قل مذبحة ولا تقل مباراة - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:41 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قل مذبحة ولا تقل مباراة

نشر فى : السبت 4 فبراير 2012 - 9:15 ص | آخر تحديث : السبت 4 فبراير 2012 - 9:15 ص

فلم يكن ما حدث فى بورسعيد مجرد أحداث شغب فى مباراة كروية بين فريقين باسم المنافسة الرياضية، ولكنها كانت أشبه بمذبحة القلعة التى استدرج فيها محمد على المماليك ليتخلص منهم.. اعتبرها المراقبون يوما أسود فى تاريخ الكرة المصرية والعالمية.. فعلى الرغم من فوز النادى المصرى بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد للأهلى، إلا أن جماهير المصرى لم تحتمل لافتة رفعها فريق الأهلى تنطوى على تعريض بشعب بورسعيد «بورسعيد بلد البالة.. مخلفتش رجالة»، حتى انقض البورسعيديون على فريق الأهلى ومشجعيه، وأوسعوهم ضربا وطعنا بالشماريخ والسلاح الأبيض، ليسقط نحو 73 شهيدا وأكثر من ألف مصاب!

 

الحادث تبدو فيه درجة من العنف والحقد المكبوت، الذى يتحول من ثأر كروى تتحمله الملاعب إلى سفك للدماء بدون رحمة. وقد عُرف عن النادى المصرى والبورسعيديين منذ وقت طويل بأنهم لا يطيقون الهزيمة فى الكرة، وأنهم يتربصون لانتهاز الفرصة ليس فقط لانزال الهزيمة بخصومهم، بل والعمل على إذلالهم والتشهير بهم. وقد كانت المناظر واللقطات التى عرضها التليفزيون حين نزل جمهور بورسعيد فى أعقاب المباراة إلى أرض الملعب فى اتجاه مدرجات الأهلى، تعبيرا عن حجم الضغينة والغل التى يكنها البورسعيديون للأهلى وفريقه وجمهوره!

 

لبورسعيد وشعبها تاريخ قديم من المشاحنات والخناقات الكروية. وعلى الرغم من أننى لست من المتعصبين للكرة أو من دارويش النوادى إلا أننى أعرف أن كل مباراة تقام فى بورسعيد تخضع لإجراءات واحتياطات عديدة. ولذلك كانت دهشتى حين أقيمت مباراة الأهلى والمصرى فى بورسعيد، ولم يفكر المسئولون فى نقل المباراة إلى مدينة أخرى تجنبا لاحتمالات حدوث صدامات أو اشتباكات يصعب السيطرة عليها.. وقد اتضح أنه لا محافظ بورسعيد ولا مدير أمنها كانا فى المدينة. وهو إهمال لابد أن يحاسبا عليه. بنفس القدر الذى يجب أن يحاسب به مديرو الكرة فى الفريقين.. حتى لتبدو وكأنها مؤامرة مدبرة لوضع الزيت على النار.

 

كثيرون يلقون اللوم على قوات الشرطة وعناصر الأمن التى يفترض أن تتدخل فى مثل هذه الحالات لفض الاشتباكات، ولكننا نتجاوز الواقع والحقيقة حين نلقى المسئوية كلها على الشرطة لأنها لم تمنع سقوط هذا العدد من الشهداء، ولم تحل دون حدوث المذبحة البورسعيدية. فالواقع أن العنف البورسعيدى بما ينطوى عليه من شهوة الانتقام حتى فى مباريات الكرة، لا تكفى قوات الأمن المركزى لمنعه وتهدئته!

 

ونحن نلاحظ هذه الأيام حجم العنف والانفلات الأمنى والأخلاقى والسلوكى فى الشارع المصرى. وخلال الأيام القليلة الماضية وقعت عمليات سطو مسلح فى أماكن متفرقة، تعرضت فيها البنوك والسيارات المصفحة لنقل العملة للسطو والسرقة فى وضح النهار.

 

وإذا تركنا الأعمال الإجرامية جانبا، فسوف نكتشف أن أجواء الفوضى السياسية التى يتحدى فيها المتظاهرون الشرطة والجيش، خلقت أجواء من التسيب واللا مبالاة، وأضعفت قبضة الأمن على القانون والنظام، مما شجع كثيرا من البلطجية والمنحرفين على ارتكاب جرائم صغيرة وكبيرة. ويُعطى الفرصة أمام الطابور الخامس ليقوم بعمليات التخريب والتدمير وإشاعة الفوضى. وحين يطلق أحدهم الرصاص على سائق ميكروباص فى قلب شارع جامعة الدول العربية، ويتجمع سائقو الميكروباص ليقطعوا المرور فى ذلك الشارع الرئيسى عدة ساعات، فلا أحد يستطيع أن يلوم شباب الألتراس التى أصبحت تتصرف كالميليشيات.

 

وقسْ على ذلك ما وقع من صدام بين شباب الثورة وشباب الإخوان الذين يدافعون عن مجلس الشعب، حيث يهدد بعض الشباب بالعدوان على نواب البرلمان والادعاء ببطلان انتخابات مجلس الشعب باعتبار أن شرعية الميدان تعلو على شرعية البرلمان!

 

هناك حاجة ماسة لاتخاذ إجراءات عاجلة لوضع حد لحالة الفوضى والغضب التى اجتاحت الشعب وتقديم المتهمين إلى محاكمات عاجلة. ولا يكفى إلقاء المسئولية على أتباع النظام السابق باعتباره المدبر لكل هذه المؤامرات.. لأنه إذا كانت أصابع النظام السابق ما زالت قادرة على تحريك الجماهير وإشعال الحرائق بهذه السهولة بعد عام كامل من سقوط رأس النظام وأجنحته.. فمتى إذن سوف يكون فى مقدور المجلس العسكرى والنظام الجديد إدارة المرحلة الانتقالية ونقل السلطة إلى حكومة مدنية دون حدوث كوارث وتدبير المؤامرات!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات