تحديات أمام رئيس وزراء بريطانيا الجديد - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحديات أمام رئيس وزراء بريطانيا الجديد

نشر فى : الإثنين 5 أغسطس 2019 - 12:10 ص | آخر تحديث : الإثنين 5 أغسطس 2019 - 12:10 ص

تولى بوريس جونسون رئاسة الحكومة البريطانية خلفا لتريزا ماى، وسط حالة من الانقسام الشديد داخل بريطانيا على عدة مستويات إزاء خروجها من الاتحاد الأوروبى (بريكست) سواء داخل مجلس الوزراء السابق، أو داخل البرلمان أو على مستوى الشارع الذى قام بعدة مظاهرات بين مؤيد للبريكست ومعارض له. ورفض البرلمان ثلاث مرات الاتفاق الذى أمكن لتريزا ماى التوصل إليه مع الاتحاد الأوروبى للبريكست، واضطرت فى نهاية المطاف إلى الاستقالة.

ويعتبر جونسون واحدا من أهم قيادات بريكست، وسبق أن استقال من منصب وزير الخارجية اعتراضا على ما اعتبره تهاونا من جانب ماى فى التفاوض مع الاتحاد الأوروبى وتوصلها إلى اتفاق غير مقبول، وبدأ الاستعداد لأن يخلفها فى رئاسة الحكومة، وقد تحقق له ما سعى إليه، وعقب تكليف ملكة بريطانيا له بتشكيل حكومة جديدة، أكد مرة أخرى رفضه للاتفاق الحالى مع الاتحاد الأوروبى، وأنه سيحقق خروج بريطانيا فى الموعد المحدد وهو 31 أكتوبر 2019 سواء باتفاق جديد أو تعديلات أساسية فى الاتفاق الحالى، أو بدون اتفاق.

***

واتفاق بريكست الحالى فيه ترضية لمطلب إيرلندا الشمالية بأن تبقى داخل الاتحاد الأوروبى دون انفصال عن بريطانيا وذلك بأن تكون معاملات الاتحاد التجارية والاقتصادية والاستثمارية مثل دول الاتحاد الأخرى وتبقى حدودها الجنوبية مع جمهورية إيرلندا مفتوحة، بينما تتحول حدودها مع بريطانيا التى هى جزء منها إلى حدود الدول غير الأعضاء فى الاتحاد، وهذا كان السبب الرئيسى لرفض البرلمان البريطانى للاتفاق لأنه يهدد وحدة المملكة المتحدة لبريطانيا وشمال إيرلندا، ويرسى سابقة قد تشجع إسكتلندا على خطوة مماثلة وهو الأمر الذى قد يؤدى فى المدى الطويل إلى تفكك المملكة المتحدة.

وإزاء تمسك الاتحاد الأوروبى باتفاق بريكست الحالى وعدم إبداء استعداد لأى تعديلات فيه، وفى حالة استمراره على التمسك بهذا الموقف مع حكومة بوريس جونسون، وإذا ما نفذ جونسون وعده بالخروج فى 31 أكتوبر 2019 بدون اتفاق، فماذا سيكون عليه موقف إيرلندا الشمالية؟ هل ستطلب الانفصال عن المملكة المتحدة أم ستتراجع عن موقفها وتقبل بالأمر الواقع؟ وهل سيسمح البرلمان البريطانى لجونسون بهذه المخاطر الكبيرة مفضلا مصلحة حزب المحافظين على مصلحة بريطانيا؟ إن كل المؤشرات تشير إلى أن الاتجاه الغالب هو عدم سماح البرلمان البريطانى ببريكست دون اتفاق مع الاتحاد الأوروبى لأن الأمر لا يتعلق فقط بالاتحاد وإنما يمس فى الصميم وحدة المملكة المتحدة ويهدد بانفصال إيرلندا الشمالية. ويلاحظ أن حزب المحافظين له أغلبية ضعيفة فى البرلمان لا تتعدى على الأكثر ثلاثة أصوات.
ويطالب زعيم حزب العمال «كوربين» بإجراء انتخابات مبكرة ستكون فى حد ذاتها بمثابة استفتاء على موقف الناخبين من البريكست. ويشاركه الرأى فى رفض الخروج بدون اتفاق الحزب الديمقراطى المؤتلف مع حزب المحافظين حاليا، وكذلك نحو 16 عضو برلمان من حزب المحافظين إلى الحد الذى جعلهم يهددون بالاستقالة من حزب المحافظين ورحبت بهم قيادة الحزب الديمقراطى للانضمام إلى حزبهم. وإذا تم بريكست بدون اتفاق فلن تحدث فقط خسائر لبريطانيا تقدر بنحو 90 مليار دولار أمريكى، وإنما سيترتب عليه أزمة دستورية وسياسية كبيرة، إلى جانب حالة من الركود الاقتصادى وزيادة نسبة البطالة فى بريطانيا.

وقد سارع جونسون وأعلن عدم إجراء انتخابات فى بريطانيا قبل البريكست باتفاق أو بدون اتفاق فى 31 أكتوبر 2019. ولم يوضح ما هو الأساس الذى يبنى عليه هذا الرفض، والثقة التى يتحدث بها سواء عن إمكانية قبول الاتحاد الأوروبى أى تعديلات فى الاتفاق أو عن إمكانية قبول البرلمان البريطانى الخروج دون اتفاق.
وهناك أيضا رجال الأعمال والمال والذين سيقع عليهم العبء الأكبر من البريكست إذا تم دون اتفاق، وهم ــ أو أغلبيتهم ــ من مؤيدى حزب المحافظين، ومن ثم فإنه يتوقع أن يمارسوا ضغوطهم على جونسون للتريث حتى وإن اقتضى الأمر طلب تأجيل موعد البريكست.
***
وثمة أمر آخر وهو تغيير قيادات الاتحاد الأوروبى قبيل تولى جونسون رئاسة الحكومة البريطانية بأيام قليلة، وهذه القيادات من الشخصيات القوية التى تؤمن بأهمية المحافظة على تماسك وقوة الاتحاد الأوروبى وأن لا يكون خروج بريطانيا من الاتحاد عاملا مشجعا لدول أخرى قد تحذو حذوها وهو ما يهدد كيان الاتحاد، وترى أنه يتعين الالتزام بتطبيق الاتفاق الذى تم التوصل إليه مع بريطانيا، وأن أى حوار مع رئيس وزراء بريطانيا الجديد سيدور حول بعض التفسيرات لبنود الاتفاق وليس بهدف تغيير هذه البنود وذلك من أجل الحرص على استمرار العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع بريطانيا باعتبارها قوة اقتصادية رئيسية فى أوروبا وأحد المراكز المالية المهمة، ولكن دون التهاون فى متطلبات البريكست.
وثمة تحدٍ آخر يواجه جونسون وهو كيفية تحقيق توازن فى العلاقات بين بريطانيا والولايات المتحدة من ناحية والاتحاد الأوروبى من ناحية أخرى. وذلك مع وجود أوجه تشابه فى شخصية كل من الرئيس الأمريكى ترامب وجونسون حيث وصف ترامب جونسون بأنه سيكون رئيس وزراء عظيم وأن الناس يسمونه ترامب بريطانيا. وهل سيقترب جونسون من موقف ترامب من الاتفاق النووى مع إيران، أم سيظل ملتزما بالتنسيق مع فرنسا وألمانيا وثلاثتهم مازالوا فى الاتفاق النووى مع إيران بينما ترامب انسحب منه وانقلب عليه. بعد توقيع الاتفاق النووى مع إيران أعادت بريطانيا علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع طهران، وحتى إذا سايرت واشنطن فى بعض عقوباتها على إيران فستبقى المصالح البريطانية لها تأثير خاصة بعد البريكست. كما أن بريطانيا حريصة على علاقاتها مع دول الخليج العربية والتى تقوم على تدفق البترول والغاز وتجارة الأسلحة والاستثمارات والعلاقات الثقافية، وفى آخر زيارة لرئيسة الوزراء السابقة تريزا ماى لدول الخليج العربية قالت وهى تغازل هذه الدول إن «أمن الخليج من أمن بريطانيا».

وقد أوضح حادث احتجاز بريطانيا لناقلة البترول الإيرانية فى مضيق جبل طارق ورد إيران باحتجاز ناقلة بترول بريطانية فى مضيق هرمز فى الخليج، أن إيران لديها وسائلها للرد على من يتحداها كما أظهر الحادث حرص كل من عمان والعراق على تجاوز الأزمة بين طهران ولندن حتى لا تتصاعد درجة التوتر فى منطقة الخليج أكثر مما هى عليه بسبب التصعيد من جانب كل من واشنطن وطهران، ورغبة كل الأطراف فى تجاوز الأزمات حرصا على المصالح المشتركة.

***

إن التحدى الأكبر الذى يواجه بوريس جونسون هو مدى قدرته على التحكم فى ردود أفعاله التلقائية المباشرة والشعبوية والتى لم يغيرها لا مستوى تعليمه الراقى، ولا عمله فترة طويلة فى الصحافة والكتابة، وتوليه منصب عمدة لندن على مدى ثمانى سنوات وهو منصب بالغ الأهمية بأعبائه ومشكلاته. أما منصب رئيس الوزراء فهو يتعلق بسياسة بريطانيا كلها والمحافظة على وحدة أقاليمها وعلاقاتها الأوروبية ومناطق العالم الأخرى، وهنا توجد عدة كوابح لا شك ستفرض بعض الضوابط على جونسون، منها مجلس الوزراء، والبرلمان، والرأى العام البريطانى الذى عارض 49% منه الخروج من الاتحاد الأوروبى، ولو أعيد الاستفتاء مرة أخرى الآن لزادت النسبة كثيرا بعد أن اتضح مدى الأعباء والخسائر المترتبة على الخروج. كما أنه إذا لم تجرَ انتخابات عامة مبكرة فإن موعد الانتخابات العامة العادية سيحل بعد عامين حيث إن جونسون يكمل مدة تريزا ماى فى رئاسة الحكومة، ومن هنا كانت مقولة بعض المعلقين من أن مدة رئاسة جونسون للحكومة قد تكون قصيرة للغاية.

وسيلتزم جونسون بموقف الاتحاد الأوروبى من القضية الفلسطينية وهو حل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على حدود 4 يونيو 1967، ولا ينتظر أن يتغير الموقف البريطانى كثيرا بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبى بحكم العلاقات والمصالح البريطانية مع الدول العربية، وبحكم المسئولية الأدبية عن نشأة وتطور القضية الفلسطينية باعتبار أنها كانت الدولة المشربة على فلسطين وتقع عليها مسئولية تهيئة الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى للاستقلال وإقامة دولتهم، وهو ما يتفق والقرارات الدولية والمجتمع الدولى.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات