مسلسل الملط ورقصة الكتكوت - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 10:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مسلسل الملط ورقصة الكتكوت

نشر فى : الأحد 8 مارس 2009 - 6:59 م | آخر تحديث : الأحد 8 مارس 2009 - 6:59 م
ولأننا منذ سنوات، نشارك جميعا، فى صياغة واقع سياسى جديد لبلادنا، ولأننا جميعا يجب أن نتحمل مسئولية ما يحدث، وما سوف يحدث، فعلينا جميعا (أيضا) أن نقف فى نفس المكان الذى تقف فيه جبهات الحكم وجبهات المعارضة، ويبقى الشعب وحيدا، مسكينا فى جانب آخر، بعيدا كل البعد عما يحدث على مسرح الاشتباك السياسى الذى تصل حدته أحيانا إلى التشابك بالأيدى، ولا مانع من رفع الأحذية (استكمالا لمنهاج الزيدى العراقى) بينما لا تصل إلى هذا الشعب المسكين أى نتائج إيجابية من جراء هذه الاشتباكات السياسية.

الأزمة أن الجميع يعتقد أنه يفعل ذلك من أجل صالح هذه البلاد، ومن أجل شعبها المسكين، فالحكومة ومن معها تعلن ليل نهار أنها فعلت وفعلت وفعلت، وأنها سوف تفعل وتفعل وتفعل.. حتى وصلنا إلى العام 2050 (القاهرة 2050 نموذجا)، ومن يعارض الحكومة يصرخ جهارا نهارا أنه عارض وعارض وعارض، وأنه سوف يعارض ويعارض ويعارض، كل ما تفعله هذه الحكومة ورجالها الأشرار!

الحكومة غاضبة طوال الوقت من الشعب المسكين الكسلان الذى لا يعرف فعل أى شىء سوى الإنجاب، وبالتالى تتزايد ملايين أعداده، ويعتمد على الدولة فى كل شىء.. المأكل والملبس والمشرب والتعليم والعلاج.. وكأن الحكومة (خلفته ونسيته).. بينما تلعن المعارضة هذه الجماهير السلبية الجبانة التى لا تثور ولا تفور على هذا الحكم الفاسد المرتشى.. ولذلك فهى تستحق الحالة التى آلت إليها.. باعتبار أن كل شعب يستحق نظام حكمه.

وما بين الحكومة والمعارضة تقف وسائل الإعلام (بعضها يعمل بشرف حقيقى باجتهاد يثاب عليه)، فريق يصفق للحكومة ويدللها ويدافع عنها ويحميها بكل ما أوتى من قوة، ويستشهد فى سبيلها لو استلزم الأمر، وفى المقابل مناضلون على منابر الإعلام يلعنون الحكومة وفريقها الإعلامى صباح مساء، ولا يطلب سوى النعيم النضالى.. وبعض المكاسب (صغيرة فى رأى البعض وكبيرة فى رأى البعض الآخر)..

والخطير هنا أن المواقف الإعلامية النضالية تتحدد وفقا لرقعة الأرض التى يقف عليها الإعلامى المناضل.. فكم من هؤلاء كانوا فى فريق الحكومة، وحينما لم يحصلوا على مبتغاهم (الصغير أو الكبير) يهرول فى الناحية الأخرى مناضلا معاكسا ذاما لما كان يدافع عنه طيلة حياته.. والأخطر أن العكس صحيح، فكم من رجال ناضلوا طويلا ضد هذا النظام.. وحينما أتيح لهم شبر واحد من أرض الحكومة هتفوا باسمها ورفعوا راياتها وهاجموا من يهاجمها وعادوا من يعاديها.. والجميع يتحدث عن الحرية والنضال والشرف والسهر من أجل راحة الجماهير التى هى الشعب المسكين الجبان الذى لا يثور ولا يفور.

أما الطريف فى هذه الدراما البديعة (المسلية للبعض والقاتلة للبعض الآخر)، حينما تتصاعد الأحداث وتنقلب الحكومة على أحد رجالها، أو هكذا يبدو الأمر على الأقل، فما يكون من رجال المعارضة ومن مناضلى الإعلام، إلا حماية هذا الجزء المسكين الشريف المناضل من النظام الفاسد وترفعه على الأعناق وتمنحه كل أوسمة الشرف والشجاعة والشهامة، ولو كان بيدها الأمر لولته أمور البلاد.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، هذه الدراما الرائعة التى يصنعها لنا كل عام المستشار جودت الملط، رئىس الجهاز المركزى للمحاسبات، وهى دراما للفرجة فقط وليست لتحقيق أى نتائج أو مكاسب لهذا الشعب، بدليل أن هذه الدراما متكررة وكأنها حلقات معادة يفضل الجميع مشاهدتها دون أن يسأل أحد عما فعلت لصالح البلاد أو لمصلحة الشعب الخانع الجبان!

وفى حلقة هذا العام، كانت الأحداث ساخنة وجذابة وجيدة وفيها من اسم صاحبها الكثير.. (جودت) والجودة كانت لأن حزب الحكومة أعلن الحرب مبكرا عن طريق وزيره عثمان (وزيرة التنمية الاقتصادية تقريبا) وما كان من الملط، إلا ورد الصاع صاعين ودافع بهجوم معرفى ضد جهل حكومى، وهنا تدخل حزب الحكومة ليستدعى الملط إلى مقر الرجال الذين يحكمون (حتى الآن لم يرد سيادة المستشار لماذا ذهب إليهم هو وخمسة من رجاله)؟.. وطالبوه بالتركيز فى المحاسبة، فهى أنفع له وعليه فى التو والحال التوقف عن التفوه عن مخالفات الأداء الحكومى.

وهاجت المعارضة، وقاد النائب جمال زهران الدفاع عما سماه كرامة الملط فى استجواب لا أعلم ماذا حدث له، ولأن الدراما تحب التوابل وأحيانا السكريات والمكسرات، فأصبح جهاز المحاسبات (جهاز أم على) وفقا لرؤية الوزير المثير للجدل يوسف بطرس غالى.. وعند نهاية هذا الجزء من مسلسل (الملط 2) وقف الجميع يؤدى دوره بإتقان تحت قبة المجلس.. الحكومة تهاجم فتاها..

والمعارضة تشد من أزر رجل الحكومة، والإعلام فى حالة فرحة هستيرية مما يحدث.. وضاع الحساب الختامى وسط كل هذه الصيحات (الحكومية والمعارضة والإعلامية الهستيرية).. ولا نعلم عما فعلته الحكومة فى حصيلة الخصخصة ولا ما دفعته فى هيكلة قطاع الأعمال.. وأين أصابت وفيما أخطأت.. وكل ما تبقى أن أحمد عز رجل شرير يتحكم فى المجلس وعليه الرحيل من رئاسة لجنة الخطة والموازنة.. وأن الملط هو الملاك الحارس لأموال هذا الشعب، وعليه أن يتقدم الصفوف ليصبح رئىسا للوزراء (لا أعرف كيف وهو يذهب إلى الحزب مع أول استدعاء).. باعتبار أن رجلا جلس على هذا المقعد يوما ما فى سنوات الثمانينيات (الراحل د. عاطف صدقى) جلس أيضا على مقعد رئىس وزراء مصر.

بصراحة هذا الجزء من مسلسل الملط كان مثيرا وجيدا.. فالحكومة تأكل أبناءها والمعارضة تحتفل بمن تأكلهم الحكومة.. أما الإعلام فيرقص على كل هذه الإيقاعات.. لكنه رقص لو تعلمون حزين وأليم يشبه رقصة الكتكوت الزائفة.. وهى رقصة شهيرة شريرة، حيث يقوم شخص بلا قلب بوضع وابور جاز تحت صفيحة فتتحول إلى سطح ساخن.. وهنا يصرخ صاحب الاستعراض مبتهجا مناديا الجميع ليشاهدوا موهبة الكتكوت فى الرقص.. وبمجرد أن يصبح الكتكوت فوق السطح الساخن.. يتقافز ألما.. وهربا من حرارة السطح اللاسع ويبدو وكأنه فى حالة رقص.. فتصفق الجماهير منبهرة بمهارة الكتكوت ويجمع الرجل قروشه التى يبتغيها.

وهكذا يستمر العرض.. فانتظرونا العام القادم فى جزء جديد مثير من مسلسل الملط.

 

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات