مشروع عقوبات جديد.. ووقائع - سمير العيطة - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشروع عقوبات جديد.. ووقائع

نشر فى : الأحد 3 مارس 2024 - 7:10 م | آخر تحديث : الأحد 3 مارس 2024 - 7:10 م
مهما كان الموقف فى مناهضة السلطة القائمة فى سوريا ومسئوليتها فيما آلت إليه البلاد والمطالبة بالمحاسبة عن الجرائم والانتهاكات، لا بد من التوقف لحظة عما تأخذ إليه السياسة الأمريكية اليوم، أو بالأحرى اللا سياسة الأمريكية تجاه سوريا وما يحيط بها.
فى نفس الوقت الذى تمثل فيه إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية وتمنع الولايات المتحدة أى قرار من مجلس الأمن يلزمها بوقف حربها على الشعب الفلسطينى، يتم بسهولة كبرى وإجماع مريب إقرار قانون فى الكونجرس الأمريكى تحت عنوان «قانون منع التطبيع مع «نظام الأسد». والإشارة لأن مشروع القانون ينبغى أن يحظى بموافقة مجلس الشيوخ والرئيس الأمريكى كى يصبح نافذا.
هذا المشروع الجديد يعدل القانون المسمى «قيصر» ويمدد مدته حتى 2032 ويذهب إلى ما هو أبعد من المصرف المركزى إلى منع التعامل مع «الحكومة السورية»، أى مع مجمل مؤسسات الدولة، وإلى معاقبة الأفراد السوريين المرتبطين بهذه الدولة أو يتعاملون معها وأعضاء عائلاتهم، حتى يثبتوا هم براءتهم وليس العكس. كما يعاقب المشروع غير السوريين الذين يتعاملون مع المؤسسات والأفراد فى سوريا، بمن فيهم الحكومات والشركات والأفراد فى الولايات المتحدة وغيرها من الدول. ويلزم المشروع الرئيس الأمريكى بتقديم تقارير عن التصرفات الدبلوماسية والتجارية والمالية تجاه سوريا ليس لروسيا وإيران وحسب، بل أيضا لتركيا والإمارات ومصر والأردن والعراق وعمان والبحرين والكويت والسعودية وتونس والجزائر.
• • •
يقال إنه كان لبعض الأشخاص السوريين ــ الأمريكيين المعارضين دور كبير فى الوصول إلى نص المشروع الجديد والتصويت عليه، بالتعاون مع مجموعات ضغط أخرى، إيرانية معارضة وغيرها... كل هذا رغم المناخ الثقيل للحرب على غزة. لكن إقراره أدى إلى انقسام عميق حوله، خاصة ضمن الأوساط المعارضة والمدنية السورية. ذلك أنه سيؤدى لازدياد معاناة السوريين والسوريات فى جميع المناطق، بشكل مباشر أو غير مباشر. واللافت أن الدول المعنية بالرقابة الأمريكية وبالمعاقبة المحتملة على تعاملها مع الدولة السورية، لم تنشط كثيرا لمواجهة ما يشكل انتهاكها لقرارها السيادى ومصالحها وشئون مواطنيها ومواطناتها، إلا نادرا، لا مباشرة من سفاراتها ولا عبر مجموعات ضغطها فى واشنطن، وهى نافذة. ويحكى أن تركيا والبحرين كانتا الدولتين الوحيدتين اللتين أبرزتا معارضة قوية.
لكن أشد الاعتراضات صدرت من منظمات مدنية أمريكية، لما يشكله هكذا نص من انتهاك للدستور الأمريكى والحق بالبراءة حتى تثبت الإدانة والفصل بين شخص المتهم وشخص أفراد أسرته. كما جاءت أكثر الاعتراضات وقعا من شخصيات دبلوماسية أمريكية سابقة، شديدة العداء للسلطة السورية، لكنها بعثت رسائل إلى الكونجرس تحذر من وقع العقوبات الأمريكية الكارثى على الشعب السورى، بمن فيهم الطبقة التى كانت وسطى وأولئك المتواجدون خارج مناطق سيطرة السلطة، بالتوازى مع توجه مجمل المساعدات الدولية حاليا إلى الانحسار الكبير. وعلى نقيض توجه مشروع القانون الجديد، ينصحون بأنه «يمكننا أن نبدأ بمساعدة السوريين العاديين بشكل أفضل عندما ندرك الضرر الذى تسببه عقوباتنا الحالية ونفكر فى طرق أفضل لمساعدة السكان، مثل محاولة الاستفادة من تخفيف العقوبات لزيادة الرقابة الخارجية على صرف تدفقات المساعدات الإنسانية المتبقية فى المناطق التى تسيطر عليها الحكومة فى سوريا»...
بالتأكيد لا ترقى هذه الاعتراضات إلى مستوى التضحية بالنفس الذى بذلها آرون بوشنل، الجندى فى سلاح الطيران الأمريكى، الذى لم يرض أن يكون شريكا فى جريمة الإبادة بحق الفلسطينيين والفلسطينيات (وبالمناسبة لم تقم وسائل الإعلام الأمريكية بتغطية إحراقه لنفسه إلا هامشيا وبحياء)، لكنها تبقى رسائل صريحة بما فيه الكفاية أن الولايات المتحدة قد خرجت حتى عن منطق الحقوق المدنية والإنسانية... والسياسية.
من الواضح فى واشنطن أن الإدارة الديموقراطية الحالية ضعيفة، لا تهتم سوى بصراعها الطويل الأمد مع الصين، وقليلا مع روسيا عبر أوكرانيا. أما العالم العربى والشرق الأوسط فيبدو أنها تركت الأمور فيها لنتنياهو، كى يقرر ما يشاء... وليس فقط فى غزة.
وفى ظل الصراع الانتخابى المحتدم على الرئاسة القادمة والأموال الكبيرة التى تنفق عليها، والاحتمال الكبير لعودة دونالد ترامب، تنفلت مجموعات الضغط من جميع الجهات، وخاصة الصهيونية منها، للعب أوراقها فى «الوقت الضائع» لخدمة مصالح الدول التى تؤيدها.
• • •
بالنسبة لسوريا ومشروع قانونها، يبرز فى النص تخوف «المشرعين» مما يمكن أن يقوم به رئيس قادم. كما يبرز أيضا محاولة إغلاق مجال الدبلوماسية والسياسة، ليس فقط من قبل الولايات المتحدة، بل أيضا من قبل حلفائها فى المنطقة. واللجوء إلى التهديد الواسع بعقوبات... حسب قانون أمريكى دون محاكمة. ومن اللافت أيضا أن التهديد لا يطال سوى دول المنطقة وليس دولا أوروبية وعالمية أخرى ما زالت تحتفظ بعلاقات دبلوماسية وتجارية مع سوريا... الدولة.
تزعم المجموعات التى تضغط لإقرار القانون أنه «يسد ثغرات قانون قيصر التى يستفيد منها النظام». وكأن الأمر «شطارة». فى حين أنها تعرف جيدا أن العقوبات العامة وعلى مؤسسات الدولة أنهكت المجتمع السورى إلى درجة تبديده، وفى جميع المناطق. فالسوريون والسوريات يفرون إلى الخارج حتى من مناطق «الإدارة الذاتية» المحمية أمريكيا والمعفية من العقوبات. وهذه المجموعات تعرف جيدا أن كل هذا سيأخذ إلى تكريس انقسام سوريا بشكل أعمق. كما بات واضحا أن العقوبات على الأفراد زادت من ترابط هؤلاء مع السلطة القائمة فى وحدة مصيرية، مما زاد من شراسة الاستبداد والاستغلال. إن تلك المجموعات تعى أن الإغلاق التام على الدولة السورية سيأخذها للارتهان كاملا لإيران وروسيا، لأن لا مخرج لهذه الدولة غير ذلك. كما تعرف أنه عندما تأتى العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب بقانون وليس بأمر إدارى، سيخضع رفع هذه العقوبات، حتى لو «سقط النظام»، لضغوطات على «النظام» الذى سيليه. هذا دون الحديث عن الصراع بين مجموعات الضغط الأمريكية حينها. والعراق أفضل مثال على ذلك.
• • •
لكن السؤال الكبير هو ما فائدة هذا المشروع أمريكيا؟ فهل سيأخذها الأمر إلى فرض عقوبات على الدولة السعودية أو الإماراتية، أو على مواطنيها وشركاتها؟ علما أن البلدين يحتويان على أعداد ملحوظة من السوريين، الذين يعملون ولهم عائلات ومصالح فى سوريا، أم أن المستهدف ضمنا هما لبنان والعراق، المرتبطان ارتباطا عضويا مع سوريا، بغية إبقائهما فى «فخ الهشاشة» الذى غرق كلاهما فيه؟
ما الذى يأخذ الولايات المتحدة لتنزع كل الوسائل السياسية والدبلوماسية فى تعاملها مع سوريا، ولتهدد بسلاح العقوبات المنطقة برمتها، وخاصة تلك الأكثر ضعفا المحيطة بسوريا؟ هذا فى حين أضاعت، هى كما السلطة السورية، وكما دول الجوار فرصة نادرة حين حدث الزلزال. أهو تمهيد لما تنويه إسرائيل بعد انتهائها من الإبادة الجماعية؟ وتهديد بأن ينفلت جنون قادتها إلى ما هو أبعد بكثير؟
إن مشروع قانون «قيصر 2.0» يعنى نهاية قرار مجلس الأمن 2254 وإنهاء آلية جنيف، لأن التفاوض هو مع الدولة السورية. ولا معنى للتغيير والمحاسبة إذا كان ذلك على حساب لقمة الشعب السورى وسيادته على أراضيه.
سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب
التعليقات