فى ٢٨ يونيو الماضى نشرت مجلة «فورين بوليسى» موضوعا مطولا عنوانه «الأردوغانية.. قاموس موجز للجمهورية التركية ما بعد العلمانية» بالمشاركة مع موقع «ساسة بوست».
ما جاء فى التحقيق على لسان الكاتب مصطفى اكيول لم يعد مجرد رأى لشخص أو مفكر أو حتى معارض قومى تركى، بل اصبح رأى كثيرين داخل وخارج تركيا خصوصا فى غالبية البلدان الأوروبية التى تقول إن صورة تركيا الحديثة حتى ٥ سنوات كانت نموذجا براقا للديمقراطية الإسلامية او فى الشرق، الآن تبدو قاحلة ومقفرة، وصارت تتصدر واجهة الأحداث ليس لإصلاحاتها الداخلية وقوتها الإقليمية الناعمة بل بسبب نظامها الاستبدادى وتورطها فى صراعات إقليمية متعددة، واستهدافها أخيرا بالإرهاب.
يسأل الكاتب: لماذا فشلت تركيا الحديثة؟ الإجابة من وجهة نظره بسيطة وهى حب السلطة ليس إلا. العدالة والتنمية صدر صورة للغرب باعتباره ديمقراطيا وواجهوا الدولة العميقة والكمالية، أو المؤسسة العسكرية متخفين وراء إصلاحات طلبها الاتحاد الأوروبى. بدا الأمر كأنه عملية انتقال ديمقراطى ولكنه انتهى إلى أن فلسفة أردوغان فى الحكم فى طريقها لتصبح الأيديولوجية الرسمية. مثلما كانت الكمالية لقرابة قرن من الزمان. ويطلق البعض على الأردوغانية «الأسلمة»، هى ليست كذلك، هى اقرب إلى نسخة من الكمالية لتأليه أردوغان.
قاموس الأردوغانية الجديد حسب التقرير يئوله صندوق الانتخابات فقط، وكل من يعارض الحكومة والحزب والرئيس فهو ضد الإرادة الوطنية وفاقد للشرعية ومنحل أخلاقيا وعديم الإنسانية وطابور خامس.
كما حدث بالضبط مع المعارضين لتطوير حديقة جيزى فى ميدان تقسيم. غالبية أنصار حزب العدالة والتنمية ينظرون لأردوغان باعتباره رجل الأمة وهو وحده المخول بتمثيل الإرادة الوطنية، وبالتالى فإن إهانته هى جريمة خطيرة، ونتيجة لذلك تمت محاكمة أكثر من ألفى شخص بتهمة إهانة الرئيس، وتغريم بعضهم ماليا، وتم طرد أستاذة جامعية لأنها وصفت الرئيس بأنه «وقح وفظ».
بعد أن تخلص أردوغان وحزبه مما أسموه بوصاية المؤسسة العسكرية، فإنهم أدانوا ما أسموه بوصاية العدالة والإعلام والليبرالية.
أردوغان أغلق تويتر وعندما تصدت له المحكمة الدستورية شكك الرئيس وأنصاره فى شرعية المحكمة.
أردوغان طبقا لهذا التقرير هو أحد المؤسسين الأصليين لفكرة المؤامرة فى كل شىء التى تستهدف المنطقة وشعوبها والأهم تستهدف «المخلص المنتظر أى تركيا الجديدة وزعيمها».
حسب هذا التفكير هناك نوعان من المتآمرين ضد تركيا، الأول هم من داخل الحزب مثل أصدقاء أردوغان التاريخيين عبدالله جول وبولينت ارنج بل وأحمد داود أوغلو، أما النوع الثانى فهم الليبراليون واليساريون والأكراد وأمريكا وبريطانيا والصهيونية. ويعتقدون أن داعش ليس نتاج تخلف العرب بقدر ما هو صنيعة المخططات السرية لهذا العقل المدبر.
جماعة غولن التى ساعدت أردوغان وحزبه على الصعود والبقاء والتمدد صارت خائنة وإرهابية وتم الفتك بمعظم كوادرها خصوصا الضباط ووكلاء النيابة والقضاة طوال العامين ونصف الماضيين.
الأسلمة إحدى مكونات الأردوغانية حسب التقرير، لكنها لا تعنى بالضرورة الدين، بل مرتبطة بعاطفة جياشة فى أوساط المحافظين وهى إحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية، وبالتالى فإن الأردوغانية أقرب إلى الأنظمة الاستبدادية الشعبية مثل البيرونية والتشافيزية والبوتينية.
فى تقدير التقرير فإن أردوغان لن ينكفى قريبا، بل التوقعات هى مزيد من قمع المعارضة ومصادرة الصحف وقمع القضاء واستمرار الصراع مع الأكراد. كل ذلك سيساعد أردوغان فى تبرير فرض حالة مستمرة من الطوارئ، وهكذا سيتم إيجاد تركيا جديدة خلافا للصورة التى وعد بها حزب العدالة والتنمية الشعب قبل عشر سنوات.
ما سبق ليس كلامى بل هو مضمون مختصر جدا للتقرير. وختاما فإن العيب ليس فى الإسلام بل فى بعض المسلمين، أولئك الذين يتمسحون فى هذا الدين ويسيئون إليه.
مرة أخرى ويبدو أنها ليست أخيرة: لماذا لا نسمع بوضوح وبصراحة رأى قادة جماعة الإخوان والمتعاطفين معها فيما يفعله أردوغان.. خصوصا ضد القضاة والمعارضين والصحافة والإعلام، وهل يصمد هذا النظام الذى يقيم مشروعات ويحقق نسبة نمو مرتفعة رغم انه ينتهك الحريات ويقمع المعارضين؟!.