فى مقاله الشهير «فى مدح الكسل» دعا الفيلسوف والمؤرخ البريطانى برتراند راسل (1872 – 1970) إلى تخفيض ساعات العمل اليومية إلى أربع، موضحا أنه لا يقصد بذلك أن كل الوقت الباقى ينبغى أن ينصرم بالضرورة فى مجرد تفاهات، بل إنه يرى أن العمل مدة أربع ساعات يوميا يجب أن يؤهل الإنسان للحصول على ضرورات الحياة ووسائل الراحة الأولية فيها، وأن يستخدم بقية وقته بالطريقة التى يرى أنها مناسبة.
اشترط راسل فى المجتمع الذى يجنح إلى يوم عمل بأربع ساعات أن يهتم بتطوير التعليم وجودته واتساع رقعته أكثر مما كان عليه الحال حتى فى بلده، بريطانيا، عند كتابته ذلك المقال، كما يتعين على المجتمع المعنى أن يسعى لخلق أمزجة تمكن الإنسان من الانتفاع بوقت فراغه فى ذكاء.
قال راسل إنه لا يعنى بالتعليم الجيد ذاك الذى يتوافر فقط للخاصة من الناس، وإنما التعليم الذى يشمل شرائح المجتمع المختلفة، ويعيد بناء الصلات مع الفنون والثقافات الشعبية المعرضة للاندثار، ويعطى مثلا على ذلك أن رقصات الفلاحين قد اندثرت فى بلده، إلا فى مناطق نائية، رغم أن بواعث وجودها واستمرارها لا تزال باقية فى الطبيعة البشرية، فيما النزوع الحالى نحو التسلية انصرف إلى مشاهدة الأفلام ومباريات كرة القدم، ويرد راسل ذلك إلى ضيق الوقت المتيسر للإنسان بسبب كثرة ساعات العمل، فلو كان لدى الناس وقت فراغ أكبر لوجدوا فرصا أفضل للتسلية والمتعة.
قبل فترة نشر تقرير عن سيدة بريطانية، أم لطفلين، كانت تتوق، شأنها شأن غالبية العاملين، إلى ساعات عمل أكثر مرونة من ساعات العمل التقليدية (من الاثنين إلى الجمعة، من التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء)، اختارت، من تلقاء نفسها العمل بدوام كامل لأربعة أيام فقط فى الأسبوع، ولكنها مضغوطة، وبعد التجربة راق لها ذلك، حتى إنها لا تريد تغيير هذا النظام بأى طريقة أخرى.
تحدثت المرأة أيضا أن هذا النظام وفرّ عليها مبلغا مناسبا، من تكاليف رعاية طفليها، فضلاً عن أنها باتت أكثر إنتاجية فى وظيفتها قياسا لما كان عليه الحال سابقا، وحسب قولها فإن «الأيام الأطول تسمح لى بالغوص فى عملى وممارسته بشكل أفضل وأعمق»، مضيفة أنه إذا كان عليها العمل فى أى مكان آخر، فإن الأسبوع المضغوط (العمل لمدة أربعة أيام فقط فى الأسبوع) سيكون «ضروريا».
لم نر وجه علاقة مباشرة بين دعوة برتراند راسل والنظام الذى اتبعته هذه السيدة، فغاية راسل هى كسب وقت أطول للمتعة والتعلم، وغاية السيدة هى التفرغ لمهام عمل أخرى، لكن فى الحالين نحن إزاء نظام عمل أسبوعى مختلف.
حسن مدن
جريدة الخليج الإماراتية