : الأربعاء 2 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 2 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

منذ أيام وحديث المليون جنيه «وشوية آلاف فكة» التى حصل عليها وزير العدل المستشار عادل عبدالحميد من جهاز تنظيم الاتصالات لا ينقطع، البعض فتح فاه دهشة من أن المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات أرسل تقريرا لرئيس الوزراء عن تلقى وزير العدل أموالا بالمخالفة للقانون، ومع ذلك تولى بعدها الوزير المنصب. إلا أنه لم يمر يوم حتى خرج رئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوى نافيا أنه تلقى أية تقارير من المستشار جنينة حول الوزير. وما إن يمر يوم جديد إلا ويتذكر المستشار جنينة فجأة اسم رئيس الوزراء الذى ارسل له تقريره. فيؤكد أنه لم يكن الببلاوى ولكنه رئيس الوزراء السابق.

وعندما يسأل البعض ولماذا لم يرسل سيادة المستشار تقريره إلى رئيس الجمهورية للاعتراض على اختيار الوزير، وفضل أن يفضح الأمر على العلن فى الجرائد. نجده يتذكر مرة أخرى معلنا أنه أرسل للدكتور كمال الجنزورى باعتباره مستشارا لرئيس الجمهورية ذات التقرير، وأرسله أيضا للنيابة العامة. ومن يومها وحكايات النميمة لا تنقطع حول تلك الواقعة وعن مغزى انقطاع الصلة بين رئيس أكبر جهاز رقابى فى الدولة، وبين رئيس الوزراء إلى الحد الذى جعلهما يتحادثان عبر وسائل الإعلام، دون أن يسترعى ذلك الملف الشائك انتباه رئيس الوزراء. ومن ثم يسارع بالسعى لعقد اجتماع مع رئيس جهاز المحاسبات لكى يستطلع منه حقيقة الملايين التى تهدر من الهيئات والأجهزة العامة. خاصة وأنه قد مر ما يزيد على عام على تولى السيد المستشار منصبه دون أن يلفت الانتباه من قبل إلى هذا الملف المغلق على محظوظيه.

●●●

والحقيقة أن موقف المستشار جنينة فى هذه القضية يكشف لنا لماذا يتفشى الفساد فى مصر إلى الحد الذى تجاوز فيه مرحلة الركب بكثير. فالمستشار جنينة كان أمامه تقرير يكشف له أن هناك هيئات تابعة للدولة مثل «جهاز الاتصالات» الذى يخصص له جانبا من موازنة الدولة وأيضا «هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات» تسمح لهما اللوائح المالية بأن يمنحا أعضاء مجالس إداراتهما الملايين دون أن يكون ذلك مخالفا لأى قانون. ولذلك كان وزير العدل محقا عندما رد بالفم المليان دون أدنى خجل أنه بالفعل تقاضى هذه الأموال من جهاز الاتصالات طبقا للقانون، وأنه لم يكن الوحيد ولكن تقاضى غيره كثيرون. وأكثر حقيقة كاشفة ذكرها الوزير أنه غير معنى بذلك، وعلى الجهات أن تسأل جهاز الاتصالات لماذا أعطاه كل هذه الأموال.

●●●

وهذا بالضبط ما كان يستوجب على المستشار جنينة أن يكشفه للرأى العام. وأن يقرر، فور علمه بوجود تلك اللوائح الفاسدة، فتح ملف كل الهيئات والشركات المماثلة والنظر فى لوائحها ونظم عملها. وأن يطالب الحكومة بأن تستدرك الأمر، وتبدأ بتغيير اللوائح المالية لجهاز الاتصالات التى تمنح الحق للرئيس التنفيذى للجهاز، ولمجلس الإدارة بتجاوز أى بند من بنود الموازنة بما فيها المكافآت للمجلس نفسه. أى تعطيه الحق فى الغرف من المال العام حتى الثمالة وما بعدها. ولذلك لا غرابة إطلاقا عندما نجد أن مجلس إدارة جهاز الاتصالات قد استخدم صلاحياته وتجاوز فى بند المكافآت ما كان مقررا فى الموازنة فى عام واحد بنسب تصل إلى 150%. ويتعدى ذلك التجاوز فى بعض الأحيان إلى نسبة 275% بالنسبة لمجلس إدارة «هيئة تكنولوجيا المعلومات». وبعدها تفعل الحكومة نفس الشىء فى كل الهيئات الأخرى.

●●●

وكان على المستشار جنينة بقدر اهتمامه بالإعلان فى الصحف عما تقاضاه وزير العدل أن يهتم بعقد اجتماع مع وزير المالية الدكتور أحمد جلال لإطلاعه على تقارير جهاز المحاسبات التى تكشف أن ممثلى المال العام من العاملين فى أجهزة الدولة الأعضاء فى مجلس إدارة جهاز تنظيم الاتصالات، والتى تصل مكافأة الواحد منهم إلى حوالى نصف مليون جنيه تصرف لهم بموجب شيكات بأسمائهم، دون صرفها للجهات التى يمثلونها. بما يعنى أن كل الملايين التى ظلت تصرف طوال سنوات لأهل الحظوة من ممثلى وزارة الداخلية، ورئاسة الجمهورية، واتحاد الإذاعة والتليفزيون، ومجلس الدولة، والرقابة الإدارية، ووزارة المالية وبعض الهيئات السيادية، وما يسمون بأهل الخبرة كانت تجد طريقها إلى منازل هؤلاء بدلا من أن تأخذ مسارها الطبيعى إلى خزانة الدولة طبقا لما يرصده أعضاء جهاز المحاسبات.

وكان على السيد المستشار أن يراجع اسماء أعضاء مجلس إدارة جهاز الاتصالات طوال الفترات الماضية ليعرف كيف تتم المجاملات فى اختيار من يسمون بالشخصيات العامة التى تمثل جمهور المستهلكين. فنجدهم من وزراء سابقين ومساعدين وزراء، ورؤساء بنوك دون أن نعرف مدى واقعية تمثيل هؤلاء المحظوظين للجمهور.

●●●

واجتماع مثل هذا بين رئيس أكبر جهاز رقابى، وبين وزير المالية المسئول عن خزانة الدولة كان سيكشف لنا حقيقة ما أعلنه وزير المالية منذ أيام، فى بيان رسمى يفوح منه رائحة من يود إراحة ضميره وحسب، يؤكد فيه على أن «كل ما يستفيد به ممثلو المال العام فى مجالس إدارات الهيئات العامة، أو الشركات ينحصر فى المكافأة التى يقررها لهم الوزير المختص. نظير جهدهم وعملهم الإضافى فى هذه الهيئات. وأن هذه العضوية ليست مغنما على الإطلاق. لأن مكافآت التمثيل لا تؤول إلى الأشخاص الذين يمثلون الجهة العامة. ولكن القانون يحتم عليهم رد المبالغ المالية التى تصرف لهم مقابل التمثيل إلى الخزانة العامة».

ويمر هذا البيان الرسمى من تحت أعين الجميع دون أن يخرج السيد المستشار ويقول ما إذا كان بيان المالية هذا أكثر صدقا، وأن الأموال التى يحصل عليها ممثلو المال العام فى حفظ وصون خزانة الدولة بالفعل. وتصبح بذلك تقارير جهاز المحاسبات هى التى ينقصها الدقة. أم أن تقارير الجهاز هى الأصوب، والمكافآت فى الحفظ والصون فى بيوت ممثلى المال العام.

والحقيقة أن هذه القضية، كما غيرها، ستغلق دون أن يسعى أحد من المسئولين لتغيير اللوائح المالية التى تبيح تجريف المال السايب بهذا الشكل المستفز فى كل الجهات، ودون أن يحاول مسئول واحد أن يجد آلية للتأكد من منع صرف الملايين من مكافآت مجالس إدارات الهيئات والشركات بأسماء ممثلى الجهات الحكومية. ولكن سيقف المحظوظون فى وجه أى محاولات لمنع إهدار ملايين الموازنة. ببساطة لأن ساعة الحظ ماتتعوضش. فما بالك بالشهور والسنوات؟.

ملحوظة: تم كتابة هذا المقال قبل أن يعقد المستشار جنينة مؤتمرا صحفيا يكشف فيه الحقائق حول موقف وزير العدل.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات