التهديدات الجديدة لحرية التعبير - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 2:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التهديدات الجديدة لحرية التعبير

نشر فى : الأربعاء 3 ديسمبر 2014 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأربعاء 3 ديسمبر 2014 - 9:10 ص

كتب جون سوليفان، مدير معهد الدانوب فى بودابست وزميل بارز فى معهد ناشيونال ريفيو فى نيويورك، مقالا نشر بجريدة وول ستريت جورنال. جاء فيه: فى 14 فبراير 1989، كنت بالصادفة فى ندوة لمناقشة حرية الصحافة عندما أبلغنا شخص من الجمهور، بفتوى آية الله روح الله الخمينى تتهم الروائى البريطانى سلمان رشدى بالإلحاد. وقلنا معظم الأشياء الصحيحة حول الدفاع عن حرية الفكر والتصور. ولكن صدور حكم الإعدام من المرشد الإعلى الإيرانى بدا غير واقعى، فلم نتعامل معه بالجدية التى يستحقها. ولكن سرعان ما علمنا أن الأمر حقيقى. واحتشدت ساحات الأدب والإعلام والصحافة للدفاع عن رشدى. فصار بطلا لحرية التعبير، ورمزا للتقاليد الغربية الليبرالية. إلا أنه اختفى أيضا خلف ستار من الأمن استمر سنوات طويلة.

ولكن قاعدة تأييده فى الساحة الأدبية تراجعت بدرجات متفاوتة، عندما بدا ان حياته ليست وحدها المهددة بالخطر، ولكن ناشرى كتبه ومحرريها ومترجميها أيضا مهددون. واكتشف المثقفون ان احترام الآخر فى عالم متعدد الثقافات يعنى تفهم تقاليده أيضا، وهى غالبا أكثر صرامة من تقاليدنا.

ويضيف سوليفان: بعد خمسة وعشرين عاما، يمكننا أن نتذكر سلسلة طويلة من الأحداث المماثلة، بما فى ذلك: عام 2002 أعمال شغب ضد المسيحيين فى نيجيريا، راح ضحيتها أكثر من مائتى شخص بسبب مزحة فى صحيفة محلية عن محمد. وفى عام 2004 قتل المخرج الهولندى ثيو فان جوخ بسبب فيلمه «الخضوع». وثارت أعمال الشغب فى الدنمارك وجميع أنحاء الشرق الأوسط فى 2005 ردا على نشر رسوم كاريكاتورية لمحمد فى مجلة دنماركية. وصدرت فى 2008 تهديدات بالقتل ضد السياسى الهولندى جيرت فيلدرز بسبب فيلم «فتنة» الذى يمزج آيات من القرآن مع لقطات من العنف الجهادى.

ويوضح الكاتب أن هذه الأحداث لم تكن فى ذاتها فحسب، تمثل تهديدا لحرية التعبير، ولكن أيضا لأنها تروع الناس والمنظمات الخاصة وتعطى ذريعة للحكومات لتقييد حرية الإعلام. ومع مرور الوقت، شجعت الآخرين الذين ليس لديهم اهتمام بالإسلام على الإطلاق من الأفراد الأثرياء إلى الأقليات «المنشقة»، إلى سياسيين ديمقراطيين، لمحاولة إسكات المعارضين. ولم تكن أى من الصحف التى نشرت الرسوم الكاريكاتورية، على سبيل المثال، تتوقع أن يسيطر الموضوع على وسائل الإعلام الدولية لأسابيع.

وبدأت الحكومات فى معاملة من تعرضوا للتهديدات بسبب آرائهم، بنفس القسوة تقريبا التى يمارسها مهاجموهم ضدهم. ومازالت الإدارة الامريكية تستخدم بعض الأساليب القديمة للضغط النبيل والفضح بحيث لا يشعر الناس أنهم يتمتعون بالتأييد عندما يفعلون ما كنا نرفضه».

•••

ويضيف سوليفان أنه من الصعب التمييز الدقيق بين انتقاد عقيدة إسلامية وبين الهجوم على مسلمين يؤمنون بها. فإذا أدنت عقيدة باعتبارها سخيفة، فأنت تنتقد ضمنا المؤمنين بأنهم حمقى سذج. ويضطر المسيحيون إلى تحمل إدانات واضحة لعقيدتهم فى كل وقت من كتاب مثل ريتشارد دوكينز وسام هاريس.

كما أن سماع الانتقادات لقناعاتك الخاصة، والتعرف على معتقدات الآخرين، من التدريبات على الحياة فى مجتمع متعدد الأديان. ويعنى منع النقاش المفتوح، وضع جميع المؤمنين بفكرة، بما فى ذلك الملحدين، فى السجن بسبب رأى غير مقبول. ومن ثم فإن الحق فى التعرض للهجوم، هو الجانب الآخر من حرية التعبير، وبالتالى فهو حق أصيل. ومن المستحيل أن يوجد الإيمان الحقيقى والشك صادق على حد سواء من بدون هذا الحق.

ولا يقتصر الأمر على بعض المسلمين الذين يسعون إلى الارتياح الزائف عبر فرض رقابة على الآراء المخالفة. بل إن المثليين جنسيا، والمسيحيين، والنسويات، والقوميين، والمستبدين الأجانب، أو النشطاء العرقيين (أو المنظمات التى تزعم التحدث باسمهم) من بين العديد من الجماعات التى تطلب الحماية من نقد الآخرين، عبر المحاكم والمجالس التشريعية والساحة العامة.

•••

ويستطرد سوليفان قائلا: الآن أصبح فى أوروبا والولايات المتحدة ما يماثل قانون التشهير فى انجلترا.. نظام فاضح لتمكين الأغنياء من التستر على فضائحهم، وفى مايو 2014، أصدرت محكمة العدل الأوروبية قانون «الحق فى نسيان المواقف السابقة» وهو يمكن ذوى القبيح؛ مثل محتال، أو سياسى فاشل، أو ربما متعصب ضد المسلمين، من حذف جرائمهم، والجنح المحرجة من سجلات الإنترنت بحيث لا تتمكن محركات البحث من العثور عليها.

وقد ظهل هذا التآكل البطىء لحرية التعبير بوسائل اجتماعية وقانونية معا. فقبل ستينيات القرن الماضى، كانت حجج فرض الرقابة تركز على الأخلاقيات الجنسية، والمواد الإباحية والخلاعة. وعادة، ما كان يوصف الرقباء بأنهم محافظون غارقون فى ظلام دامس. غير أن حرية التعبير السياسى، اعتبرت مقدسة من قبل الجميع. وطرق الرقباء الجدد حججا من قبيل أن «حرية التعبير لا يمكن أبدا أن تكون مبررا للعنصرية. فى حين أن مبدأ حرية التعبير يمكنه دحض العنصرية، فهو المبدأ الوحيد الذى يمكننا من أن نحكم ما إذا كان خطاب بعينه عنصريا أم لا. وهكذا ينبغى أن نعكس حجة الرقيب: «الاتهامات العنصرية لا يمكن أبدا أن يكون ذريعة لمنع حرية التعبير».

وفى الوقت نفسه، تغيرت أيضا الأسس القانونية الضئيلة لتقييد التعبير. فمنذ القرن الثامن عشر، كانت المبررات القانونية الأساسية لتقييد الخطاب السياسى والنشر؛ التحريض «المباشر» على إلحاق الضرر، والأمن القومى، والحفاظ على النظام العام والتشهير، وما إلى ذلك. ولم يكن من المفترض المساءلة عن المحتوى (على الرغم من أنها كانت تمارس فى بعض الأحيان تحت عناوين أخرى).

أما اليوم، فقد صار المحتوى بشكل متزايد مبررا واضحا لتقييد الخطاب. والحجة المستخدمة، وخصوصا فى الكليات، هى أن «الكلمات تؤذى»، وهكذا تتدخل الجامعات والبرلمانات والمحاكم ومختلف الهيئات الدولية، لتقييد الحديث الذى يسبب أذى أو الهجومى الذى يؤدى إلى النتائج المذكورة أعلاه. وفى ظل المناخ الجديد، من المرجح أن يكون الكلام المؤذى حديثا سياسيا أكثر منه كلاما فاحشا.

ولا شك أن هناك مجالا للخلاف حول مدى إجراءات حماية حرية الخطاب، ولكن المحكمة العليا، فى حكم تاريخى عام 1989، قررت عدم تجريم حرق العلم الأمريكى، الذى يعبر عن رفض السلطة والشرعية الأمريكية.

وكان حكم المحكمة فى هذه الحالة فى أوج مرحلة حرية التعبير الليبرالية، ما بعد فيتنام. ولكن القياس على هذه القضية حاليا بجعل حرق القرآن أيضا رأيا سياسيا. فهل يصل قضاة اليوم إلى نفس النتيجة التى توصل إليها أسلافهم بشأن مسألة حرق العلم؟ فهل تقول الإدارة الأمريكية التى تناقش القانون الدولى للازدراء مع الدول الإسلامية فى العالم للمحكمة إن حرق القرآن أيضا خطابا محميا؟ هناك على أقل تقدير شك فى ذلك.

كما نعلم أن الحكومة البريطانية اليوم لن تفعل ذلك. فقد أوضحت وزيرة الداخلية البريطانيه أنه ينبغى «تحقيق توازن دقيق بين حماية تقليد حرية التعبير الذى نفخر به وبين اتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يتسببون فى جريمة على نطاق واسع». وهو ما يرقى إلى الاعتراف بأن تقليد حرية التعبير الذى تفخر بها بريطانيا لن تتم حمايته فى الواقع. حيث سيتم فرض رقابة على الخطاب الذى يسىء إلى مجموعات كبيرة من الناس فى تمييز له عن الخطاب الذى يدعو بشكل مباشر إلى العنف أو يهدد به، وسيكون محل عقاب.

•••

وأشار سوليفان إلى وصف الكاتب الليبرالى مايكل كينسلى الفارق بين حرية الحديث فى المملكة المتحدة والولايات المتحدة قائلا: «الحماية القانونية لحرية التعبير فى بلد مثل بريطانيا العظمى أضعف مما لدينا، لكن الحماية الاجتماعية أقوى».

أما اليوم، فقد صارت الحماية القانونية والاجتماعية لحرية الحديث، أضعف فى البلدين. وهذا العام، تم تمرير التنظيم الرسمى للصحافة فى قانون المملكة المتحدة للمرة الأولى منذ أبطل المحلفون فى القرن الثامن عشر المحاكمات للصحافة. ولا تتمتع هذه القيود الجديدة بدعم جميع الأحزاب فقط، ولكن يبدو من الجمهور أيضا.

وفى الولايات المتحدة، يسعى الديمقراطيون فى مجلس الشيوخ لتقييد الخطاب السياسى من خلال الحد من الأموال التى تنفق لترويجه. وفى القطاع الخاص، أعدت الشركات الأمريكية قائمة سوداء للموظفين الذين يعبرون أو يمولون آراء معينة. وباختصار، صارت الثقافة العامة التى اعتادت أن تكون ليبرالية، «تقدمية» الآن، وهو شىء يشبه الليبرالية من دون التزامها بالحرية.

ويختتم سوليفان المقال بقوله إن كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا ظلا لمدة طويلة يعتبران أنهما بلدان يتمتعان بالحرية، قبل كل شىء. وإذا واصلت هذه الهوية الضمور، فستكون حرية التعبير الضحية الأولى، ولكنها لن تكون الأخيرة.

التعليقات