حتمية الاستيلاء على المسجد الأقصى بعد قرن من التيه وإعلان نجاح المشروع الصهيوني - أحمد البديري - بوابة الشروق
الأربعاء 15 مايو 2024 9:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حتمية الاستيلاء على المسجد الأقصى بعد قرن من التيه وإعلان نجاح المشروع الصهيوني

نشر فى : الخميس 9 يناير 2014 - 2:55 م | آخر تحديث : الخميس 9 يناير 2014 - 5:32 م

في الساعة العاشرة ليلا، تنطلق جرافة إسرائيلية إلى السور الجنوبي للمسجد الأقصى، وتهدم الجدران، تسد البوابة الثلاثية التي أغلقها صلاح الدين الأيوبي. مجموعة من جنود الاحتلال والمهندسين يقتحمون المصلى المرواني، ويغلقون البوابات بين المصلى المرواني وسطح المسجد الأقصى. بعد عدة ساعات يستكمل المهندسون الإسرائيليون عزل المصلى المرواني وإخلاء المصلى من السجاد والمصاحف وكل ما هو إسلامي. المصلى المرواني يقع في الطبقة السفلى للمسجد الإقصى.

صباح اليوم التالي، تكون إسرائيل قد سيطرت تماما على ما هو أسفل المسجد الأقصى تماما دون حفريات دون ضجة، وخلال أيام يبدأ الحاخامات بإقامة معبد يهودي أسفل المسجد الأقصى. فما رفضه الراحل ياسر عرفات في المفاوضات ستحصل عليه إسرائيل عنوة. هذه الخطوة تؤسس إلى نجاح المشروع الصهيوني بالعودة لأرض الميعاد التي لا تستكمل إلا بالعودة إلى جبل الهيكل مركز الفكر اليهودي كما يقولون. فرحة عارمة في شوارع القدس وتل أبيب ومستوطنات الضفة الغربية وحركة نشطة لطائرات حاملة حاخامات يهود من كل العالم لتدشين العودة الحقيقة.

هذا ليس سيناريو فلم أو أسطر من خيالات الكاتب أو تمنيات لبضعة مهلوسين يهود؛ بل مشروعا حقيقيا وواقعيا بانتظار اللحظة المناسبة بعد أن استكمل الاحتلال تهيئة الكنيس والأدوات الضرورية لإنشاء هيكل جديد يقولون هو الثالث وصاحب القرار بتنفيذ الخطة سيسجل اسمه ليس فقط في كتب التاريخ المدرسية اليهودية بل في كتب التاريخ في العالم، كما سليمان الملك عندهم الذي بنى المعبد الأول وهيرودس باني المعبد الثاني. هذا الرجل سيمسى بطلا من أبطال المسيرة الصهيونية.

الرد العربي معروف مسبقا، وهو الشجب والاستنكار واجتماع طارئ لجامعة الدول العربية بغياب بضعة دول عن القمة، والتوجه للأمم المتحدة التي ستصدر قرارا بسحب القوات الإسرائيلية من المصلى المرواني أسفل المسجد الأقصى، تشكيل لجنة متابعة عربية واشتعال الشوارع الفلسطينية وإطلاق صواريخ من غزة ولربما من جنوب لبنان لعدة أيام.

إسرائيل تصمد ولا تتراجع، وتطالب بفتح الحوار من أجل حل الإشكال، كما ستسميه، والتأكيد على حق اليهود في الصلاة والعبادة والتعبد لا أكثر، أو على الأقل هكذا سيكون الخطاب. جولدا مائير كما الرواية لم تنم ليلة حريق المسجد الأقصى، وكذلك إن صحت الرواية الآن الوضع مختلف تماما والأجواء مهيأة.

سوريا مسلخ، وجيشها يعاني من الضعف والتآكل، وفي مصر الوضع ليس بأفضل، فالجيش المصري لديه أولوية ملحة تختص بتثبيت الأمن الداخلي، وهو لن يكون سريعا بالتحرك هذا لو افترضنا أنه سيرغب مبدئيا بالتحرك، وطبعا الأردن ولبنان لا يملكان قوة عسكرية تستطيع تحرير القدس، ومن ثم الأقصى من الحاخامات. التجربة تؤكد ذلك بعيد حريق الأقصى في أواخر الستينيات وتقسيم المسجد الإبراهيمي في الخليل أوائل التسعينيات من القرن الماضي.

تمنع الصلاة في الأقصى إلى أن تهدأ العاصفة، والتي ستهدأ في النهاية بسبب الانشغالات بالواقع العربي المرير الممزق، ليصبح الواقع أكثر سوءا من قبل، فلا مفاوضات ولا مقاومة ولا حراك شعبي سينتصر على طائرات "إف 16" أو دبابات الـ"ميركافا" لتحرير القدس.

غياب المشروع العربي الإسلامي لتحرير القدس منذ احتلال المدينة على يد إنجلترا، وغياب القيادة العربية الإسلامية المتماسكة التي تضع القدس وفلسطين أولوية، وغياب أصحاب الأموال والدول العربية الغنية لدعم تلك القيادة هو السبب المباشر لنجاح حتمية السيطرة الإسرائيلية على مرافق المسجد الأقصى في ليلة واحدة.

صلاح الدين لم تكن وراءه دولة متماسكة، بل ممالك قذرة متصارعة تتحالف مع الصليبي، ولكن الرجل وضع مشروعا تحرريا ورثه عن نور الدين، وعماد الدين، وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان عنده مشروع واضح لتحرير القدس وقيادة عسكرية فذة، وقائد مثل أبي عبيدة لم يملك سوى سيفا ومجنا وحصيرة لنوم. هذه ليست قصص خيالية بل تاريخ موثق لكننا نرفض أن نصدق بوجود مثل هكذا قيادة.

من المسؤول عن هذا التيه؟ والجواب، وبلا شك عندي، هي الشعوب العربية الإسلامية وليست الحكومات التي طالما اتهمناها لنحمِّل جهة مسؤولية فشلنا الذاتي. العرب والمسلمون شعوبا وأفرادا هم أول من يتحمل المسؤولية، وما أنظمتهم إلا انعكاس لهم. الممالك العائلية في مصر والعراق وسوريا في بداية القرن الماضي والجمهوريات العسكرية الاشتراكية في نفس الدول في منتصفه، والحكومات المدنية التي تلت كلها أنظمة وحكام مختلفين في كل شيء إلا عدم وضع برنامج لتحرير القدس. عبد الناصر وصدام لربما كانا الاكثر تحمسا لكن التاريخ وقراءة مذكرات من حولهم يؤكد أنه لم يكن لديهم خطة أو برنامج إنما تمنيات. كُتب على منظمة التحرير ومن بعدها الفصائل الإسلامية تحمل مشقة تحرير القدس بإمكانيات أضعف من أن تذكر في مواجهة جيش مدرب ومسلح يمكن له في ساعة الصفر ضرب العالم بالسلاح النووي، فحمل الفلسطيني على كاهله ذنوب وفشل وضعف أمة المليار، ولا ينبغي لأحد أن يتهم هذا الشعب الفلسطيني العظيم بالتقصير، إذا بنى معبدا يهوديا فكما ذهب المجاهدون إلى أفغانستان والعراق وسوريا وتشاد، وهو أصلا غير مطالبين بذلك، لأن تحرير الأقصى بحاجة لجيوش مدربة وخطط عسكرية، وليس مقاتلين معهم رشاشات كلاشينكوف.

هناك من سيقول للبيت رب يحميه، وهذه جملة عبد المطلب جد النبي، «صلى الله عليه وسلم»، ولم يكن مسلما مؤمنا، فحفيده ما كان له أن يهرب بالإبل فلم يكن طالب دنيا ناهيك عن إبل قريش. القدس ليس مكة والكعبة بيت الله الحرام والمسجد الأقصى بيت الله المقدس، حيث تتقدس كلمات الرب وتحارب فيها.

محمد، عليه الصلاة والسلام، لم يكن مطالبا بتحرير مكة من الكفار ومعه سبعين رجلا، كما نحن لسنا مطالبين بتحرير القدس، كما أن إبراهيم جد النبي، عليهما الصلاة والسلام، لم يحارب الملك، ومن بعده موسى الذي رحل بقومه تاركا الطغيان. هذه الفئة الصغيرة لا نحملها ما كان على سليمان عليه السلام تحمله، فهو صاحب الجيوش والقوة والرياح، فهذا عليه مسؤولية لم تكن ليحيى وزكريا. الفلسطينيون يعيشون والأقصى في قلبهم ويرونه أمامهم لكن لا يعقل أن تتحمل طائفة أو قبيلة من المسلمين وزر أمة عليها واجب وهي تتناسى أو تنسى، فمتى سيتحول الخطاب حول الأقصى من خطبة جمعة إلى مقار الحكومات العربية أو الوزارات المعنية لربما ليس قريبا، ولكن أعلم أن ذاك الذي سيتفاجأ مما هو حتمي كذاب مغرور بل متآمر على بيت الله المقدس.

 

*احمد البديري - كاتب مقدسي

التعليقات