فرحة ما تمت - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فرحة ما تمت

نشر فى : السبت 5 يونيو 2010 - 10:05 ص | آخر تحديث : السبت 5 يونيو 2010 - 10:05 ص

 الخبر الجيد أن معبر رفح فتح. أما الخبر السيئ فإن ذلك الفتح مؤقت إلى أن تهدأ موجة الغضب التى ترددت فى أنحاء العالم مطالبة به. حين حدث شبه إجماع على أنه لو كان المعبر مفتوحا، وطريق وصول احتياجات أهل غزة سالكا. لما جرى ما جرى لقافلة الحرية.

كأننا بصدد استعادة المشهد الذى عايشناه منذ ثلاث سنوات، حين انفجر غضب المحاصرين فى غزة، ولجأوا إلى كسر الحصار عنوة من خلال عبور الحدود الفاصلة بين شبه جزيرة سيناء وبين القطاع.

ولامتصاص الانفعالات التى طفت على السطح آنذاك، أطلق فى مصر شعار أعلن أننا لن نسمح بتجويع الفلسطينيين، وهو ما صدقه بعض أصحاب النوايا الحسنة آنذاك، فصفقوا طويلا وهتفوا قائلين: فُرِجت! ثم ما أن هدأت الأمور ومرت العاصفة بسلام حتى ارتفع صوت المسئول المصرى الذى قال إننا سنكسر رجل أى فلسطينى يعبر الحدود إلى مصر.

وانطلقت معزوفة ميليشيا الإعلام الرسمى التى ما برحت تؤجج مشاعر السخط والتحريض ضد الفلسطينيين، معتبرة أنهم يطمعون فى الاستيطان فى سيناء، وأنهم ــ وليس الإسرائيليون ــ يهددون أمن مصر القومى. وهى الموجة التى استمرت لبعض الوقت، تلتها موجات أخرى فى ذات الاتجاه. احتفت بهدم الأنفاق التى كان الرئيس مبارك قد ذكر فى وقت سابق أن الفلسطينيين اضطروا إلى حفرها لتوفير احتياجاتهم التى حرمهم الحصار منها، ثم انتهت بإقامة السور الفولاذى بتمويل ورعاية أمريكيتين، لإحكام الخناق حول المحاصرين، وإجبارهم على الركوع والاستسلام.

كنت قد تمنيت يوم الخميس الماضى 3/6 أن يكون الإعلان عن فتح معبر رفح بداية هادئة لتصحيح الأخطاء التى ارتكبت بحق الفلسطينيين، عملا بالحديث النبوى القائل «تفاءلوا بالخير تجدوه»، لكن تبين لى أننى أسرفت فى حسن الظن، وأدركت أن أوان تحقيق الخير المنشود لم يحن بعد. ذلك أننى فهمت من عدة اتصالات أجريتها أن قرار فتح المعبر الذى أعلن عنه لايعبر عن تغيير أو تصحيح للسياسة المتبعة، ولكنه من قبيل الانحناء للعاصفة. وبالتالى فهو إجراء مؤقت، تعود بعده «ريمة إلى عادتها القديمة»، كما يقول المثل الشائع.

الطريف أن الإعلان الرسمى المصرى عن فتح المعبر نسبه إلى قرار الرئيس مبارك شخصيا (من يغلقه يا ترى؟!). مضيفا أن الهدف منه هو تخفيف المعاناة عن «الأخوة الفلسطينيين». ولم أفهم لماذا يصدر قرار من هذا القبيل عن رئيس الجمهورية، الذى يفترض أنه منشغل بالقرارات الكبرى والسياسات العليا، إلا إذا كان قد أريد نسبة ذلك «الفضل» إلى الرئيس. كما استوقفتنى عبارة «تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين»، التى تعطى انطباعا بأن استمرار معاناة «الأشقاء» صار القاعدة المستقرة والمسلم بها، أما التخفيف فهو الاستثناء ــ كأنما كتب على الفلسطينيين وحدهم من دون شعوب العالم ــ أن يظلوا شعب الله المعذب والمحتار!

لأن المفاجأة أو الصدمة كثيرا ما تفتح الأعين على أمور تكون خارجة عن دائرة الوعى فى الظروف العادية، فإن ذلك ما حدث معى، حين أدركت أن المعبر سوف يغلق عائدا إلى سيرته الأولى بعد أيام قليلة.

بحيث تتواصل المعاناة بعد الانقطاع الطارئ. ذلك أننى انتبهت أن الملف الفلسطينى لم يعد فى أيدى العرب، وأنه سلم إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالكامل منذ زمن ليس بعيدا.. ولأن إسرائيل حاضرة فى دائرة صنع القرار الأمريكى، فذلك يعنى أن ما يتعلق بالملف صار محكوما بإرادة الطرفين، ويعنى أيضا أن هامش حركة الإرادة العربية إزاء الموضوع صار متواضعا ومحدودا.

إذا صح ذلك التحليل، فإنه يدعونا إلى التفكير بطريقة أخرى فيما يتعلق بحصار غزة، الذى هو فى الأصل موقف إسرائيلى وقرار للرباعية الدولية. ذلك أن الحصار له هدف محدد ومعاناة سكان القطاع مطلوبة ومقصودة، ويراد بها لى ذراع السلطة القائمة فى غزة، وإجبارها على الالتحاق بركب التسوية التى تفرضها الولايات المتحد وإسرائيل.

وإنهاء تلك المعاناة مرتبط بتحقيق ذلك الهدف. ولن يكون بمقدور الأطراف المشاركة فى لعبة التسوية أن تسهم فى رفع الحصار، لأن ذلك يعنى إفشال المخطط المرسوم. ولأن مصر من تلك الدول، فسيظل غاية جهدها أن تفتح المعبر مؤقتا، بما يحقق بعض التنفيس، الذى لا يؤدى إلى فك الحصار وإنهاء المعاناة ــ لذا لزم التنويه.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.