ساركوزى ضد القرضاوى - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ساركوزى ضد القرضاوى

نشر فى : الأربعاء 4 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 4 أبريل 2012 - 8:00 ص

لا تقدم تجارب التحول الديمقراطى فى النظم المتلفحة برداء الإسلام نماذج متطورة يمكن التعويل عليها عند دول الغرب وفى التعامل مع رعاياها.. ومن هنا لم تجد الحكومة الفرنسية مانعا من أن تتخذ قرارا مفاجئا بمنع أربعة من أبرز علماء المسلمين ودعاتهم دفعة واحدة من الدخول إلى فرنسا، لحضور المؤتمر السنوى للمنظمات المسلمة الفرنسية. وضمت قائمة الممنوعين بأمر مباشر من الرئيس الفرنسى ساركوزى شخصيات ممن يصنفون على أنهم من رموز الاعتدال الدينى. من أمثال الدكتور يوسف القرضاوى ومفتى القدس عكرمة صبرى والداعية السعوى عائض القرنى والداعية المصرى صفوت حجازى.. وذلك بحجة أن الأربعة من العناصر المتشددة. وأنهم أدلوا بتصريحات منافية لقيم الجمهورية الفرنسية، تضمنت تحريضا على العنف وتشكل خطرا على النظام العام.

 

ويبدو التعسف واضحا فى اتخاذ القرار.. إذ لم يصدر عن أحد من الأربعة ما يمكن أن يضعه فى قائمة التطرف، ولكنه جاء بداية لحملة واسعة أعقبته هى جزء من معارضة أوروبية واسعة النطاق ضد التيارات الإسلامية تقودها فرنسا، حيث جرى اعتقال 19 شخصا من جماعة السلفيين فى عدد من ضواحى باريس وتولوز وليون بحجة تعاطفهم مع عناصر تؤمن بمبادئ تعادى مبادى الجمهورية.. وفى أجواء انتخابية يبدو فيها اليمين أكثر تغلغلا وتستغل فيها الأحزاب الفرنسية والأخص حزب اليمين المحافظ بزعاة مارى لوبان ما يرتكبه بعض المسلمين المهاجرين من أعمال عنف، وكان آخرها تلك الجريمة التى ارتكبها محمد مراح الجزائرى الأصل، الذى قتل أربعة أطفال وثلاثة جنود فى تولوز.

 

فى البداية قيل إن مراح ينتمى إلى تنظيم القاعدة وانه تدرب فى افغانستان وباكستان. ثم اتضح بعد ذلك انه لا علاقة له بتنظيم القاعدة، وإن كان قد خدم مع الجيش الفرنسى فى افغانستان، إلا أنه فى النهاية يعتبر نتاج مجتمع فرنسى تراكمت لدى أجياله المهاجرة من الدرجة الثانية والثالثة مشاعر الاحباط والظلم نتيجة البطالة وضياع فرص العمل، ما يؤدى إلى الاغتراب وفقدان الأمل! فمعظم هؤلاء المهاجرين من المسلمين الذين يسكنون الضواحى وأطراف المدن يعيشون فى فرنسا ولكنهم لا يشعرون بانتمائهم لفرنسا!

 

وينعكس ذلك بوضوح فى حملة انتخابات الرياسة الفرنسية، حيث تعالت صيحات بعض المرشحين للحد من هجرة الأجانب، واعترف ساركوزى بأن عمليات المداهمة التى تقوم بها القوات الخاصة استهدفت أشخاصا على علاقة بالإسلام، وهو ما أدى إلى تعزيز وضع ساركوزى فى الانتخابات. حيث استخدمت حملات الدعم والاعتقال فى تغطية إعلامية واسعة بثتها قنوات التليفزيون الفرنسية بكثافة وأدت إلى ارتفاع أسهم ساركوزى فى الحملة الانتخابية.

 

لايوجد أدنى شك فى أن الأداء المترهل للإسلاميين الذين فازوا بأغلبية الأصوات فى دول التحول الديمقراطى الحديث، وبالذات فى مصر وتونس لم تنجح حتى الآن فى تقديم النماذج الصالحة لحكم مدنى رشيد، سواء فيما يتعلق بالديمقراطية التعددية أو باحترام حقوق الإنسان والحفاظ على حقوق المرأة والأقليات، وهو ما ينعكس بشدة على الجاليات الإسلامية المهاجرة فى الغرب، فتعجز عن الاندماج فى المجتمعات الأوروبية، ويصبح الاعتماد على منطق المغالبة لا المشاركة سبيلا للحصول حقوقهم إما بالقوة أو بالانعزال عن المجتمع الذى يعيشون فيه وعن تقاليده وعاداته. ومن ثم يصبح اختلاف الرأى سبيلا إلى التشدد والتمسك بحرفية النص.

 

ما يحدث للأقليات المسلمة فى الغرب هو مرآة لما يحدث فى بلادهم الأصلية، من خلافات وانشقاقات وتشرذم، ولذلك عمدت معظم الحكومات الغربية إلى الحد من زيارات رجال الدين والدعاة السياسيين الذين يؤثرون على أفكار الشباب. كما أعطت معظم الحكومات الغربية لنفسها الحق فى مداهمة الجمعيات والروابط الاسلامية والمساجد والمراكز الثقافية التى تنشئها الجاليات الإسلامية المهاجرة، بحجة البحث عن السلاح وملاحقة العناصر الإرهابية.

 

عندما قررت فرنسا منع شخصيات إسلامية من دخول فرنسا، لم يواجه هذا القرار بأى شكل من أشكال الاحتجاج أو الرد بالمثل، فقد اعتادت الدول العربية على أن تضع رأسها فى الرمال مثل النعام وتتجاهل تداعيات سوء المعاملة، وهو نتيجة طبيعية لموقف أوروبى عنصرى يعادى حرية الأديان والمعتقدات. يسهل فهم بواعثه لما تواجهه النظم الإسلامية من فشل!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات