المستشار الألمانى فى الخليج - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المستشار الألمانى فى الخليج

نشر فى : الثلاثاء 4 أكتوبر 2022 - 7:35 م | آخر تحديث : الأربعاء 5 أكتوبر 2022 - 10:39 ص
لقد حظيت الجولة السريعة التى قام بها المستشار الألمانى أولاف شولتس لثلاث دول عربية خليجية فى الفترة من 24 ــ 26 سبتمبر 2022، وهى السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، باهتمام أكبر على المستويين السياسى والإعلامى، وذلك لأن هذه الجولة تأتى وسط احتدام أزمة الطاقة من جراء الحرب الروسية الأوكرانية بصورة خانقة لاقتصادات معظم الدول الأوروبية، وعلى الأخص ألمانيا التى تعتمد بدرجة كبيرة على استيراد البترول والغاز من روسيا، ولأن الدول العربية الثلاث لديها إمكانية لتحقيق بعض مما تسعى إليه ألمانيا، بعد مرورها حاليا بتجربة صعبة، من تنويع مصادرها من البترول والغاز بقدر ما تسمح به إمكانيات كل من السعودية والإمارات وقطر على المدى القصير والمتوسط وعلى المدى الطويل بالنسبة للطاقة النظيفة، وهى طاقة المستقبل.
وقد كانت المحطة الأولى للمستشار شولتس السعودية، وبرفقته وفد كبير من رجال الأعمال والشركات الألمانية العالمية العاملة فى مجال الطاقة التقليدية والمتجددة، ومن بين هذه الشركات شركة سيمنز التى لديها خبرة فى عدة مشروعات لإنتاج الطاقة فى الشرق الأوسط. وقد اتسمت العلاقات الألمانية السعودية بدرجة من الفتور منذ عام 2018 عندما فرضت ألمانيا حظرا على تصدير السلاح إلى السعودية بسبب حربها فى اليمن، واتسع هذا الحظر بعد مقتل الصحفى السعودى جمال خاشقجى. ويلاحظ أن حكومة ميركل، رغم الحظر، سمحت بتصدير أنواع معينة من الأسلحة للسعودية بمبلغ 30,75 مليون يورو فى عام 2020، وبمبلغ 2,52 مليون يورو فى عام 2021. ولكن حكومة شولتس أوقفت تصدير أية أسلحة للسعودية منذ أن تولت السلطة فى ديسمبر 2021 بدفع من حزب الخضر فى الائتلاف الحكومى الألمانى.
وترى ألمانيا أن السعودية دولة مهمة فى المنطقة، كما أنها بدأت مسيرة من الإصلاحات والانفتاح، ومن ثم فإنها والدول الغربية الأخرى تتجه إلى تشجيعها فى هذه المسيرة. وقد بحث المستشار الألمانى مع الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد ونائب رئيس الوزراء السعودى، أوجه العلاقات الألمانية السعودية، ومجالات المشاركة بين البلدين، وآفاق التعاون الثنائى وفرص تطويره فى إطار رؤية السعودية 2030. كما بحثا مستجدات الأوضاع على المستويين الإقليمى والدولى، والجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار والسلم الدوليين.
●●●
وإزاء تقليل بعض التعليقات الإعلامية الغربية من نتائج الزيارة، فقد عقد السفير الألمانى فى الرياض مؤتمرا صحفيا أوضح فيه أن الزيارة مثمرة وفتحت صفحة جديدة من التعاون، ووضعت حجر الأساس لعلاقة ثنائية ومزيدا من تعميق المشاركة الاستراتيجية بين البلدين سياسيا واقتصاديا. وأن السعودية وألمانيا اتفقتا على تصنيع الهيدروجين الأخضر والهيدروجين الأزرق فى السعودية وتصديرهم لألمانيا قبل عام من الآن، ونقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات فى مجال الذكاء الاصطناعى، والطاقة المتجددة، والتعليم. وأشار السفير إلى أن ألمانيا تستطيع تطويع تكنولوجيا الطاقة المتجددة لتغطية أكثر من 53% من احتياجاتها منها، وأن برلين تشترى البترول السعودى من الأسواق العالمية، وأن ألمانيا تنوى العمل على نقل التكنولوجيا للسعودية لإنتاج الهيدروجين ثم تصديره لألمانيا خلال 4 سنوات ما بين 2026 ــ 2030 فى ظل الظروف الطبيعية الممتازة لإنتاج الطاقة الشمسية فى السعودية. وقد سبق أن تم توقيع مذكرة تفاهم فى مارس 2021 بين وزارة الاقتصاد الألمانية ووزارة المالية السعودية لتأسيس هذه المشاركة فى مجال طاقة الهيدروجين. وأن المستشار شولتس أكد بوضوح وقوف ألمانيا بجانب الدفاع عن سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، واستمرار دعمها لمنع أن تؤدى الحرب إلى مجاعات ومشاكل فى بعض بلدان العالم، وارتفاع أسعار الطاقة، واتفاق الجانبان السعودى والألمانى على ضرورة أن تنتهى هذه الحرب فى أسرع وقت ممكن لإنهاء التداعيات الكارثية الناجمة عنها.
وتطرقت المحادثات فى جدة إلى الأزمة اليمنية، والملف النووى الإيرانى، وعملية السلام فى الشرق الأوسط، والحرب الأوكرانية وتأثيرها على الشرق الأوسط. ويلاحظ أن ألمانيا تستضيف بشكل دورى، منذ انقلاب الحوثيين فى اليمن، محادثات سرية بين الأطراف اليمنية يشارك فيها ممثلون عن الحوثيين، وترعاها منظمة ألمانية غير رسمية، ولكنها تنسق مع الخارجية الألمانية. ورغم أن هذه المحادثات لم تسفر عن نتيجة، فإن ألمانيا متمسكة بجهودها الدبلوماسية على هذا النحو فى محاولة منها لوقف الحرب فى اليمن.
وكانت قيادات من حزب الخضر الألمانى قد نادوا بأن تأخذ الحكومة الألمانية بجدية مخاوف دول الخليج العربية من إيران والإقرار بأن ألمانيا لم تتفهم تماما حجم التهديدات الإيرانية لهذه الدول، ودور إيران فى اليمن وهو ما يجعل إنهاء الحرب اليمنية صعبا. وطالب رئيس المخابرات الألمانية السابق بأن تدعم الحكومة الألمانية موقف السعودية فى اليمن وتأييدها للحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليا.
وقد أكد الجانبان السعودى والألمانى فى مباحثاتهما على أن إيران تشكل تهديدا للمنطقة بشكل مشابه لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية فى أوروبا، وأنهما يدركان خطورة الهيمنة الإيرانية فى المنطقة، ونوه الجانب الألمانى إلى أنهم يعملون فى اتجاه إحياء الاتفاق النووى مع إيران. وقد التقى وفد رجال الأعمال الألمانى مع نظيره السعودى وبحثا أوجه التعاون بينهما فى عدة مجالات.
وتوجه المستشار الألمانى والوفد المرافق له إلى الإمارات فى نفس اليوم حيث إن زيارته للسعودية استغرقت أقل من يوم. وبحث شولتس مع الشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، أوجه التعاون والفرص المتاحة لتعزيز المشاركة الاستراتيجية الشاملة التى تجمع بين البلدين خلال المرحلة المقبلة، خاصة فى المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، والتعاون فى مجال الطاقة المتجددة، والأمن الغذائى، والعلوم والتكنولوجيا المتقدمة، وفى الجهود المشتركة فى معالجة التغيرات المناخية، والحفاظ على البيئة. كما بحثا القضايا والأزمات على المستويين الإقليمى والدولى، واتفقا على أهمية تغليب التعاون والحوار والحلول الدبلوماسية سبيلا لمعالجة مختلف القضايا والأزمات، ومواصلة العمل من أجل النمو الاقتصادى، والاستقرار السياسى، وتحقيق مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمستقبلية، والعمل المشترك لمزيد من التطور فى مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، والبناء على ما تحقق خلال السنوات الماضية. ونوه الطرفان بأهمية مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ «كوب ــ28» الذى سيعقد فى الإمارات العربية فى أواخر عام 2023.
وقد تم توقيع اتفاقية مشاركة استراتيجية جديدة بين الجانبين الألمانى والإماراتى فى مجال تسريع أمن الطاقة، والنمو الصناعى، وتسريع تنفيذ المشروعات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين فى مجالات الطاقة، والحد من الانبعاثات الحرارية، والحماية من التغيرات المناخية. كما تم إبرام اتفاق بين شركة أدنوك الإماراتية وشركة ألمانية لتصدير أول شحنة غاز مسال إلى ألمانيا فى أواخر 2022 لاستخدامها فى التشغيل التجريبى لإحدى محطات الغاز الألمانية، إلى جانب صفقات غاز مسال أخرى سيتم تسليمها لألمانيا خلال عام 2023. وتصدير شحنات تجريبية من الأمونيا منخفضة الكربون إلى ألمانيا والتى تعد وقودا ناقلا للهيدروجين يلعب دورا أساسيا فى الحد من الانبعاثات فى القطاعات التى يصعب الحد من انبعاثاتها.
وكانت زيارة المستشار شولتس والوفد المرافق له لقطر قصيرة للغاية. وسبق أن بدأت ألمانيا مفاوضات مع قطر لاستيراد الغاز المسال منها منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية فى فبراير 2022. ولم يتم التوصل إلى صفقة للغاز بين البلدين حتى الآن. وقد وصف الألمان المفاوضات بأنها صعبة، وأن سياسة الدوحة قاسية بخصوص الأسعار ومدة العقود التى يمكن التوصل إلى إبرامها. هذا وتعد قطر من أكبر الدول المصدرة للغاز المسال، ويتوقع استمرار المفاوضات الألمانية معها للحصول على اتفاق بشروط أفضل مما عرض عليها إن أمكن ذلك. وكانت حكومة شولتس قد سبق أن وافقت على تصدير أنواع معينة من الأسلحة الخفيفة لقطر بقيمة 20,7 مليون يورو.
وتجدر الإشارة إلى أن ألمانيا لم تكن من الدول المستوردة للغاز المسال إلا بكميات صغيرة حيث تعتمد على استخدام الغاز الروسى الذى يصلها عبر خطوط أنابيب مباشرة وبأسعار أرخص من أسعار غيرها من الدول الأخرى. ولذا بدأت ألمانيا فى إنشاء محطات لاستقبال الغاز المسال، وبالتوازى تستمر فى اتصالاتها مع روسيا لإيجاد حلول ملائمة لضمان استمرار ورود الغاز الروسى إليها. وقد أدت أزمة الطاقة فى ألمانيا إلى أن نحو 16% من رجال الصناعة الألمان إما خفضوا الإنتاج، أو قرروا إيقاف الإنتاج كليا بشكل مؤقت نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير، وأشار خبير اقتصادى ألمانى إلى أن اقتصاد ألمانيا يعتبر من أكثر اقتصادات العالم اعتمادا على التصدير، ومن ثم تحتاج إلى نموذج اقتصادى مرن يتماهى مع ما يشهده العالم الحديث من تغيرات سريعة.
●●●
وإن أهداف زيارة المستشار الألمانى للدول الخليجية العربية الثلاث، كما قال، بناء مشاركة تتجاوز حدود الوقود الأحفورى (البترول والغاز) لتشمل الهيدروجين والطاقات المتجددة. وسبق أن صرح وزير الاقتصاد الألمانى أن ألمانيا تسعى إلى عقد اتفاقات للطاقة مع دول أفريقية. وإذا كانت ألمانيا تسعى حاليا إلى إيجاد بدائل متعددة للغاز الروسى لإدراكها بقوة أن هذا الاعتماد الكبير عليه يعرضها لهزات اقتصادية ترجع لأسباب سياسية وصراعات وليس لأسباب اقتصادية أو مالية. أما على المدى المتوسط والطويل، فإن اتجاه السياسة الألمانية هو التركيز على الطاقة النظيفة، خاصة الهيدروجين والطاقة الشمسية، وترى أن لدى دول الشرق الأوسط إمكانيات طبيعية كبيرة للاستثمار وإنتاج الطاقة النظيفة وتصديرها ليس فقط إلى ألمانيا وإنما أيضا إلى الدول الأوروبية الأخرى.

مساعد وزير الخارجية الأسبق​
رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات