بين الكريسماس وعيد الميلاد المجيد والإمبريالية الثقافية - نادين السيد - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين الكريسماس وعيد الميلاد المجيد والإمبريالية الثقافية

نشر فى : السبت 8 يناير 2022 - 10:00 م | آخر تحديث : السبت 8 يناير 2022 - 10:00 م

أقطن بجانب قصر البارون بمصر الجديدة، وطوال الشهر الماضى، امتلأت المنطقة بالزوار كل يوم جمعة؛ حيث يقام بازار للكريسماس بالقصر وسط أجواء احتفالية وصوت فرانك سيناترا يغنى «Let it Snow» (فلتثلج) و«White Christmas» (عيد ميلاد أبيض) فى عاصمة الشمس ووسط حرارة تصل إلى ٢١ درجة. بالقرب من القصر، تزينت منطقه الكوربة بالأنوار، ووقف المغنون يوم ٢٥ ديسمبر ينشدون أغانى الكريسماس وسط فتارين المحلات العديدة التى تحمل تخفيضات الموسم أو إعلانات عن حفلات الكريسماس. ثم حلت رأس السنة وانفضت معها أجواء الكريسماس، وسكت سيناترا عن الغناء وانطفأت أنوار الحفلات ولم تعد تعج المولات بدعايات الموسم.
ولكن الكريسماس لم يأتِ بعد بالنسبة لـ٩٥ بالمائة من مسيحيى مصر، حتى وإن قررت الثقافة العامة الانتهاء من الاحتفاليات بتوقيت هوليوود.
فبالنسبة لكثير من أطفال وشباب هذا الجيل، وخاصة طلاب المدارس الدولية، يقترن الكريسماس بأجواء الموسم كما رسمته لهم أفلام هوليوود، والذى يأتى فى شهر ديسمبر من كل عام، بغض النظر عن احتفال مصر بعيد الميلاد فى السابع من يناير. فقد قالت هوليوود إن سحر الكريسماس يأتى فى ديسمبر، فليكن الكريسماس إذن قبل رأس السنة للجميع، فهو هنا غير مرتبط بمناسبة دينية، ولكنه مرتبط بشكل وطيد بسحر هوليوود، وتأثرنا الشديد بكل ما تنتجه.
صدّرت لنا هوليوود عدة مناسبات وعادات، منها على سبيل المثال الهالوين، حيث أصبح مناسبة يحتفل بها الأطفال بالمدارس الخاصة وتكتظ المحلات بأزياء الهالوين التنكرية. ومن الطريف أن صدّرت هوليوود لفئة محدودة من المجتمع احتفالات عيد الشكر «Thanksgiving»، وهى مناسبة تاريخية يحتفل بها الأمريكان بمعاهدة السلام مع السكان الأصليين للقارة. فإن كان الكريسماس مناسبة دينية ويحتفل بها الشعب المصرى، مسلمون ومسيحيون، فالـ«Thanksgiving» مناسبة سياسية أمريكية بحتة، فمن الغريب أن أسمع عن حفلات عشاء تقام احتفالا بها. فهل يعقل لأمريكى إعداد عشاء احتفالا بـ٦ أكتوبر مثلا؟ وإن كان الاحتفال بتلك المناسبة منحصرا فى فئة محدودة الأكثر تأثرا بالثقافة الغربية، فمما لا شك فيه أن اجتياح تلك الثقافات سيصل بسرعة غير مسبوقة لباقى فئات المجتمع، حيث أصبح المحتوى العالمى متاحا للجميع بنقرة إصبع.
منذ حوالى ٥٠ عاما، ظهرت نظرية اجتماعية تسمى بالإمبريالية الثقافية، والنظرية بدأت بالفيلسوف الفرنسى مايكل فوكلت، ثم تطرق لها عدة علماء اجتماع آخرين، منهم المؤيد ومنهم المنتقد. تتمحور النظرية فى أن الاحتلال فى الزمن الماضى كان احتلالا عسكريا يجلب معه احتلالا ثقافيا حيث تتأثر عادات وطباع وثقافة البلد بالمحتل. ولكن فى عصر ما بعد الثورة الصناعية، وبتطور صناعة السينما، سيصبح الاحتلال احتلالا ثقافيا بحتا، يصدر فيه المحتل ثقافته ومعتقداته من خلال محتوى مغرٍ بأحدث وسائل الإنتاج التى يصعب على معظم الدول مضاهاته فى الجودة والقدرة على جذب المشاهد. فهوليوود مثلا تمتلك من أدوات الصناعة ما يمكنها من غزو العالم فكريا بدون أدنى تدخل عسكرى، ومع هذا الغزو الثقافى تتلاشى أجزاء من الثقافة والهوية الأصلية لدى المجتمعات المستهلكة لذلك المحتوى، وغير القادرة على إنتاج محتوى منافس يعكس ثقافتهم وهويتهم.
وكنت أناقش النظرية مع الطلبة بينما يحتسون القهوة الأمريكية، وسألتهم عما إذا كان يحتسى أحدهم القهوة التركي؛ وكانت الإجابة متوقعة؛ فجيل النتفليكس لا يحتسى بقايا الاحتلال التركى، وإن كان البعض القليل منهم مازال متأثرا بجيل أجدادهم المتأثر ببقايا عادات الاحتلال الإنجليزى.
والمشكلة لا تكمن فى الاحتفال فى ديسمبر أو يناير، أو تأثير الغرب على مشروبهم الصباحى، فلنحتفل بالكريسماس الكاثوليكى وبعيد الميلاد القبطى وبالمولد النبوى الشريف، فالاحتفال بهجة ولنفتح آفاقنا وآفاقهم على تاريخ بلدان أخرى. ولكن يجب علينا أن ندرك أيضا أهمية تلقين أولادنا أصلهم وتاريخهم وهويتهم الثقافية فى نفس الوقت الذى نلقنهم الانفتاح على العالم والثقافات الأخرى. فلنشرح لهم أن أقباط مصر يحتفلون فى يناير، ولنلقنهم تقاليد المولد النبوى الشريف من شراء الحلوى إلى الموالد. ولنشرح لهم أهمية يوم السادس من أكتوبر قبل معرفة أهمية الـ«Thanksgiving». وفى خضم مجهوداتنا بتثقيفهم بالحضارات المختلفة واللغات الأجنبية لمستقبل أفضل لهم، لنحكى لهم أيضا أساطير الفولكلور المصرى الحامل لتاريخهم قبل أن يصبحوا بلا جذور ولا هوية ثقافية.

أستاذ مساعد بقسم الإعلام فى الجامعة الأمريكية

نادين السيد أستاذ مساعد بقسم الإعلام في الجامعة الأمريكية
التعليقات