التعامل بجدية.. - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 1:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعامل بجدية..

نشر فى : الأربعاء 7 أبريل 2010 - 9:45 ص | آخر تحديث : الأربعاء 7 أبريل 2010 - 9:45 ص

 لسنا فى حاجة للاستشهاد بما تنشره الصحافة العالمية عن الحراك الواسع الذى شهدته مصر فى صفوف التجمعات الشعبية والأوساط الشبابية والنخب المثقفة ــ حزبية وغير حزبية ــ التى اجتذبتها دعوات التغيير التى يرمز إليها محمد البرادعى.. فوسائل الإعلام المصرية تغطى تفاصيلها اليومية دون توقف.. فى لهفة مهنية ملموسة تدل على اهتمام قطاعات واسعة من الشعب المصرى بما يجرى، وبما سوف تؤول إليه جهود التغيير. بينما يقاوم الحزب الحاكم هذا التيار الجديد فى الحياة السياسية المصرية، مسلحا بنفس أسلحته القديمة من أساليب القمع فى ظل قانون الطوارئ، ورفض أى حوار حول تعديل الدستور أو غيره من المطالب.

ولا حاجة إلى القول بأن ظاهرة البرادعى أحدثت مفعولها، خصوصا بعد أن انضم إليها عدد كبير من رموز المجتمع التى تتصف بالعلم والأمانة والتجرد، وسعت للنزول إلى طبقات جماهيرية لم تتعود أن يطلب أحد مشاركتها والاستماع لرأيها، فهى تسير على خط موازٍ مع التنظيمات السياسية الحزبية، وتوقظ لدى فئات من الشعب وعيا طال عليه الأمد فى اللامبالاة وعدم الإيمان بجدوى التغيير أو أى شىء يومض برؤية مستقبلية. وأكبر الظن أن معظم حركات الاحتجاج والمطالبة بالحقوق، وآخرها المطالبة بإقرار حد أدنى للأجور، قد استمدت شجاعتها وجرأتها على المطالبة مما طرحته حوارات التغيير.

إلى هنا تبدو المسألة فى نظر البعض وكأنها ظاهرة عابرة سرعان ما تنطفئ جذوتها ويعود كل شىء إلى ما كان عليه. فتجرى الانتخابات للشورى والشعب كما اعتادت أن تجرى دائما بعد التخلص من بعض الوجوه القبيحة، ومطاردة مرشحى «المحظورة»، ودفن قضايا الفساد، وعقد صفقات مع المعارضة، وإعادة تقسيم النفوذ داخل أمانة السياسات.

ولسبب أو لآخر ترك المسئولون المجال للبرادعى وحركته من دعاة التغيير خلال الفترة الماضية، من باب الدهاء والمواربة، فالرجل له سمعة عالمية وكان يشغل منصبا دوليا مرموقا، وظل حين ترك منصبه محط اهتمام الرأى العام العالمى.. ما الذى يمكن أن يفعله فى بلد ينوء تحت وطأة مشكلات الحكم والفقر والفساد، ما لم تتوافر له ظروف مواتية غير عادية من الحرية والعمل السياسى المنظم؟

ولذلك لم يكن غريبا أن نرى بعض من يمثلون حلقة الوصل بين أبواق الدعاية السياسية وأجهزة الأمن، يتحولون تدريجيا من الاستخفاف بالبرادعى والاستهانة بحركته، إلى التهجم عليه وعلى عدد من البارزين حوله، ونحن نتوقع أن تزداد نغمة الهجوم والتشويه وما هو أكثر من ذلك، ولم يكن اعتقال ناشر لكتاب عن البرادعى أخيرا غير ناقوس إنذار بأن فترة الغزل أو الهدنة قد انتهت.

غير أن جانبا من مثقفى لجنة السياسات فى الحزب الحاكم يرون أنه لابد من التعامل بجدية مع ظاهرة البرادعى، والجدية هنا ليست بإجراءات أمنية، ولكن بالتفكير جديا فى ترتيبات بعيدة المدى، لا تقتصر على تعديلات دستورية بل تمتد إلى تصحيح الأوضاع التى تمنع إجراء الانتخابات فى ظل قانون الطوارئ، ومواجهة القضايا السياسية بقدر أكبر من الفهم، ومراعاة نظرة العالم الخارجى إلى مصر.

ولكن الحاصل يبدو غير ذلك، وقد يكون الوقت متأخرا، فانتخابات الشورى على الأبواب، ولن يسعف الوقت أنصار الإصلاح فى لجنة السياسات لإلغاء الطوارئ وإجراء انتخابات فى ظل قوانين غير تلك التى عرفناها، وما نخشاه هو أن تكون فترة السماح قد انتهت، وأن آلة الحكم قد تدور فى الاتجاه العكسى تماما ــ أى فى التضييق والقمع ــ رغم أنف دعاة الإصلاح.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات