الدماء تغطى الشوارع - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 12:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدماء تغطى الشوارع

نشر فى : الإثنين 6 فبراير 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الإثنين 6 فبراير 2012 - 9:10 ص

لم تكن أحداث بورسعيد فيما يبدو، غير بداية لانفلات الزمام إلى فوضى عارمة، تجتاح أنحاء مصر من أقصاها إلى أقصاها.. وسط دوى هائل من الشائعات والتصريحات المتضاربة والمزايدات التى تغلفها مشاعر كروية حادة، لم تكن فى يوم من الأيام تعبيرا حقيقيا عن الروح الرياضية بأى حال!

 

وفى الوقت الذى باتت الدماء تغطى فيه شوارع القاهرة وبورسعيد والسويس والإسكندرية، انطلقت أبواق النفاق على ألسنة القيادات والقنوات تردد تصريحات تافهة وغير منطقية، عن الطرف الثالث وعن المؤامرة التى تحاك من سجن طرة أو عن التدابير التى يضعها فلول الحزب الوطنى لإشعال نيران الثورة المضادة وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

 

وحيث تشير كل الشواهد إلى الجريمة التى ارتكبها بلطجية بورسعيد وشاركت فيها عناصر إجرامية وعصابات من الغوغاء الذين يطلق عليهم الإنجليز «الهوليجانز»، كان لابد أن تسارع الخلايا النائمة من القيادات إلى البحث عن كبش فداء تلقى عليه مسئولية ارتكاب المذبحة التى صممت لتكون بمثابة مصيدة أو كمين لفريق الأهلى ومشجعيه يتم اغتيالهم فى الظلام. وكان طبيعيا أن يتم إلصاق الجريمة بقوات الأمن ووزارة الداخلية، فتحولت عاصفة الغضب إلى مبنى وزارة الداخلية فى القاهرة. ومبنى الضرائب العقارية المجاور لها. وأدخل الألتراس طرفا فى المعركة!

 

ربما يكون مستوى أداء الشرطة فى مصر أقل من الكفاءة المطلوبة لمواجهة مثل هذه المواقف كالتى حدثت فى بورسعيد. ولكن هناك بديهيات ما كان يجب أن تغيب عن بال المسئولين، الذين يدعون أن أكثر من 17 تشكيلا أمنيا كانت حاضرة حول استاد بورسعيد. فأبسط شىء فى مثل هذه الظروف هو التدقيق فيما يحمل المشجعون معهم واحتجاز من يحمل منهم سلاحا أو آلة حادة ومنعه من دخول الاستاد.. وهو ما لم يحدث فيما يبدو. ودع عنك إدعاءات البعض بأنها مؤامرة من البوليس ضد الأهلى والألتراس!

 

وهناك قصص عديدة تروى عن الألتراس ودورها فى المباريات الرياضية.. فأهالى بورسعيد يتهمون ألتراس الأهلى بأنهم هم الذين بدءوا الاشتباكات فى الاستاد. وألتراس الأهلى يتهمون بورسعيد وشعبها بأنهم أحاطوا بهم وأوسعوهم ضربا وحالوا دون خروجهم بإغلاق الأبواب ليتقموا منهم.

 

ولا أحد يعرف حتى هذه اللحظة كيف تطورت الألتراس وتعددت بتعدد الأندية لتغدو أشبه بالميليشيات. حيث كانت بعض قيادات الأهلى يتباهون بالدور الذى لعبه شباب الألتراس فى الوقوف إلى جانب الثورة والقيام بأعمال دفاعية وهجومية فى مليونيات ميدان التحرير وفى اقتحام السفارة الإسرائيلية. وهناك كتابات عديدة تدافع ــ «عمال على بطال» ــ عن الألتراس كمجموعة لها طقوس وأناشيد ونظم وانتماء يصل إلى حد التعصب.. انحرفت عن طريق الرياضة إلى السياسة!

 

أما النخب السياسية وعلى رأسها المجلس العسكرى ومجلس الشعب ومجموعة المرشحين المحتملين للرياسة، فإن حجم التحريض الذى ينطلق من تصريحاتهم وعجز مؤسسة مثل مجلس الشعب عن القيام بدور إيجابى فى خضم هذه الأزمة.. كلها مؤشرات توحى بأن مصر على شفا انهيار سياسى واجتماعى.

 

فقد عجز المجلس العسكرى عن اتخاذ موقف حاسم من معظم الأحداث التى وقعت بدءا من معارك شارع محمد محمود إلى مجلس الوزراء إلى مذبحة بورسعيد.. وتبددت بمرور الوقت هيبة المجلس العسكرى، وسلطة الحكومة ومؤسسات الدولة، بعد أن انكشف عجز الدولة عن ضبط مرتكبى هذه الجرائم ومدبريها.

 

ومن المفارقات أن المؤسسة الوحيدة التى مازالت تعمل بقدر من التماسك والنزاهة وهى المؤسسة القضائية، تتعرض لنقد شديد ويطالب البعض بإقطاء النائب العام بحجة أن مبارك هو الذى عينه.

 

هناك جهود حثيثة تبذل من جانب الإعلام وأبواق القنوات التليفزيونية لتفكيك البلد، وتوسيع أسباب الخلاف والنزاع بحجة أن حكم العسكر وصل إلى نهايته وفقد شرعيته، ولابد من الإسراع بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية. حتى ولو أدى الأمر لتسليم السلطة إلى رئيس مجلس الشعب.. مع أننا رأينا كيف يتصرف أعضاء مجلس الشعب بطريقة تتغلب فيها ميولهم الاستعراضية بدون أى منطق أو رؤية إصلاحية.

 

فلو أمكن إقناع المجلس العسكرى باختصار الجدول الزمنى بإعلان فتح باب الترشح للرياسة نهاية الشهر الحالى كما اقترح عمرو موسى، على أن تجرى انتخابات الرياسة عقب الشورى، فإن ذلك سيكون عاملا مهما من عوامل حقن الدماء فى الشارع المصرى.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات