البحث عن ثورة يناير - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 4:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البحث عن ثورة يناير

نشر فى : الخميس 7 يوليه 2011 - 9:03 ص | آخر تحديث : الخميس 7 يوليه 2011 - 9:03 ص

 أتلفّت حولى فى حسرة باحثا عن تلك الثورة العظيمة التى فجرها شباب مصر فى يناير الماضى، ومنحتها جماهير مصر الشعب المصرى تأييدها بلا حدود، وحمتها القوات المسلحة للشعب المصرى بعد أن حسمت الموقف بحسِّها الوطنى المرهف لصالح الثوار. أبحث عن الثورة حيث بدأت إرهاصات الميلاد المعجزة فى ميدان التحرير فلا أجد سوى مشهد بالغ الكآبة. وعلى من يعتبر هذا التصوير للأمور مبالغة محبطة أن يقرأ معى وقائع آخر اشتباكات شهدها الميدان يوم الأحد الماضى، وقد يشهد المزيد قبل نشر هذه المقالة. أحداث عنف بين الباعة الجائلين والمعتصمين أو وفق رواية أخرى بين أصحاب المصالح من سكان المنطقة وبين هؤلاء المعتصمين. ولو كانت الأمور قد وصلت حقا إلى أن بداية المشكلة وقعت عندما قال أحد الباعة للمعتصمين «المكان ده قهوة والقعدة بالمشاريب» (صحيفة التحرير، 4/7) فإن هذا يلخص ذروة المأساة.

بالتأكيد يوجد بين هؤلاء المعتصمين شرفاء لهم مطالب مشروعة، وإن باتوا يخطئون الوسيلة فى كثير من الأحيان، وبالتأكيد فإن احتمال أن يكون الباعة الجائلون هؤلاء قد دُفع لهم للقيام بدور البلطجية احتمال قوى. غير أن الأمور أخطر بكثير من هذا، فالباعة الجائلون باتوا يسيطرون على معظم الميادين فى القاهرة ومدن أخرى ــ فى غيبة الدولة ــ وسواء تحركوا بوحى من مصالحهم الأنانية الضيقة أو لقاء أموال دُفعت لهم فإن الأمر جد خطير، لأنه يشير إلى أن الوطن بعد الثورة يجلس على فوهة بركان غير خامد تدفع به عناصر كثيرة إلى أن يكون معول هدم للثورة، ولن ينزل الوطن من فوق فوهة البركان هذه إلا اهتمام الثورة بالفئات المهمشة والطبقات المطحونة فى المجتمع المصرى على الرغم من كل ما يتشدق به البعض من أن الأولوية المطلقة للسياسة على الاقتصاد.

على من يعتبر هذه الانطباعات منطوية على قدر هائل من المبالغة أن يراجع أيضا التفاصيل الأكثر دلالة للأحداث الدامية السابقة فى ميدان التحرير، فمنذ متى كانت أسر الشهداء التى قدمت للثورة أغلى فداء تتسلح بالسيوف والسنج وكسر الرخام، وتحطم منشأة تابعة للدولة لأنها ــ أى أسر الشهداء ــ ترغب فى أن يشملها التكريم الذى جرى فى هذه المنشأة لعشرة منهم؟ بل منذ متى كانت هذه الأسر تبحث عن هذا النوع من التكريم أصلا؟ إنما هى تريد أساسا أن تنال يد العدالة من كل المتسببين فى استشهاد أبنائهم وبناتهم.

ما الذى دفع تلك الأسر إلى الهرولة لاحقا إلى ميدان التحرير ومهاجمة مبنى وزارة الداخلية؟ والسر فى هذا المهرجان الكئيب من قبل قوات الأمن فى مواجهة الموجودين فى الميدان ــ أيا كانت صفتهم ــ والذى أدى إلى إصابة أكثر من ألف جريح فى ساعات قليلة، وإلى نكسة محققة فى جهود إعادة دمج المنظومة الأمنية فى المجتمع المصرى؟ لا شك أن التواطؤ ضد الثورة فى هذه الحالة كان أوضح من أن نحاول إثباته. عليهم كذلك ــ أى من يعتبرون أن ثمة مبالغة فى القول بأن تطور الأوضاع فى مصر يشير إلى تراجع الثورة إن لم يكن اختفاؤها ــ أن يتذكروا عمليات قطع الطرق التى تم معظمها فى سياق لا يبرر كل هذا الإضرار بمصالح المواطنين وباقتصاد الدولة ككل، وإن بعض هذه العمليات وقع لأسباب بالغة السخف، ولم يحدث أن عوقب أحد على فعلته التى تقترب من الخيانة العظمى لأهداف الثورة. عليهم كذلك أن يتذكروا مئات الوقفات الاحتجاجية والتظاهرات الفئوية التى تهدف إلى مكاسب شديدة الخصوصية فى غيبة الإدراك بأن خلاص الجزء مستحيل دون خلاص الوطن ككل، ناهيك عن أن بعض تلك الوقفات والتظاهرات تبنى مطالب بالغة السخف.

عليهم أخيرا وليس آخرا أن يتذكروا أن الثورة غير قادرة حتى الآن على بناء مؤسسات دولتها. عاجزة عن اتخاذ أى قرار يكون فاتحة لتغيير اجتماعى إلى الأفضل، أو بلورة رؤية اقتصادية تعكس روح الثورة، ولا تعتبر ــ كما هو حادث الآن ــ أن منتهى المراد هو إعادة عجلة الاقتصاد فى ظل النظام السابق إلى الدوران.

وليس بمقدورها حتى الآن فرض الأمن فى مجتمع عرف دوما بتوفير الأمان لكل مصرى أو أجنبى يعيش فيه. يحدث هذا فيما يتقدم آخرون بمشروع دولة «بديلة» أو موازية لها ذراعها الأمنى المتمثل فى اللجان الشعبية ودورها الاقتصادى والاجتماعى الفاعل من خلال دعم الفقراء وتوفير خدمات التعليم والصحة بالمجان أو بأسعار شديدة الرمزية لكل من يحتاجها، وأداتها الإعلامية المتمثلة أساسا فى فضائية من المؤكد أنها ستعمل وفق سياسة أكثر تماسكا من تلك التى تحكم الإعلام الرسمى. وأخيرا وليس آخرا لها «سلطتها القضائية» المنبثقة من تدريب «قضاة عرفيين» فى معاهد متخصصة!.

ولا شك أن أصحاب مشروع الدولة «البديلة» أو «الموازية» لديهم الحق سياسيا فى العمل على وضعه موضع التطبيق، لكن من حق المرء أن يتساءل: هل يتطابق المشروعان فى النهاية أم يقع الصدام بينهما؟

<<<
أين تقع المسئولية عما آلت إليه ثورة يناير العظيمة؟ هناك أطراف عديدة تتحمل دون شك وزر هذه المسئولية يحتاج الحديث عن كل منها إلى مقالة وحده.

هناك أولا الطليعة الثورية من الشباب الذين فجروا الثورة ثم انقسموا على أنفسهم، وخرج عديد منهم من دائرة الفعل والتأثير بحيث إن الشارع المصرى الذى شهد أمجد أيامه فى المدة بين 25 يناير و11 فبراير يبدو على هذه الصورة الكئيبة الآن. وهناك ثانيا مسئولية المؤسسات التى تتولى سلطة الحكم فى مصر الثورة ولو لمرحلة انتقالية، فهذه المؤسسات غير قادرة حتى الآن على إبراز قيادة تخاطب الشعب مباشرة، وتوجهه فى المسار الصحيح بتوضيح الحقائق فى شفافية كاملة، وتحشد جهوده من أجل الثورة وأهدافها، ولن تكون هذه بداية لفراعين جدد كما يتصور البعض، فقد بلغ الشعب المصرى بالتأكيد سن الرشد السياسى، وإنما هى ضرورة للتواصل بين المواطن العادى وبين من يحملون فى واقع الحياة اليومية رايات الثورة. إذ يبدو أحيانا أن ثمة تصورا أن كل مواطن مصرى يجلس أمام جهاز الكمبيوتر الخاص به ينتظر من خلاله تعليمات المجلس العسكرى ومجلس الوزراء.

وهناك ثالثا العلاقة التى تبدو للمواطن العادى مرتبكة بين مجلس الوزراء والمجلس العسكرى، فالأول يقبل استقالة أحد أعضائه والثانى يرفضها، والأول يضع ميزانية والثانى يتحفظ عليها. وليس فى الأمر هنا خطأ وصواب، وإنما الواجب أن تكون هذه كلها أمور تُحسم داخل «المطبخ السياسى» ولا تخرج إلى العلن دون جدوى، فنحن لا نعرف لماذا استقال المسئول وقبلت استقالته هنا ورفضت هناك، كما أن ملاحظات المجلس العسكرى على الميزانية كان من الواجب أن تأخذ شكل التوجيهات المسبقة، على الأقل من باب إظهار وحدة مؤسسات الحكم.

هناك أخيرا مسئولية «النخبة» المنقسمة على نفسها فى هذا الظرف التاريخى، والمنشغلة بعظائم الأمور، وهو انشغال حميد ومطلوب، لكنه من المطلوب بالدرجة نفسها أن تبلور رؤية أو رؤى لحل المشكلات التى تبدو «صغرى» لكنها حاسمة.

ناهيك عن أن بعض أعضاء النخبة قد بدأ بالفعل عملية التكيف مع واقع يراه قادما لا محالة. أما أمور الأمن والاقتصاد فهى تحتاج نقاشا عميقا ومحاسبة أمينة للمسئولين عنها، فحيث يغيب الأمن تضيع السياسة والاقتصاد معا، وحيث تبدو الرؤى الاقتصادية أسيرة للماضى يضيع معنى الثورة وجدواها.

<<<
تنسحب الثورة بالتدريج إذن من الواقع السياسى المصرى فيما تتقدم رؤى ومشروعات بديلة. أترانا قادرين على إدراك ما يجرى حولنا وتفسيره وإعادة إطلاق الثورة من ثم إلى حيث تسير المصالح العليا للوطن وأبنائه؟

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية