استلهاما لماركيز: جائزة نوبل فى القتل لنتنياهو - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استلهاما لماركيز: جائزة نوبل فى القتل لنتنياهو

نشر فى : الأربعاء 8 يوليه 2020 - 8:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 8 يوليه 2020 - 8:00 م

اكتسب الأديب الكولومبى «جابرييل جارثيا ماركيز» قيمته وتأثيره من تضامنه بقوة الضمير مع القضايا الإنسانية العادلة بقدر نفاذ رواياته بقوة الإبداع إلى عوالم بلده وقارته اللاتينية.
انحاز إلى القضية الفلسطينية دون أن يطالبه أحد، أو يحاوره أحد، أو يدعوه أحد، هنا أو فى أى مكان آخر بالعالم، إلى أى احتفال ببطولة الشعب الفلسطينى فى أى مسرح تحت رعاية أى وزارة.
فى يناير (2002) أصدر بيانا باسمه وحده، «لا يوقع عليه سواى»، لم يأخذ حقه من الذيوع والانتشار فى العالم العربى رغم قوة منطقه واسم صاحبه.
رغم مضى السنين فإن نص «ماركيز»، الذى ترجمه عن الإسبانية الكاتب الصحفى الراحل الدكتور «أحمد يونس»، يكاد يطابق الأجواء الكابوسية التى تحدث الآن فى فلسطين المحتلة.
باستلهام «ماركيز»، الذى دعا ساخرا ومتألما لمنح ما اسماها «جائزة نوبل فى القتل» لرئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق «آرييل شارون» فإنه يمكن أن يحصد الجائزة نفسها رئيس الوزراء الحالى «بنيامين نتنياهو»، وهو بمواقفه وسياساته الاستيطانية يعد امتدادا لـ«مناحيم بيجين»، مؤسس «الليكود» و«شارون» بعده.
«إنه لمن عجائب الدنيا حقا أن ينال شخص، كمناحيم بيجين جائزة نوبل للسلام، تكريما لسياسته الإجرامية التى تطورت فى الواقع كثيرا خلال السنوات الماضية على يد مجموعة من أنجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة. إلا أن الموضوعية تفرض أن نعترف بأن الذى تفوق على الجميع هو الطالب المجد آرييل شارون».
«إن فوز مناحيم بيجين بجائزة نوبل فى السلام لسنة 1978 مناصفة مع الرئيس المصرى أنور السادات يظل من عجائب الدنيا حقا، ولا يخفف من الدهشة القول بأن الدنيا مليئة بالطرائف وأن هناك ما هو أغرب».
«جاء ذلك كنوع من المكافأة على اتفاقية براقة أرست قواعد السلام من طرف واحد هو العربى. الرجلان اقتسما الجائزة. لكن المصير اختلف من أحدهما إلى الآخر».
«فى حالة أنور السادات ترتب على الاتفاقية انفجار بركان غضب داخل جميع الدول العربية، فضلا عن أنه ــ صباح 6 أكتوبر 1981 ــ دفع حياته ثمنا لها».
«أما بالنسبة لبيجين، فلقد كانت الاتفاقية نفسها بمثابة ضوءا أخضر، ليستمر بوسائل مبتكرة فى تحقيق المشروع الصهيونى».
«المؤكد أن اتفاقية كامب ديفيد، بالإضافة إلى جائزة نوبل فى السلام، تجاوزت شخص مناحيم بيجين، لتشمل أنجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة، خاصة ناظرها الجديد آرييل شارون«
«جائزة نوبل فى السلام فتحت الطريق على مصراعيه لقطع خطوات متزايدة السرعة نحو إبادة الشعب الفلسطينى، كما أدت إلى بناء آلاف المستوطنات على الأراضى الفلسطينية المغتصبة».
بمضى السنين واصلت حركة الاستيطان توسعها حتى كادت تقضم نحو (30%) من أراضى الضفة الغربية، ثم بدأ الحديث يتواتر عن مشروع ضمها إلى الدولة العبرية باسم «صفقة القرن»، أو بدون صفقة، أو باسم «سلام القوة»، أو بلا سلام!
المثير أن أغلب الانتقادات والتحذيرات جاءت من صف «أصدقاء إسرائيل» خشية أن يفضى الضم إلى تعقيدات لا تقدر عليها بأية حسابات استراتيجية وأمنية.
السلطة الفلسطينية بأدوارها الوظيفية منخفضة التكلفة فى ضمان الأمن الإسرائيلى مرشحة للانهيار.
هذه معضلة أولى.
إعادة توصيف القضية الفلسطينية على نحوها الصحيح كشعب تحت الاحتلال.
هذه معضلة ثانية.
مشروع أن تكون إسرائيل دولة يهودية مرشح للانهيار النهائى تحت ضغط الكتلة السكانية الفلسطينية، الذى يستحيل فى العصر الحالى ترحيلها خارج أراضيها بقوة الترهيب.
وهذه معضلة ثالثة.
لم يكن التعطل المؤقت لضم المستوطنات بالضغوط انتصارا للقيم الإنسانية والقوانين الدولية، أو إيمانا بعدالة القضية الفلسطينية، بقدر ما كان تعبيرا عن الضجر من الحسابات الخاطئة فى المدرسة الصهيونية الحديثة.
القيم الإنسانية التى دعت «ماركيز» للانتصار للقضية الفلسطينية فى بيان لم يوقعه سواه شىء آخر، عالم مختلف، نحتاج من وقت لآخر أن نستدعيه للذاكرة.
«لن ننسى نحن الذين نقاوم فقدان الذاكرة الوعاء الفكرى لممارسة النازية، ارتكز هتلر على نظرية المجال الحيوى لتحقيق مشروعه التوسعى باحتلال أراضى الغير، وقد قال بيجين صراحة إن الأرض المحتلة فى 1967 هى ممتلكات يهودية ليس من حق أحد أن يطالب باستعادتها».
«وكانت الركيزة الثانية هى ما سماه: الحل النهائى لمشكلة اليهود. معسكرات الاعتقال السيئة السمعة كانت فى نظره المخرج المناسب. إبادة جماعية، جرت المبالغة فى سرد وقائعها لتبرير إبادة جماعية أخرى. أما حكاية الملايين الستة من اليهود ضحايا هتلر، فلقد انضمت إلى ترسانة الخرافات اليهودية، تمهيدا لإعادة ارتكابها من جديد تحت غطاء جائزة نوبل فى السلام».
«استندت نظرية المجال الحيوى الصهيونية إلى أن اليهود شعب بلا أرض، وأن فلسطين أرض بلا شعب. هكذا قامت الدولة الإسرائيلية غير المشروعة فى 1948، فلما تبين أن هناك شعبا، وأن فلسطين شعب يسكن فى أرضه، كان من الضرورى حتى لا تكون النظرية مخطئة إبادة الشعب الفلسطينى بصورة ممنهجة».
«بدت جائزة نوبل فى السلام، بالإضافة إلى كامب ديفيد، إذنا دوليا بالقتل الذى لا يجرمه أحد».
«وفد تمكنت أجهزة الإعلام التى يسيطر عليها اليهود من إقناع البلهاء فى الغرب بهذه الأكاذيب، مستثمرة عقدة الذنب عند القتلة، فباركوا المزيد من المذابح. لولا أن العالم استيقظ فجأة على أن هناك شىء اسمه الشعب الفلسطينى. ولم يلفت الانتباه إليه تمثيله الدبلوماسى أو مشاركته فى المحافل الدولية. ما لفت الانتباه لوجوده هو ذلك الأنين الصادر عن شعب يتعرض للإبادة».
«تهامس الجميع على استيحاء: الظاهر أن هناك شعبا فلسطينيا، وأنه لسبب ما توارى عن الأعين طوال هذه السنوات. الشعب الفلسطينى بالفعل ظل مختبئا فى منطقة اسمها تجاهل الآخر. اسمها: ليل الضمير البشرى».
«حسنا. ما العمل الآن؟.. الحل عثرت عليه مجموعة من أجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة، لتصبح فلسطين. تمشيا مع النظرية، أرضا بلا شعب. وعلى الذين يتكاثرون كالأرانب ليقاوموا الفناء أن يبادوا بسلام».
«وقد تصادف أن كنت فى باريس، عندما ارتكب شارون ــ بغطاء من جائزة نوبل فى السلام ــ مجازر صبرا وشاتيلا ــ قاتلا أثناء الغزو ثلاثين ألف فلسطينى ولبنانى كما تصادف أن كنت فى باريس، عندما فرض الجنرال جارويلسكى سلطة العسكر ضد إرادة الأغلبية من شعب بولندا. أصابت الأزمة البولندية أوروبا بصدمة جعلتها تترنح من الغضب. أنا شخصيا قمت بالتوقيع على عدد كبير من البيانات التى تندد باغتيال الحرية فى بولندا، كذلك فلقد شاركت فى الاحتفالية التى أقيمت تكريما لبطولة الشعب البولندى، بمسرح بيرا دى بار تحت رعاية وزارة الثقافة الفرنسية، وعلى العكس من ذلك تماما ساد نوع من الصمت الرهيب، عندما اجتاحت القوات الشارونية لبنان».
«هناك بلا شك أصوات كثيرة عن امتداد العالم تريد أن تعبر عن احتجاجها ضد هذه المجازر المستمرة حتى الآن لولا الخوف من اتهامها بمعاداة السامية».
«أنا لا أعرف هل هؤلاء يدركون أنهم هكذا يبيعون أرواحهم فى مواجهة ابتزاز رخيص لا يجب التصدى له بغير الاحتقار. لا أحد عانى فى الحقيقة كالشعب الفلسطينى، فإلى متى نظل بلا ألسنة».
«أنا أعلن عن اشمئزازى من المجازر التى ترتكبها يوميا المدرسة الصهيونية الحديثة، ولا يهمنى رأى محترفى الشيوعية، أو محترفى معاداة الشيوعية، أنا أطالب بترشيح آرييل شارون لجائزة نوبل فى القتل. سامحونى إذ قلت أيضا أننى أخجل من ربط اسمى بجائزة نوبل».
كم عربى مستعد اليوم أن يتحدث بمفردات «ماركيز»، أو أن يرشح «نتانياهو» لجائزة نوبل فى القتل.
«أنا أعلن عن إعجابى غير المحدود ببطولة الشعب الفلسطينى الذى يقاوم الإبادة، بالرغم من إنكار القوى العظمى أو المثقفين الجبناء، أو وسائل الإعلام، أو حتى بعض العرب لوجوده».
هكذا وقع وحده على بيانه، كأنه رسالة إلى الضمير الإنسانى وإلى المستقبل الذى نعانى وطأته الآن من فرط عمق الألم الفلسطينى وفداحة الخذلان العربى.