تقويض النظام الحزبى - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تقويض النظام الحزبى

نشر فى : الإثنين 6 ديسمبر 2010 - 10:35 ص | آخر تحديث : الإثنين 6 ديسمبر 2010 - 10:35 ص

 الانتقاد الذى وجهه أحمد عز لانسحاب حزب الوفد من الجولة الثانية للانتخابات احتجاجا على عمليات التزوير، أنه «لو لم يعلن الوفد انسحابه لكنا قد ضمنا له عددا من المقاعد فى المجلس القادم»!

وبعبارة أخرى، فهو يرى أن الانتخابات فى النظام السياسى المصرى لا تهدف إلى تحقيق تمثيل برلمانى صادق لإرادة الشعب بمختلف فئاته، ولكنها تجرى بمثابة غطاء لتوزيع مقاعد المجلس على الأحزاب التابعة، بما يحقق اكتساح الحزب الحاكم بأغلبية ساحقة.. ومن ثم يكون من الممكن أن يجود أحمد عز على حزب الوفد بعدد من المقاعد تكفيه مؤونة التسول السياسى.

وهذا بالضبط هو السبب الذى جعل رئيس حزب التجمع يستميت ــ رغم معارضة حزبه ــ على إبقاء مرشحيه فى انتخابات الإعادة، على الرغم من أنه لم يفز فى الجولة الأولى بمقعد واحد! ومقعد واحد بالتسول خير من لا مقعد على الإطلاق!

لا مفاجأة إذن فيما حدث مهما تعددت التأويلات. والنتيجة السياسية الوحيدة المؤكدة بعد أن انتقل الحزب الحاكم من الهيمنة إلى الاستئثار ثم الاحتكار للعمل السياسى، أن مفهوم التعددية الحزبية لم يعد له مكان فى «الفكر الجديد» الذى اعتنقه الحزب الوطنى على يد رجال الأعمال، وأن التحول الذى تحقق على يد الرئيس السادات بالانتقال تدريجيا من شرعية الثورة إلى شرعية برلمانية متعددة الأحزاب.. ومن نظام المنابر إلى نظام الأحزاب الذى أعاد الشرعية إلى حزب الوفد عام 1978، قد نجح حزب رجال الأعمال فى تقويضه وإعادة العجلة إلى الوراء ثلاثين عاما تحت حكم قانون الطوارئ!!.

ربما تكون الأسباب التى أدت إلى انسحاب الوفد مختلفة عن تلك التى أدت إلى انسحاب الإخوان، وإن كان يجمع بينهما إدراك متأخر بأن الوعود التى قطعها الحزب الحاكم على نفسه بأن الانتخابات سوف تكون نزيهة لم تكن خالصة لوجه الله والوطن.

ومنذ اللحظات التى رفض الحزب الحاكم فيها تقديم الضمانات التى سعت الجبهة الموحدة للأحزاب والقوى السياسية للحصول عليها كشرط لخوض الانتخابات، كان واضحا أن هذه الأحزاب قد قبلت الدخول فى مغامرة أو مقامرة ليست مأمونة العواقب ولا محسوبة النتائج. وفى هذه اللحظات وقع الانقسام الذى أدى بأحزاب الوفد والتجمع والناصرى والإخوان إلى النكوص عن المقاطعة. ونجح الوطنى فى تحقيق أهدافه بتشجيعها على خوض الانتخابات.

وباستثناء حزب الجبهة الوطنية الذى انهالت عليه الانتقادات، وأسرع بعض الانتهازيين من أعضائه إلى الهروب من صفوفه لأحزاب أخرى بدا أن الهرولة الكبرى لهذه الأحزاب سوف يكون ثمنها باهظا.

لم يكن مفهوما بالنسبة لكثير من المراقبين والدارسين كيف غابت البصيرة السياسية عن قيادات حزبية محنكة وعريقة فى حزب الوفد، صدقت الوعود التى قيلت لها بغير ضمانات. واستجابت لضغوط بعض الكوادر الدنيا ووافقت بأغلبية ضئيلة على دخول الانتخابات.. بل وسايرت كثيرا من المواقف الغامضة الملتوية للحزب الحاكم مثل رفض الرقابة الدولية والسكوت على الاعتقالات السياسية، والمشاركة فى إجراءات التضييق والخنق الإعلامى.. حزب الوفد يكاد يكون الوحيد الذى دفع الثمن ولم يحصل فى المقابل على أبسط أشكال المعاملة النزيهة العادلة لمرشحيه وناخبيه.

وحين انسحب مع الإخوان المسلمين ــ كل على حدة ــ كان انسحابا اضطراريا، أحدث أزمة فى صفوفه. وليس واضحا حتى الآن ما إذا كانت هذه الأحزاب قد تعلمت الدرس واستوعبته. فقد عجزت عن الوقوف صفا واحدا حين كان لابد من المقاطعة. وهرولت إلى الانتخابات كالذئب الجائع إلى فريسته.

أما «الجماعة» فسوف يظل محكوم عليها بالغباء والجمود السياسى إلى أن تعيد النظر فى مجمل أفكارها وأساليبها والدروس التاريخية التى مرت بها. وتنتقل إلى مرحلة الحداثة والتطور الذى يتفق ومعايير العصر.. فقد عرفت الدولة طريقة التعامل معها، اختبرتها ونجحت فيها.. باعتقال أكبر عدد من أفرادها واحتجازهم فى السجون طوال فترة الانتخابات وما قبلها ثم الإفراج عنهم بعدها..

وفى دولة يحتقر فيها القانون، وفى عالم يناهض حركات الإسلام السياسى فسوف تظل الأبواب موصدة فى وجه أى محاولة للتطبيع بين الجماعة والدولة، أو دمجهم فى النسيج السياسى. وهذه ليست معضلة الجماعة وحدها، بل معضلة النظام السياسى فى مصر!!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات