كود أخلاقى للأمن - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 1:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كود أخلاقى للأمن

نشر فى : الأربعاء 7 يوليه 2010 - 9:31 ص | آخر تحديث : الأربعاء 7 يوليه 2010 - 9:31 ص

 هل يمكن أن تكون سياسة الاحتواء والتهدئة والانحناء مؤقتا للعاصفة بديلا عن سيادة القانون واحترام كرامة المواطن وحريته، ومعاقبة الذين يسيئون معاملته بحجة المحافظة على النظام، أو يلجأون للتعذيب لاستنطاق المتهم وحمله على الاعتراف، أو بحجة الحفاظ على الأمن القومى فى سيناء؟

منذ فترة ونحن نمر بمرحلة أطلقت فيها يد الأمن دون حساب، حيث تتم الاعتقالات والمداهمات والاحتجازات بعيدا عن القانون. ولا يكفى فيها الوجود الأمنى الكثيف فى ظروف المظاهرات والتجمعات، ولكن تستخدم فيها المدرعات والأسلحة الثقيلة، ولا تتورع عن استخدام العنف المفرط فى الضرب المبرح والقسوة فى المعاملة.

ولم يكن حادث موت الشاب السكندرى خالد سعيد غير نموذج صارخ. انكشفت تفاصيله أمام الرأى العام بمحض الصدفة، حين وجد فى مكان القبض عليه وتعذيبه شهود عديدون. وعندما وقع الحادث أنكرت السلطات انكارا تاما أن يكون الضحية قد تعرض للتعذيب أو سوء المعاملة. وأنه فى أثناء القبض عليه بسبب الاشتباه ابتلع أنبوبة محشوة بالبانجو أفضت إلى اختناقه وموته.

كان من الممكن أن تمر الواقعة دون تمحيص أو مراجعة. ولولا الضغط الشعبى وإصرار جهات دولية على إحالة الواقعة للتحقيق، لانتهت الأمور إلى ما تنتهى إليه عادة من حفظ الأوراق والتحقيق. ولكن ها هى النيابة العامة وبعد أيام من الحادث تقرر إحالة الجنديين المتهمين إلى المحاكمة. وهو ما يفضح كثيرا من التصرفات الأمنية ويزرع الشك وعدم الثقة فى علاقة الشعب بالشرطة. وفى هذه الواقعة بالذات سوف يقول القضاء كلمته ويقتص للشاب الذى قتل دون وجه حق.

ولكن المسألة تبدو أكثر تعقيدا فى مجالات أخرى أكثر حساسية تخضع لتصرفات الأمن، وتتعلق بنظام حياة ومعيشة قبائل البدو فى منطقة عزيزة غالية من أهم المناطق الاستراتيجية الحدودية فى مصر. والتى كانت دائما على مر التاريخ عرضة لمؤثرات وغزوات من الخارج وهى منطقة سيناء.

وقد يهون الأمر بالنسبة لحادث فردى مثل حادث مقتل سعيد من جانب أفراد الأمن هنا أو هناك. ولكنه يتخذ شكلا جماعيا حين ينال من استقرار وثقة جموع حاشدة من الرجال والنساء والأطفال فى منطقة بدوية لها تقاليدها وقوانينها القبلية. ومن هنا فإن ما تحمله الأنباء من مداهمات أمنية فى سيناء ومطاردة أفراد خارجين على القانون، يثير تساؤلات حول الأسباب التى أدت إلى تصاعد حدة التوتر بين الأمن وقبائل البدو. وأيا كانت الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التى تعزى لهذا التوتر فى منطقة لا ترفع إسرائيل عيونها وأطماعها عنها، فإن غياب البعد السياسى وتغليب البعد الأمنى الذى يعتمد على البطش والقوة.. لن يفضى إلى نتائج ايجابية.

لسنوات طويلة ظلت منطقة شمال سيناء هادئة تسعى الحكومة لإلحاقها ببرامج التنمية الزراعية والسياحية. وأذكر أول محافظ لها منذ انسحاب إسرائيل اللواء منير شاش الذى كان على دراية كاملة بقبائلها ودروبها.. فى فترة حساسة حرجة استهدفت اقتلاع جذور الاحتلال الإسرائيلى واستعادة الهوية الوطنية المصرية بين البدو. ولكنى أعتقد أن الأمور خرجت عن مسارها بعد ذلك لسببين: اهتمام الدولة الزائد بالتنمية السياحية على حساب تنمية البيئة البدوية الصحراوية. وانفجار مشكلة غزة بكل تداعياتها بين حماس ومصر.

هناك حاجة ماسة لمراجعة علاقة الأمن بالمجتمع وعموم الشعب فى الشارع وأقسام الشرطة والتجمعات السياسية والتجمعات القبلية.. ويحتاج الأمن إلى كود أخلاقى مهنى للارتفاع بمستوى أفراده من الرتب الصغيرة. لكى يكون جزءا لا يتجزأ من النظام القانونى العام الذى يحمى العدالة. والذى يجرى تدريسه فى كليات الشرطة على هذا الأساس.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات