الحكم والدستور فى عام 2012 - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 4:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحكم والدستور فى عام 2012

نشر فى : الثلاثاء 8 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 8 يناير 2013 - 8:00 ص

قبل عام 2011، كانت الأعوام تمرُ على مصر مملة؛ التسلط مستمر، والغيُ فيه يبدو بلا حدود. منذ يناير 2011 استفاق المصريون، ثم عاشوا سنة انقسمت خلالها نخبتهم وواجهتهم أحداث وتقلبات لم يعهدوها. حل عام 2012 والانقسام مستمر، ومع ذلك كان على المصريين أن يمارسوا حكم بلادهم، وأن يخوضوا عملية كتابة دستور نظامهم السياسى الجديد كما أرادها فريق منهم، فماذا حدث فى هاتين المهمتين خلال السنة التى انقضت منذ بضعة أيام؟

 

•••

 

المقصود بالحكم هنا هو تسيير مصالح الناس وتلبية احتياجاتهم المعيشية. بدأت السنة والقوى السياسية منقسمة حول جدارة الدكتور كمال الجنزورى بتولى رئاسة الحكومة، قوى الإسلام السياسى تؤيده بينما تعارضه القوى المسماة بالمدنية، من ليبراليين، وقوميين، ويسار. فى الأشهر التالية تغيَرت المواقف من الحكومة ورئيسها، فسحب حزب الأغلبية تأييده لهما، ولكنهما استمرا فى عملهما إلى ما بعد تولى الرئيس محمد مرسى، المنتخب ديمقراطيا، منصبه، بل إن الرئيس مرسى كرَم الدكتور الجنزورى على ما بذله من جهود. خلال فترة حكومة الجنزورى، تضاعفت مظاهر التمرد على الدولة والخروج على النظام العام، ولم تستطع هذه الحكومة العودة بالنشاط الاقتصادى إلى سابق عهده قبل 2011، ناهيك عن إعادة صياغة السياسات الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، نجح الجنزورى فى تسيير مصالح الناس، وعلى أقل تقدير، فى الحيلولة دون تدهور ظروف معيشتهم بشكل ملموس. لم تتغير ظروف عرض السلع الأساسية، بل وحتى الكمالية منها، ولم ترتفع الأسعار بشكل يؤثر على تلبية احتياجات المواطنين. معضلة مهمة لم يتطرق إليها الدكتور الجنزورى هى مواجهة العجز الخارجى، وهو بعدم تطرقه لصياغة السياسات الاقتصادية والاجتماعية، لم يكن متبقيا أمامه إلا الاقتراض من صندوق النقد الدولى ومن السوق المالية الدولية الخاصة. امتنع الدكتور الجنزورى عن البحث فى ذلك الحل، مستخلصا درس حكومة عصام شرف فى يونيو 2011، وربما مدركا لأن المجلس العسكرى الحاكم حتى منتصف 2012 لم يكن راغبا فى تحمل مسئولية الاقتراض من الصندوق والاتفاق معه على شروط القرض، وأراد أن يترك هذه المسئولية لمن يخلفه فى حكم البلاد.

 

 فى النصف الثانى من السنة، تولَت الحكم بالمعنى المشار إليه أعلاه الحكومة الحالية التى يرأسها الدكتور هشام قنديل. تفاقم الخروج على النظام العام، وتواترت الأنباء عن تزايد إيقاع تهريب السلاح إلى مصر. أما النشاط الاقتصادى، فلقد ظل على بطئه، واستمر العجز الخارجى، ولكن بدا ان البنك المركزى، منزعجا من إيقاع تناقص احتياطى النقد الأجنبى، قد كف عن، أو قلل من، معدل تغطية هذا العجز. النتيجة كانت ارتفاعا محسوسا ومطردا فى الأسعار، أضاف إلى أثر ارتفاع معدل البطالة إلى 12.5 فى المائة، فوصل معدل الفقر المعلن إلى 25 فى المائة من السكان، يرتفع ولا شك إلى ما يناهز الخمسين فى المائة إذا ما أضيف إلى الاحتياجات الأساسية تماما للمواطنين، فى حساب معدل الفقر، بعض احتياجات أخرى لاتقل عنها أساسية. النتيجة الثانية هى أنه خلافا لحكومة الجنزورى، فإن حكومة قنديل، وهى بدورها لم تعد صياغة السياسات الاقتصادية، قد خاضت مفاوضات مع صندوق النقد الدولى، وتوصلت لاتفاق معه، وأصدرت قرارات واستصدرت قوانين ليمكن تطبيق الاتفاق، ثم تراجعت عنها، فتجمد الاتفاق! لم تكن الحكومة، ولم يكن الرئيس الذى وقع على القوانين، قد قاسا قدرتيهما على تحمل آثار تطبيق السياسات الجديدة. والحكم هو أيضا قياس لحدود قدرتك السياسية! وهو قياس كان يمكن أن يغنى عنه فى هذه الحالة مجرد استخلاص درس العجز عن تطبيق قرار إغلاق المحال التجارية فى العاشرة مساء قبل شهرين من الزمن. هذان الدرسان يكشفان عن أن الحكومة الحالية لم تدرك بعد صعوبات وضع السياسات العامة وضروراتها فى نظام سياسى تعددى كذلك الذى فرضه المصريون بنضالهم فرضا، وأمرا واقع لا فكاك منه، وإن كره الكارهون. الحكم فى نهاية عام 2012 لم يكن يسر عدو ولا حبيب.

 

•••

 

أما الدستور وممارسة أساسيات سلطة الحكم، فلقد كانت تقلباتها ومفاجآتها جديرة بسينما المغامرات! اختلافات على تشكيل الجمعية التأسيسية الأولى وعلى قواعد عملها، ثم انسحابات منها، وأخيرا حلها، وتشكيل تأسيسية ثانية، لا تختلف كثيرا عن الأولى، وامتناعات عن المشاركة فيها، واصرار الأغلبية فيها على مواصلة عملها. وابطال انتخابات مجلس الشعب، وفضه باعتبار أنه لم يتشكل أصلا لبطلان القانون الذى انتخب على أساسه. وإعلان دستورى مكمل عجيب فى يونيو يفرض وصاية واسعة النطاق على عمل الجمعية التأسيسية، ويمنح العسكريين السلطة التشريعية، بل ويجعلهم يشاركون رئيس الجمهورية فى السلطة التنفيذية. ثم ينتخب رئيس الجمهورية، بأغلبية ضعيفة يقبلها الجميع، فيلغى الإعلان العجيب، ويستعيد سلطاته بإعلان مكمِل آخر يصدره هو، ويضيف إليها السلطة التشريعية! الجمعية الثانية، وقد تحررت من الوصاية عليها، تزيد الأغلبية فيها إصرارا على مواصلة عملها التأسيسى وتحتدم الخلافات بين الأغلبية والأقلية المدنية داخلها، حتى ينتهى الأمر بانسحاب أعضائها من الجمعية تباعا. فى هذه الأثناء كان رئيس الجمهورية المنتخب ديمقراطيا قد تدخل فى عمل السلطة القضائية فعزل النائب العام. ثم عاد عن عزله! ولكن لم يمض شهران حتى أعاد الرئيس الكرَة فعزل النائب العام من جديد، ولكن فى إطار أريد إعطاؤه شكلا قانونيا. أصدر الرئيس إعلانا دستوريا مكملا جديدا، أكثر عجبا من إعلان يونيو، حدد به الرئيس فترة ولاية النائب العام وعدد فترات ولايته، فعزل النائب العام تلقائيا وأسرع بتعيين بديل له. إلا أن أهم ما كان فى هذا الإعلان هو تحصين القوانين والإجراءات التى يصدرها الرئيس من أى طعن عليها، فانتزع الرئيس بذلك جوانب من صلاحيات السلطة القضائية وأضافها إلى سلطتيه التنفيذية والتشريعية، فأى معنى للتحصين غير أن الرئيس هو الذى يحكم بسلامة ما يصدره من قوانين وإجراءات. قامت الدنيا ولم تقعد، وتوسط من توسط، فألغى الإعلان الأعجب بإعلان دستورى جديد حافظ على كل ما ترتب على الإعلان الملغى وما صدر من قرارات وقوانين فى فترة سريانه! صار صعبا على الناس إحصاء عدد الإعلانات الدستورية! وتعدد هذه الإعلانات أفقد الأحكام الدستورية وقارها، فضلا على تعدى كثير من هذه الأحكام على كل مبادئ القانون الدستورى.

 

وانتهى العام بسباق بين الأغلبية الباقية وحدها فى الجمعية التأسيسية والزمن حتى اعتمدت مشروع الدستور الذى يروقها، ورغم أنف المعارضة، وسلمته لرئيس الجمهورية، فعرضه على الشعب فورا واستفتاه عليه، فقبله. إذا صرفنا النظر عن المخالفات التى تندد المعارضة بارتكابها فى عملية التصويت، أفهل ينتبه الفرحون بقبول الشعب للدستور للانخفاض فى نسبة مؤيديهم بين استفتائى 2011 و2012. الاستفتاءات هى أقل عمليات التصويت التى يشارك فيها المصريون، وهى التى يحقق فيها النظام، أى نظام، فى مصر وفى البلدان التى طال عمر التسلط فيها، أعلى النسب التى تلائمه. ولكن الأمر يختلف فى الانتخابات التشريعية، ويزيد اختلافا فى الرئاسية، كما تشهد على ذلك التجربة المصرية فى نفس العام المنصرم. معدل المشاركة فى التصويت يرتفع، وحظوظ الحكام من التأييد تنخفض. ينبىء هذا بقرب تعادل الكفات بين القوى السياسية فى عمليات التصويت القريبة القادمة.

 

•••

 

تعادل الكفَات بين القوى السياسية، بينما مجموعة منها ترفض قواعد اللعبة أصلا، لا يعد بالاستقرار فى النظام السياسى وهو يقوض من فرص استدامته. الرجاء هو أن يكون التوفيق حليف مصر والمصريين، فى عام 2013، بعد أن عاندهم فى 2012.

 

 

أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة       

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات