الحد الأدنى للأجور والحد الأقصى للمتاعب - عمرو عادلى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحد الأدنى للأجور والحد الأقصى للمتاعب

نشر فى : الخميس 6 مارس 2014 - 7:20 ص | آخر تحديث : الخميس 6 مارس 2014 - 7:20 ص

تغادر حكومة الببلاوى المشهد السياسى على وقع إضرابات هى الأوسع نطاقا منذ يونيو الماضى، وذلك لمطالبة الآلاف من العاملين فى القطاع العام والهيئات العامة بشمولهم بالحد الأدنى للأجور أسوة بالعاملين المدنيين فى جهاز الدولة البيروقراطى، والذى استهدفهم قرار مجلس الوزراء الذى دخل حيز النفاذ منذ يناير ٢٠١١. وظهر أن وضع الحد الأدنى لم يؤدِ إلا للمزيد من الاحتجاج لدى الآلاف من العاملين والموظفين الذى تم استثناؤهم من القرار، فكيف يمكن فهم وتفسير هذا؟ وما المثالب الرئيسية فى قرار الحد الأدنى الذى دخل حيز النفاذ فى يناير الماضى؟

اقتصر وضع الحد الأدنى للأجور وتطبيقه على العاملين بالجهاز البيروقراطى للدولة وباستبعاد غيرهم من العاملين فى الهيئات العامة ومصانع القطاع العام وبالقطع عمال القطاع الخاص الذين لا يعملون لدى الدولة أو أى جهة تابعة لها، وللمفارقة فإن قرار مجلس الوزراء قد استهدف الشريحة من العاملين (الخاضعين لقانونى ١٤٧ لسنة ١٩٧٨ و١١٥ لسنة ١٩٨٣ الخاص بالعاملين المدنيين فى الدولة) التى استثناها القضاء الإدارى من حكمه الشهير فى ٢٠١٠ بإلزام الحكومة بوضع حد أدنى للأجور تطبيقا لما ورد فى قانون العمل الموحد رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، والذى يشمل جميع العاملين فى القطاعين العام والخاص، وينص على ضرورة إقرار حد أدنى للأجر من خلال المجلس القومى للأجور، والذى يضمن تمثيلا للحكومة وأصحاب الأعمال والعمال، وقد نص الحكم القضائى الذى فجر الجدل حول شروط ومعايير وضع الحد الأدنى للأجور وإمكانية تطبيقه على عدم خضوع العاملين فى الدولة لهذا القانون إذ تتحدد أجورهم طبقا لجدول مرفق بالقانون رقم ١٤٧، فإذا بحكومة الببلاوى عندما تقرر أخيرا وبعد طول أخذ ورد خاصة بعد ثورة يناير، أن تنفذ الحد الأدنى للأجور فإنها تضع حدا أدنى للأجر لذات الفئة ولها فقط دون غيرها التى لم ينص الحكم القضائى على شمولها بالحد الأدنى.

•••

إن هذا الكلام لا يعنى بحال من الأحوال أن العاملين فى الدولة لا يستحقون حدا أدنى للأجر إذ إن الاختلالات والتشوهات الإدارية والمالية تسد الآفاق فى الجهاز الإدارى للدولة، فيكفى أن الأجور الأساسية للعاملين المدنيين قد ظلت ثابتة كقيمة مطلقة لم تتغير منذ ١٩٨٤ وتمت الاستعاضة عن هذا بزيادة بنود الأجر غير الأساسى من علاوات ومكافآت وبدلات وصلت إلى ٩٠ ٪ من الدخل الكلى فى بعض الحالات، وغنى عن القول أن هناك فسيفساء للأجور من إدارة حكومية لأخرى بلا معيار واضح وبدون توفر معلومات لدى وزارة المالية حول هذه التباينات غير المبررة فى أغلب الأحوال، ولكن لا يمكن بحال أن يقتصر الحد الأدنى على الجهاز الإدارى للدولة وأن يغفل الاقتصاد ككل بشقيه العام والخاص، ولا يمكن أن يتم تحديد الحد الأدنى بقرار من مجلس الوزراء دون صدور قانون بعد طول تباحث وتفاوض بين ممثلى المصالح المختلفة فى شتى القطاعات، لا القطاع المملوك للدولة فحسب.

كان منطقيا وطبيعيا أن تثور القطاعات المنظمة التى تعمل لدى الدولة على اختيار حكومة الببلاوى لموظفى الجهاز البيروقراطى دون الهيئات ودون قطاع الأعمال العام، وأن تطالب بمساواتها بمن سيحصلون على الحد الأدنى للأجر، بيد أن المسألة تبدو قريبة فعليا من علاوة يوليو أو من المكافآت والبدلات التى تصرفها الحكومة للعاملين لديها ابتغاء لمرضاتهم أو على الأقل لعدم معارضتهم لها، ويبعد هذا كل البعد عن مفهوم الحد الأدنى للأجر سواء فى القطاع العام أو الخاص أو لدى موظفى جهاز الدولة، والذى يمثل مسألة بالغة التعقيد لا تستند فحسب إلى تقديرات الخبراء المالية أو الاقتصادية بقدر ما تستند إلى تفاهم سياسى واجتماعى بين أصحاب المصالح وممثليهم، وهو ما يتطلب بنية ديمقراطية تعكس المصالح بشكل حر، الأمر الذى يغيب تماما عن مصر منذ قضت دولة يوليو ــ نسبة ليوليو ١٩٥٢ على استقلالية نقابات العمال كيما على استقلال اتحادات الغرف التجارية والصناعية فى إطار تأميم تمثيل المصالح، واحتكار الدولة لتعريف الصالح العام وفرضه على أصحاب المصالح كافة.

إن صلب الإشكال الذى يواجه الحكومة الجديدة لا يتمثل فى عدم توفر الموارد المالية الكافية لزيادات فى أجور موظفى الدولة تحت اسم الحد الأدنى بل يتمثل من الأصل فى صدور قرار وزارى بالحد الأدنى للأجور بدلا من إصدار قانون يحدد الأطر التى يمكن من خلالها التوصل لحد أدنى للأجر بما يضمن تمثيل المصالح، وبما يضمن ربط الحد الأدنى بإنتاجية العامل وبالاستثمار فى زيادتها فى المستقبل من خلال التعليم والتدريب المهنى والرعاية الصحية والتأمينات الاجتماعية، وبتنافسية الاقتصاد المصرى، وبالحد الأدنى المعيشى المقبول للفرد والأسرة، وكلها مسائل بالغة التعقيد والتركيب ولا توجد حلول سهلة لها فى بلد فقير كمصر، وإنما أقصر الطرق للحل هو خلق الهيكل الذى يمكن من خلاله إدارة الصراع السياسى والاجتماعى لا الادعاء من قبل سلطة ما أو جهة ما أن لديها القدرة على إيجاد حل سحرى ماليا كان أو سياسيا.

بعد ثلاث سنوات من الاضطراب السياسى المستمر، وعمليات تحول سياسى غير مكتملة بات غالب المصريين يعرف أنه ما من حل سحرى للقضايا الاقتصادية الملحة، بل إن القائمة تزداد طولا، ولو كانت الحلول متاحة يسيرة لما كانت هناك حاجة للسياسة ولا للمجال السياسى ولا للتمثيل السياسى، وهى الوسائط التى يمكن للمجتمع من خلالها أن يتوصل لصيغ على المدى المتوسط والبعيد، فلا سبيل للحديث عن حد أدنى للأجر فى الاقتصاد المصرى دون تحقيق التعافى بعد ثلاث سنوات من معدلات نمو أقل من معدل النمو السكانى، ولا يتم هذا إلا بحدوث قدر من الاستقرار السياسى، ويضاف إلى هذا وذاك أنه ما من تصور جاد عن حد أدنى للأجور على المدى البعيد دون تحرير تمثيل المصالح، خاصة تمثيل العمال فى القطاعين العام والخاص فى إطار التعدد النقابى الحر، والاتفاق على صيغ جديدة تضمن زيادة الاستثمار الحكومى فى التعليم والصحة والبنية الأساسية، وهو ما يستتبع الحديث الجاد عن الضرائب والتأمينات أى ببساطة إعادة هيكلة النظامين السياسى والاقتصادى فى مصر.

التعليقات