خمسون عامًا من الحرب على الفقر فى أمريكا - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 5:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خمسون عامًا من الحرب على الفقر فى أمريكا

نشر فى : الأربعاء 5 نوفمبر 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : الأربعاء 5 نوفمبر 2014 - 8:40 ص

نشر معهد كاتو الامريكى دراسة لمايكل تانر، أستاذ فى معهد كاتو ومؤلف كتاب فقر الرعاية الاجتماعية: مساعدة الناس فى المجتمع المدنى، وتشارلز هيوز، باحث مشارك فى معهد كاتو، عن محاربة الفقر فى الولايات المتحدة الامريكية. ففى تلك الدراسة يوضح الباحثان انه خلال خمسين عاما من الحرب على الفقر فى الولايات المتحدة؛ أنفقت الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات أكثر من 19 تريليون دولار لمكافحة الفقر. ويتساءلان عن الذى تم إنجازه بالفعل. تشير الأدلة إلى تخفيض العديد من مظاهر الفقر المادى، خاصة فى السنوات الأولى من الحرب على الفقر. غير أن هذه الجهود حققت نجاحا أكبر بين الجماعات المستقرة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، مثل كبار السن، أكثر منها بين الجماعات منخفضة الدخل التى تواجه مشكلات اجتماعية أخرى. فضلا عن وجود عوامل أخرى، لعبت دورا فى جهود الحد من الفقر، مثل إقرار قانون الحقوق المدنية، وتوسيع الفرص الاقتصادية للأمريكيين الأفارقة والنساء، وزيادة الأعمال الخيرية الخاصة، وارتفاع النمو الاقتصادى بوجه عام.

ويرى الباحثان أنه على الرغم من بعض علامات النجاح الأولى للحرب على الفقر، إلا أن البرامج التى بدأت منذ فترة طويلة وصلت إلى نقطة تراجع العائد. ففى السنوات الأخيرة انفق المزيد والمزيد من الأموال على المزيد والمزيد من البرامج، فى حين لم يتحقق سوى مكاسب قليلة، إن وجدت. والأهم من ذلك، فشلت الحرب على الفقر فى تمكين الفقراء من الاعتماد على أنفسهم أو زيادة الحراك الاقتصادى بين الفقراء والأطفال. وربما حياة الفقراء اصبحت أقل شقاء، لكننا فشلنا فى انتشال الناس من براثن الفقر حقا.

ويجب أن تكون اخفاقات الحرب على الفقر درسا لصناع القرار اليوم. حيث لا تكفى النوايا الحسنة وحدها. ولا ينبغى أن يستمر إنفاق الأموال فى برامج فاشلة باسم الرحمة.

ففى الثامن من يناير 1964، أعلن الرئيس ليندون جونسون فى خطاب حالة الاتحاد «حربا غير مشروطة على الفقر فى أمريكا». ولم يكن هدف جونسون مجرد «تخفيف أعراض الفقر، ولكن علاجها وقبل كل شيء، منعها». وبعد أربعة أشهر، وسع جونسون تلك الرؤية فى خطاب ألقاه فى جامعة ميشيجان، داعيا إلى «مجتمع عظيم يقضى على الفقر والظلم العنصرى».

وسرعان ما تلا ذلك سيل من التشريعات لإقامة العديد من جوانب دولة الرفاه الأمريكية الحديثة. وعندما غادر جونسون منصبه، كان قد أنشأ أكثر من عشرين برنامجا جديدا لمكافحة الفقر؛ من الرعاية الصحية إلى الإسكان، ومن التدريب المهنى إلى الغذاء. وتم توسعة برامج أخرى، أو جعلها دائمة مثل كوبونات الغذاء. وجاء عدد من برامج التأهيل واسعة النطاق، مثل الرعاية الصحية، أيضا من حرب جونسون على الفقر وأجندات المجتمع العظيم.

وفى العقود التى تلت ذلك، تم إنشاء العشرات من برامج مكافحة الفقر أخرى. ويوجد اليوم 126 برنامجا اتحاديا لمكافحة الفقر، تتبع سبع وزارات مختلفة وست هيئات مستقلة.

وزادت تكلفة الحرب على الفقر بشكل كبير. ففى 2014، ارتفع الإنفاق الفيدرالى على برامج الرعاية الاجتماعية ومكافحة الفقر من 107 مليارات دولار إلى 688 مليار دولار، بزيادة قدرها 640 فى المائة، فى حين، ارتفع اجمالى الانفاق الحكومى والخاص على الرعاية الاجتماعية من 160 مليار دولار إلى 981 مليار دولار، أى بزيادة قدرها 613 فى المائة.

وبطبيعة الحال، لا يتم تعديل هذا المبلغ وفقا للنمو فى عدد السكان. وبالتالى، ربما يكون النظر فى الانفاق على الرعاية الاجتماعية على أساس نصيب الفرد، وتحديدا الفقير، مقياسا أفضل. وعلى هذا الأساس، ارتفع الانفاق الفيدرالى بنحو 320 فى المائة تقريبا من أربعة آلاف و643 دولار للفرد إلى 14 ألفا و848 دولارا، بينما ارتفع اجمالى الانفاق الحكومى والخاص بنسبة 302 فى المائة، من ستة آلاف و972 دولارا إلى 21 ألفا و113 دولارا.

ويتساءل الباحثان ما هى نتيجة هذا الإنفاق؟ وهل تم الانتصار فى الحرب على الفقر، أو حتى السبيل إلى النصر اقترب؟ لقد كان للحرب على الفقر العديد من الأهداف؛ أكثرها وضوحا، الحد من الفقر. لكن جونسون أوضح أنه لم يكن يقصد مجرد «التخفيف من أعراض الفقر، ولكن علاجه، وقبل كل شيء، منعه». نعم، إنه كان يسعى لتلبية «الحاجات الأساسية» للفقراء، ولكنه سعى أيضا إلى «إحلال الفرصة محل اليأس».

•••

ويشير الكاتبان إلى انه بعد مرور خمسين عاما من الحرب على الفقر، اذا كانت الولايات المتحدة الامريكية لم تخسر الحرب، فهى فى أحسن الأحوال تكافح من أجل التعادل. وربما تكون التريليونات من الدولارات وقائمة البرامج التى تم تنفيذها منذ وعد جونسون قد خفضت بشكل طفيف من الفقر المادى، غير أن البيانات محدودة وتخضع لتفسيرات مختلفة. حيث يظهر معدل الفقر الرسمى المكاسب القليلة، ولكن الدراسات المبنية على قياسات تكميلية أكثر تطورا لا تظهر سوى انخفاضا قليلا فى الفقر، وخصوصا خلال السنوات الأولى من جهود مكافحة الفقر. ومازال من غير المؤكد أن جزءا كبيرا من هذا التحسن يرجع إلى الحرب على الفقر. فعلى سبيل المثال، تشير الأدلة إلى أن التوسع فى الحقوق المدنية للنساء والأمريكيين من أصل أفريقى كان عاملا مساعدا مهما أسهم فى الحد من الفقر. كما لعب النمو الاقتصادى العام والتطور التكنولوجى أيضا دورا فى ذلك.

وتكشف تلك الدراسات أن أكبر المكاسب من الحرب على الفقر، وصلت إلى نقطة التناقص. وحتى إذا كانت الحرب على الفقر ساعدت على الحد منه فى البداية، لم تسفر الزيادة الهائلة فى الانفاق على الرعاية الاجتماعية خلال العقدين الماضيين سوى عن القليل من مكاسب إضافية. وتظهر المكاسب أكبر بكثير بين الفئات الاجتماعية والاقتصادية المستقرة مثل كبار السن، وليست المجموعات التى تستهدفها معظم برامج مكافحة الفقر اليوم. كما أن خفض الفقر بين هذه المجموعات يمكن أن يعزى فى المقام الأول إلى مجموعة صغيرة نسبيا من البرامج. ولا يبدو أن هناك تأثيرا يذكر لأكثر من 126 من البرامج الفيدرالية الحالية لمكافحة الفقر.

والأهم من ذلك، لا توجد دلائل على أن الحرب على الفقر مكنت الفقراء من الاعتماد على أنفسهم والاستغناء عن المساعدات الحكومية. كما أنها لم تؤد إلى زيادة الحراك الاقتصادى الذى يمكن الأطفال الذين يولدون لآباء الفقراء من التخلص من الفقر والانتقال إلى الطبقة الوسطى.

ويؤكد الكاتبان انه لا شك أن الجميع يسعى إلى مجتمع يحقق فيه كل أمريكى إمكاناته الكاملة، حيث لا يعانى من الفقر إلا اقل عدد ممكن من الناس، وحيث لا ينبغى ان يعيش أحد من دون الضروريات الأساسية للحياة. والأهم من ذلك، مجتمع يشعر فيه كل شخص بتحقيق ذاته. ولا ينبغى أن يحكم على نجاح الجهود المبذولة للقضاء على الفقر عبر مقدار المساعدات الخيرية التى تقدم للفقراء، ولكن عبر مدى انخفاض عدد من يحتاجون مثل هذه الأعمال الخيرية؟ وعلى هذا القياس، تعتبر الحرب على الفقر فاشلة.

•••

وفى نهاية الدراسة يوصى الكاتبان بأهمية النظر فيما إذا كانت الحرب على الفقر جلبت عواقب غير مقصودة تدحض أى فوائد حققتها برامج مكافحة الفقر. وتشير الأدلة، بشكل خاص، إلى أن العديد من برامج الرعاية الاجتماعية لا تشجع العمل، فى حين تشجع الإنجاب خارج إطار الزواج. وبالتالى، حتى لو تم الاتفاق على أن الحرب على الفقر حدت من الفقر من بعض النواحى، إلا أنها خلقت ظروفا تساعد على زيادة الفقر.

فماذا يعنى هذا بالنسبة لسياسة مكافحة الفقر اليوم؟

ولما كان مجرد التعاطف ليس كافيا، يؤكد الكاتبان على وجوب أن تستخدم الموضوعية والمساءلة حتى عند الحكم على البرامج التى تهدف إلى مساعدة من هم أقل حظا. وينبغى التساؤل باستمرار: «ما هى البرامج التى أثبتت نجاحا وتلك التى تفشل» وينبغى وقف البرامج التى تفشل مهما كانت نواياها حسنة.

وعند النظر بموضوعية، من غير المرجح أن يؤدى استمرار الحرب على الفقر بهذه الطريقة إلى مواصلة خفض الفقر وزيادة الاكتفاء الذاتى، أو توسيع الحراك الاقتصادى. ولن يقدم المزيد من برامج مكافحة الفقر والمزيد من الانفاق على الرعاية الاجتماعية الحل لاستمرار الفقر. يكفى خمسون عاما من الفشل.

التعليقات