أحد المصريين الذين شاركوا فى بناء المتحف المصرى الكبير التقط صورة لعدد كبير من العمال والفنيين والمهندسين المصريين. ووضعها على وسائل التواصل الاجتماعى. غالبية الموجودين فى الصورة مبتسمون وفرحون.
الدكتورة نهال لطفى حامد بجامعة قناة السويس، أخذت هذه الصورة ووضعتها على صفحتها على الفيسبوك وكتبت تعليقا يقول: «أبطالنا.. عشان محدش ييجى بعد ٥٠٠ سنة يقول إحنا اللى بنينا المتحف الكبير».
المنشور أو البوست نال، بعد يوم فقط من نشره، نحو ٧٣ ألف إعجاب و٢٦٠٠ تعليق و١٦ ألف مشاركة وأكثر من ٢٫٣ مليون مشاهدة.
توقفت كثيرا عند هذه النسب العالية من المشاهدة أو المشاركة أو التعليق والإعجاب، لدرجة أدهشت كاتبة البوست نفسها.. وهو ما يكشف لنا عن مجموعة من الملاحظات المهمة..
أولها فى ظنى، أن تفسير ذلك يعكس حالة الحماسة الوطنية العارمة لجمع كبير من المصريين، كما يعكس، وهذا هو الأهم، شعور المصريين بالملكية لوطنهم.
ومن خلال تصفح وسائل التواصل الاجتماعى المصرية فى الأيام الأخيرة يتضح مدى فرح المصريين بوطنهم وفخرهم بالمتحف الوطنى الكبير.
صورة المصريين وفرحهم بالمتحف والتعليق المكتوب أسفلها تتحسب لدعاية صهيونية وغيرها فى المنطقة بأن لهم دورا فى بناء الأهرامات أو بعض الآثار المصرية، كما فعلوا مرارا و تكرارا قبل ذلك، خصوصا حينما زار رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن منطقة الأهرامات بعد زيارة الرئيس السادات للقدس فى نوفمبر ١٩٧٧ والاتفاق بين البلدين عام ١٩٧٩.
الملاحظة الثانية، نفى ودحض فكرة أن غالبية المصريين أصيبوا بالطهق والزهق والغضب ويريدون أن يغادروا مصر، ولم يعودوا يحبونها؛ لأن من يفعل ذلك لا يمكن أن يتفاعل ويتحمس ويفرح لافتتاح المتحف.
الملاحظة الثالثة، أن هذه الاحتفالية تعيد تذكير المصريين والآخرين بأن بلدهم دولة كبيرة جدا، وقيمتها أكبر مما يتخيل الكثيرون. الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة والتحديات الجيوسياسية تجعل البعض يعتقد أن دور مصر تراجع لمصلحة قوى إقليمية مختلفة. وقد يكون ذلك حدثا جزئيا فى بعض القضايا، لكن فى الإجمال فإن مصر، ورغم كل المصاعب، ما تزال فاعلة ومؤثرة سياسيا وثقافيا. قد تكون هناك بعض الضوضاء التى تحاول التشويش على الدور المصرى، خصوصا من الدوائر الصهيونية أو التابعين لها والمتأثرين بها، لكن فى النهاية يتضح أن حضارة مصر وعظمتها أكبر من كل هذه المحاولات العبثية أو الكارتونية.
الملاحظة الرابعة، هى عدم صحة أن المصريين غير مهتمين بحضارتهم القديمة. دائما يقال إن الأجانب أكثر اهتماما بالحضارة الفرعونية. لكن المتصفح لوسائل التواصل الاجتماعى يكتشف بسهولة أن حالة الاهتمام صارت منتشرة بين غالبية المصريين. ويكفى مثلا تأمل إقبال الكثيرين على استخدام بعض أدوات الذكاء الاصطناعى لكى تصبح صورة أزيائهم وكأنهم يعيشون فى العصر الفرعونى.
هذه الظاهرة لم تكن قاصرة على مواطنين عاديين، بل على العديد من رموز النخبة المصرية فى العديد من المجالات.
ولو أن الحكومة المصرية أنفقت مليارات الجنيهات لتعيد بث الروح الوطنية والحماسية، لما تمكنت من فعل ذلك، بالطريقة التى شهدناها فى الأيام الأخيرة بصورة عفوية وتلقائية.
الملاحظة الأخيرة والمهمة هى كيف يمكن استغلال هذه الروح والمشاعر والمهارات فى ربط الماضى بالحاضر. لدينا حضارة عظيمة جدا تحسدنا عليها غالبية شعوب العالم، لكن لدينا صعوبات وتحديات متعددة فى التعليم والصحة والاقتصاد وبعض الملفات الإقليمية.
نحتاج إلى استغلال هذه الروح لنعيد لمصر قوتها وعظمتها.
والمؤكد أن المصريين الذين بنوا هذا الصرح، المتحف المصرى الكبير، قادرون على بناء نهضة مماثلة فى العديد من المجالات.
مرة أخرى تحية لكل المصريين على هذا الصرح الكبير والقدرة على الإنجاز، لكن من المهم أيضا البحث عن أفضل الطرق لمواجهة التحديات الكثيرة، حتى يكون الحاضر استمرارا للماضى التليد.