الموازنة بين الذين عاشوا فى عز (مبارك) والذين ناموا تحت الدبابات فى عز (الثورة) - أميمة كمال - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الموازنة بين الذين عاشوا فى عز (مبارك) والذين ناموا تحت الدبابات فى عز (الثورة)

نشر فى : الأربعاء 8 يونيو 2011 - 9:04 ص | آخر تحديث : الأربعاء 8 يونيو 2011 - 9:05 ص

 لم تفارقنى لحظة، وأنا أنصت للدكتور سمير رضوان وزير المالية وهو يستعرض مشروع موازنة الدولة للعام الأول بعد ثورة 25 يناير، لم تفارقنى ملامح وقسمات وجه أربعة رجال كانوا ينامون تحت جنازير الدبابة التى كانت مرابطة أمام المتحف المصرى.

كنت قد تعرفت عليهم قبل أن يرحل الرئيس المخلوع مبارك بساعات فى يوم يصعب فيه أن تنسى من رأيتهم. ذهبت إليهم برغبة عميقة فى أن أسألهم أى شجاعة تلك التى جعلتهم يرمون بأنفسهم تحت جنزير الدبابة، ومنهم من نام بداخلها، فى اليوم الذى أصدر فيه أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق قرارا بفتح ميدان التحرير أمام السيارات؟

الحقيقة أننى استرجعت ملامح هؤلاء الرجال الذين رأيتهم يقتسمون البطانية، واللقمة، وزجاجة المياه، وجريدة الصباح لأيام كان فيها الواحد منهم يفسح للآخر مكانا ليستظل به من حرارة الشمس. وتمنيت أن أطمئن عليهم بعد أن عادوا إلى بلداتهم؟ وأعرف هل خذلتهم الثورة؟ وماذا سيجنون من بنود الموازنة الجديدة التى أعدتها الحكومة التى أقعدوا هم رئيسها على كرسى الوزارة؟

●●●●


لم أجد أى صعوبة فى أن أستعيد تفاصيل وجه سيف الدين إبراهيم مدرس اللغة الإنجليزية بسوهاج الذى ما أن شاهد على الشاشة البلطجية وهم يلقون بقنابل المولوتوف والرصاص على ثوار التحرير، حتى اندفع مستقلا سيارة أجرة قبل شروق الشمس قاصدا ميدان التحرير.

تذكرت كيف كان سيف الدين غاضبا من قسوة الحياة، وهو الذى لم يتجاوز مرتبه 400 جنيه. الحقيقة سيكون من الأفضل لسيف أن ينسى الحلم الذى كان معلقا على تلك اللافتة الشهيرة التى ملأت واجهة إحدى العمارات فى ميدان التحرير. وكتب عليها بالخط العريض «الثوار يطالبون بالحد الأدنى للأجور 1200 جنيه».

يجب أن ينسى لأن الحكومة قررت فى موازنتها الجديدة أن يكون الحد الأدنى للأجر 700 جنيه. ربما لا يعرف سيف أن حد الفقر فى مصر للفرد 215 جنيها، ولكن يعرف حتما أن الـ700 جنيه لم ترفعه هو وعائلته عن حد أقرانه من الفقراء فى مصر.

ويبدو جليا أن عائلة سيف لن تحظى بأى زيادة مرتقبة فى الزيت، والسكر، والشاى، والأرز لأن الدعم المقرر فى الموازنة للسلع التموينية هذا العام أقل من موازنة العام الماضى، التى وضعها وزير المالية المخلوع شعبيا يوسف بطرس غالى. ولن يجد ابن سيف الصغير تأمينا صحيا أفضل له فى مدرسته بالقرية. لأن قيمة التأمين الصحى سوف تظل ثابته هذا العام (230 مليون جنيه) مثل الموازنة البطرسية السابقة. وربما على سيف وكل من يعيشون فى الصعيد مثله أن يتحملوا لسنوات قادمة قبل إصلاح أحوال قراهم. لأن الحكومة الحالية اكتفت بتوجيه 200 مليون جنيه لتنمية الصعيد، وهو ذات الرقم الذى كان يوجهه الوزير الغالى إياه فى موازنته الأخيرة.

بينما كانت لدى حكومة الثورة الفرصة فى أن تزيد دعم المنتجات البترولية إلى 99 مليار جنيه بزيادة قدرها 32 مليار جنيه على الموازنة السابقة. وطبعا عند وضع هذا الرقم أخذت الحكومة فى اعتبارها مصالح عدد من أصحاب مصانع الحديد، والأسمنت، والأسمدة، والسيراميك الذين يحصلون على الطاقة بأسعار مدعمة. اعتادوا على ذلك فى «عز» أيام مبارك، واستمر عليه الحال فى «عز» الثورة.

وسيكون على سيف وأقرانه الذين تحملوا 30 عاما من غياب العدالة فى ظل حكومات الفساد أن يكملوا جميلهم مع حكومة الثورة. فالحكومة الثورية لم تجد غضاضة فى أن تقدم دعما لعدد محدود من رجال الأعمال من صندوق الصادرات بعد أن أنقصته إلى 2.5 مليار جنيه. وهو ذاته الرقم الذى حددته لدعم جميع المزارعين بالرغم من أن ثوار الحكومة كانوا يتحدثون كثيرا عن ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الزراعية.

ليس سيف فقط الذى تذكرته ولكن استرجعت شريط حياة زينهم ربيع شحاتة من الواسطة فى بنى سويف. وهو ذلك البائع السريح فى قطار الصعيد. الذى يبيع البسكويت والكانز، والشيبس، ومناديل الورق. اعتاد على أنه ما أن يبدأ البيع فى القطار حتى يقفز أحد أفراد الشرطة، ويلم كل بضاعته ويصادرها. وبعدها يكون عليه أن يدفع من 300 إلى 500 جنيه كغرامة. وكان زينهم يعتبرها بمثابة ضريبة على الأرباح التى يحققها. عندما أتى إلى ميدان التحرير كان يريد أن يأخذ ثأره من أمين الشرطة، ومن مقاول الأنفار الذى كان يسرق عرقه لصالح شركة مقاولات كبيرة، فى الأيام التى كان يضطر للعمل وسط عمال التراحيل. ولا أعرف ماذا سيشعر زينهم الآن، وهو الذى يقبل صاغرا بضغط من أمين الشرطة أن يدفع ما سماها ضريبة تزيد فى بعض الأحيان على 50% من أرباحه، إذا عرف أن الحكومة لم تملك الجرأة فى موازنتها الجديدة على أن تزيد الضريبة على من يكسب المليارات إلا بنسبة 5% فقط.

●●●●


يعنى هؤلاء سيدفعون نسبة أقل مما يدفعها زينهم. بالرغم من أنهم يتساوون معا فى ضريبة أخرى وهى ضريبة السجائر. فالبائع السريح، ورجل الأعمال الاثنان سيدفعان 10% زيادة. وربما سيغضب زينهم كثيرا إذا عرف أن اعتمادات الشرطة والأمن العام زادت فى الموازنة بنسبة 32% دون أى يكون لديه أى أمل فى أن يتخلص من ضريبة أمين الشرطة.

تذكرت أيضا تامر زغلول والذى يعمل نجارا لدى ورشة موبيليا فى حلوان معظم زبائنها من ساكنى الكومبوندات. كان تامر يحكى عن أن أغلبية هؤلاء الزبائن لم يكونوا يدفعون باقى حساب الأثاث. لأنهم كانوا «ناس مسنودة»، وكان الأسطى يخاف منهم. ولم يكن ينغص حياة تامر سوى إيجار شقته الذى يبلغ (350 جنيها) وقسوة قلب صاحب العمارة الذى يريد زيادته إلى 450 جنيها. ولا أعرف ماذا سيشعر تامر عندما يعرف أن الحكومة الثورية جمدت الضريبة العقارية على أصحاب القصور الفخمة. ولم تفكر إطلاقا فى فرض ضريبة على الذين يحصلون على الأرباح الخرافية من تسقيع الأراضى، بينما هو مضطر لتدبير 100 جنيه زيادة للحفاظ على مسكنه.

●●●●


أما الرجل الرابع ذو اللحية البيضاء فهو سراج الدين رشدى الذى أتى من الفيوم وظل يحكى لأقرانه الرابضين معه تحت الجنازير عن غضبه مما يحدث فى البورصة من مضاربات من كبار رجال الأعمال، التى تطيح بتحويشة عمر المستثمرين الصغار. وتمنى لو تأتى حكومة تستطيع أن تجبر هؤلاء على أن يدفعوا ضرائب على أرباحهم الطائلة. ولكن لم يتحقق حلم سراج الدين لا قبل الثورة، ولا بعدها. فالموازنة لم تضع ضريبة على أرباح البورصة.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات