مظاهرات ديلفيري - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مظاهرات ديلفيري

نشر فى : الإثنين 7 أبريل 2014 - 9:45 ص | آخر تحديث : الإثنين 7 أبريل 2014 - 9:50 ص

كانت الشغالة الشابة دائمة الاكتئاب ودائمة الشكوى من معاملة زوجها العاطل القاسية لها، فهو لا يتقبل حقيقة أنها هى التى تصرف على البيت ولذا فهو يضربها وينتزع منها الماهية كاملة ومع ذلك فهو دائم الشك أنها تخفى عنه بعض المبالغ من الماهية إلى أن جاءت فى صباح أحد الأيام سعيدة ضاحكة متهللة الوجه لأن زوجها وجد عملا وتغيرت حالته تماما فقد عرض عليه أحد المعارف أن يخرج معهم فى مظاهرات يوم الجمعة مقابل مائتى جنيه كل أسبوع وغير مطلوب منه سوى ترديد الهتافات. أما إلقاء الحجارة أو المولوتوف فلها ناسها وأجورها المختلفة. وقد قبل زوجها فورا والجميع سعداء بهذا العرض. فعلى الأقل يستطيع أن يخرج من البيت «ويقعد» على القهوة «ويشيل» مصاريفه ويتوقف عن ضربها وإهانتها.

•••

عُدت بالذاكرة إلى منتصف الستينيات عندما كنت عضوا بالبعثة المصرية الدائمة لدى الأمم المتحدة. وقد رتبت جمعية الضيافة بالأمم المتحدة رحلة لنا نحن شباب الدبلوماسيين الجدد رحلة إلى ولايتى جورجيا وفلوريدا لمدة أربعة أيام نقضيها فى ضيافة أسر أمريكية.

وكان نصيبى فى جورجيا فى جنوب الولايات المتحدة وعندما هبطت الطائرة فى مطار أتلانتا كانت رأسى تزدحم بالأفكار فها نحن فى أعماق الجنوب ومعقل التفرقة العنصرية ومسرح الحرب الأهلية الأمريكية.. هنا كتبت مارجريت ميتشل روايتها الشهيرة «ذهب مع الريح» التى خلدتها فيفيان لى رائعة أفلام هوليوود الخالدة.

كانت الأسر المضيفة فى انتظارنا.. مجموعة كبيرة من الأسر الأمريكية التى وقع عليها الاختيار لاستضافة شباب الدبلوماسيين من أعضاء البعثات المعتمدة لدى الأمم المتحدة كانت الأسر متباينة بعضها حديثو الزواج بلا أولاد وبعضها فى منتصف العمر والبعض من كبار السن. وتمت عملية التوزيع والتعارف. وكان نصيبى أسرة فى مقتبل العمر. محاسب وزوجته وابنتاهما الصغيرتان.

جلسنا بعد العشاء نتسامر فى غرفة المعيشة. أحدثهما عن عملى وبلدى ويحدثاننى عن عملهما وبلدهما. حدثنى صاحب الدار عن الضرائب فى أمريكا وأهوال الضرائب وكيف أن التهرب منها جريمة مخلة بالشرف وأن من أشد الطعنات التى توجه إلى مرشح لأحد المناصب العامة هو اتهامه بالتهرب من الضرائب. إلا أنه مع ذلك فهناك وسائل كثيرة للتهرب ولا تخضع لطائلة القانون. حتى إن أحد كبار رجال مصلحة الضرائب فى أمريكا ألف كتابًا بعد خروجه إلى المعاش عنوانه «كيف نتهرب من الضرائب» قال محدثى إن الشهر القادم هو شهر تقديم الإقرارات الضريبية حيث تعلن حالة الطوارئ القصوى فى الشركات وفى مكاتب المحاسبين وأنه كثيرا ما يضطر إلى المبيت فى المكتب، ولذلك فهو يستأجر لزوجته كلب حراسة من النوع الرخيص الذى لا ينقل الولاء.. لفت نظرى هذا الكلام فطلبت المزيد من الإيضاح فعلمت أن الكلاب المعروضة للإيجار أنواع بعضها مدرب على نقل الولاء.. وهذه غالية الثمن جدا. حيث يحضر مندوب الشركة بصحبة الكلب إلى المنزل «ويعرف» الكلب «بأسياده» الجدد. وهم أصحاب البيت وينصرف. ويبدأ الكلب فى معاملتهم على هذا الأساس أنهم أصحابه وكل من عداهم أعداء يجب حراستهم منه. أما أرخص الأنواع فهو الذى لا ينقل الولاء وهذا النوع لا يوجد تفاهم معه. فيأتى مندوب الشركة ويطلقه فى الحديقة ومنذ تلك اللحظة لا يستطيع أحد الدخول أو الخروج من المنزل لحين حضور المندوب فى صباح اليوم التالى لاصطحابه. ضحكت زوجته وقالت إنها لن تعيد التجربة هذا العام حيث عانت كثيرا من هذا الكلب فى العام الماضى الذى حول بيتها إلى سجن.

•••

استطرد محدثى يقول أنت فى أمريكا تستطيع أن تؤجر (أو تشترى) أى شىء. أنت تستطيع أن تؤجر مظاهرة حاشدة تجوب الشوارع وتهتف بما تريده أنت. فهناك شركة مشهورة مثلا اسمها : «Dial A Demonstration» أطلب مظاهرة بالتليفون «تطلب منها ما تشاء» وتفصل لك مظاهرة حسب الطلب بما فى ذلك التشكيل «الإثنى» أو العرقى للمتظاهرين. بيض ــ سود ــ هنود ــ لاتين، قلت وقد يحدث أن نفس المتظاهرين من أجل هدف معين اليوم قد يتظاهرون غدا ضده. نعم. نعم طبعا بل إن الشركة نفسها يمكنها أن تشكل مظاهرتين معارضتين.. هذا ينادى بشىء وهذا ينادى بعكسه.

أضافت زوجته قائلة «ليس فقط المظاهرات. بل أنت تستطيع أن تؤجر ضيوفا على العشاء. فبعض الساسة المحليين الذين يريدون أن يظهروا بمظهر ليبرالى غير عنصرى يحرصون على أن تضم حفلاتهم بعض السود. ولكن المشكلة أنه ليس لديهم أصدقاء أو حتى معارف من السود وقد حلت لهم العقلية التجارية هذه المشكلة. «ضيوف للإيجار» فما عليك إلا أن تتصل برقم معين وتطلب ضيوفك بالمواصفات التى تريدها».

•••

لقد حلت العقلية التجارية الأمريكية جميع المشاكل. إذا وجد الطلب فلابد أن يوجد العرض. المشكلة الوحيدة هى الفلوس إن وجدت وجد كل شىء وإن فقدت فقد كل شىء. ولقد أتقن الإخوان المسلمون العمل فى هذا المضمار الذى أثار إعجاب الأمريكيين فقد قرأت مقالا فى صحيفة أمريكية يصف فيه الكاتب مبهورا تنظيم اعتصام رابعة من أول التجنيد والحوافز وتشكيل اللجان والإمدادات والتموين وإعداد الوجبات وبرامج التسلية والترويح. ولقد سمعت قصصا كثيرة فى مجال التجنيد بغرض المشاركة فى المظاهرات منها ما يمكن تسميته «خدمة ما بعد البيع» أو «مراقبة الجودة». وهناك الكاميرات التى تصور المتظاهرين خاصة الذين حصلوا على المال. حتى يمكن دراسة سلوكهم وأدائهم وهل هو أداء مقنع. وأيضا ترصد الهاربين. وقد قال أحد العاملين فى محل «أظافر» إنهم بعد أن عرضوا عليه المشاركة فى المظاهرة حذروه بأن الكاميرات ترصد كل شىء وأنه إذا حاول الهرب «فهنجيبك هنجيبك». إنه بيزنس متكامل الأركان ولولا التضييق الأمنى لشاهدنا إعلانات فى التليفزيون ولسجلت المكاتب فى دليل التليفون اليلوبادجز كما هو الحال فى أمريكا.

سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات