الاستعراب الإيطالى والفكر الإسلامى المعاصر - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاستعراب الإيطالى والفكر الإسلامى المعاصر

نشر فى : السبت 7 مايو 2022 - 8:30 م | آخر تحديث : السبت 7 مايو 2022 - 8:30 م
( 1 )
أستطيع القول، ودون أدنى مبالغة عن هذا الكتاب الصادر أخيرا عن دار مصر العربية للنشر والتوزيع، إننا بإزاء عمل فكرى وثقافى معتبر؛ نموذج دالٍ لمناهج التأليف الأوروبية المعاصرة فى موضوع صعب وشائك ومتشعب ومتداخل الجذور والروافد؛ مثل الفكر الإسلامى المعاصر الذى ينضوى تحته عشرات التيارات والرؤى والتناولات؛ منها ما هو ممتد الجذور متصل بنشأة علوم الكلام والفلسفة والفقه فى الحضارة الإسلامية، ومنها الحديث والمعاصر الذى انتهج سبل القطيعة المعرفية بالمعنى المنهجى والإجرائى (وليس «الانقطاع» كما يحلو للبعض أن يموه ويلبس الأمور غير ما يناسبها ويوائمها) بغرض الإصلاح والتجديد.
عبر رحلة زمنية مرهقة تمتد لما يزيد على عشرة قرون يراوح المؤلف (وهو المستشرق الإيطالى الشهير الراحل ماسيمو كامبانينى) جيئة وذهابا بينها، وبين نصوص أعلامها، وأشهر مفكريها وفلاسفتها؛ ويتوقف باستفاضة وتدقيق وتمعن أمام خريطة الفكر المعاصر من أقصى شرق العالم الإسلامى (غير الناطق بالعربية) إلى أقصى المغرب العربي؛ يجمع النصوص ويقرأها ويحلل ويقارن بينها ليستخلص منها فى النهاية صورة دقيقة واضحة الملامح محددة القسمات لأبرز محطات ومفاصل هذا الفكر الذى اعتورته مشكلتان رئيسيتيان هما محور كل الجدل والنقاش والاجتهاد فى المقاربة والتأليف والكتابة؛ وهما مشكلة فهم النص الدينى وتأويله، ونقد التراث الدينى فى مجالاته وعلومه المتنوعة والمتعددة.

( 2)
ومؤلف الكتاب هو المستعرب الإيطالى الراحل ماسيمو كامبانينى الذى رحل عن عالمنا فى أكتوبر من العام 2020؛ وقد لعب دورا شديد الأهمية فى حركة الاستشراق والاستعراب الإيطالى. تعددت إسهاماته العلمية والثقافية والفكرية بطرقٍ شتى ما بين الترجمة والتأليف، والتدريس، والكتابة، والمحاضرات.
وكان له دور أساسى وكبير وإسهام واضح فى إثراء التراث الفلسفى العربى الإسلامى. وقام بتعريف المجتمع والجمهور الإيطالى بذلك التراث عن طريق الترجمة، فقد نقل إلى الإيطالية العديد والعديد من نصوص الفلاسفة المسلمين والمؤلفين الكلاسيكيين المهمين للغاية فى الثقافة الإسلامية؛ مثل الغزالى وابن رشد والفارابى.
انصبت اهتماماته العلمية والبحثية فى أربعة حقول معرفية أساسية: هى الدراسات القرآنية، والفلسفة الإسلامية سواء القديمة أو المعاصرة، والفكر السياسى الإسلامى، وأخيرا التاريخ المعاصر للبلاد العربية باهتمام خاص تجاه الحركات الإسلامية الأصولية.
ورغم ثراء وقيمة إسهامات كامبانينى العلمية فى حقل الدراسات الإسلامية، فلم يُترجم له سوى كتاب واحد فقط صدر قبل سنوات طويلة عن المركز القومى للترجمة بعنوان: كتابه المرجع عن «تاريخ مصر فى العصر الحديث والمعاصر» الذى أرخ فيه لمصر سياسيا واجتماعيا وثقافيا خلال الفترة من بداية تأسيس مصر الحديثة على يد محمد على الكبير عام 1805 وحتى عصر الرئيس الراحل حسنى مبارك.
( 3 )
خصص ماسيمو كامبانينى الجزء الأول من الكتاب لما أطلق عليه «التراث» وقد ضم هذا الجزء ثلاثة فصول: الأول منها عنوانه «النهضة الإسلامية» ويتحدث فيه عن الحداثة والإصلاح بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وإعادة بناء الفكر الدينى عند محمد إقبال.
وجاء الفصل الثانى بعنوان «نقد الفكر العربى وتجديده» وتناول فيه نقاط مهمة عرض فيها ماسيمو كامبانينى أهم القضايا الفكرية لشخصيات مثل مالك بن نبى، ومحمد عزيز لحبابى، وزكى نجيب محمود، ومحمد عابد الجابرى، وحسن حنفى. أما الفصل الثالث والأخير فى هذا الجزء الأول من الكتاب فقد كان بعنوان «البعد التراثى» وفيه تحدث ماسيمو كامبانينى عن الغنوصية الإسلامية، وسيد حسين نصر، والتفسير العلمى للقرآن.
وجاء بعد ذلك الجزء الثانى بعنوان «التاريخانية والواقع الفعلى» وضم أربعة فصول أخرى، من الرابع إلى السابع. الفصل الرابع بعنوان «الإسلام والتاريخ» وفيه عرض ماسيمو كامبانينى بعض النقاط مثل الإسلام والحداثة، ونصر حامد أبو زيد ومشكلة النص، وعبدالكريم سروش، ومحمد أركون والمغْفَل فى الإسلام، و«الأيديولوجيا العربية المعاصرة» كما يراها عبدالله العروى.
أما الفصل الخامس فكان عنوانه «الإسلام والسياسة»، وفيه تحدث المؤلف عن قضايا السياسة المرتبطة بالفكر الإسلامى المعاصر وشخصيات عربية وإسلامية تطرقت لمثل هذه القضايا الفكرية، مثل محمود طه، وأحمد موصلى، وحسن حنفى، خالد أبو الفضل، فريد إسحاق.
وجاء الفصل السادس بعنوان «الإسلام الأصولى» وفيه تحدث كامبانينى عن شخصيتين، هما سيد قطب، وعلى شريعتى. أما الفصل السابع والأخير من الجزء الثانى والكتاب كله فقد خصصه الكاتب للسيدات، ولذلك كان عنوانه «الفكر النسائى» وتحدث فيه عن شخصيات إسلامية نسائية كانت لهن انشغالات بقضايا فكرية؛ مثل هدى شعراوى، ومريم جميلة، أمينة ودود، وفاطمة المرنيسى، وغيرهن.

( 4 )
وطوال عام كامل عقب انتهائه من الترجمة، حرص المترجم على وضع اللمسات الأخيرة لترجمته بإثرائها بالحواشى والتعليقات المهمة التى تكشف للقارئ العربى العديد من اصطلاحات كامبانينى وصياغاته الخاصة، وتساعده على قراءة الكتاب بفهم أعمق.
أظنها كانت رحلة مرهقة حقا (لكنها ممتعة وأفدت منها كثيرا)، مارست فيها ضغوطَ المحب وإلحاحه الشغوف بمثل هذه النوعية من الكتابات التى تنقصنا كثيرا فى عالمنا العربى، هذا من ناحية، ومن ناحية كنت أمعن فى الإلحاح والسؤال والمتابعة كى لا يفتر الحماس الصادق والعمل المخلص والجهد الدءوب الذى لمسته من مترجم الكتاب؛ هذا الشاب الواعد الذى أنتظر منه الكثير والكثير فيما هو قادم من أعمالٍ لا أشك لحظة أنها لا تقل قيمة ولا أهمية عن كتاب كامبانينى هذا. وأطمح إلى أن يكمل مشروع ترجمة أعماله ومنها كتاباه المهمان «مدخل إلى الفلسفة الإسلامية»، و«الإسلام والسياسة».
وأخيرا، فإننى سعيد بهذا الكتاب وسعيد بمترجمه وناشره أيضا، وفخور بإنجاز الترجمة وظهورها للنور أخيرا فى أبهى صورة وشكل فنى.. خالص التحية والتقدير للصديق العزيز مترجم الكتاب إسلام فوزى، ولصديقى الناشر وائل الملا.