الشباب وحوارات المستقبل - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 3 يونيو 2024 1:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشباب وحوارات المستقبل

نشر فى : الخميس 9 يونيو 2011 - 9:15 ص | آخر تحديث : الخميس 9 يونيو 2011 - 9:15 ص

 سبق لى أن كتبت فى هذه الصفحة محذرا من التناقضات الداخلية لثورة يناير، والتى لا تقل خطورة بالنسبة لمستقبلها عن الأعمال المضادة للثورة التى تُحاك لها من خارجها، وأجدنى اليوم مضطرا لمعاودة الكتابة فى الموضوع نفسه وإن من مدخل الدور الطليعى الذى قام به الشباب فى هذه الثورة، إذ كان لطليعة واعية من شباب مصر فضل تفجير الثورة. ربما تكون هذه الطليعة قد استفادت من تراكم الخبرات النضالية الشعبية السابقة، أو من أخطاء فادحة تمادى فيها نظام ما قبل الثورة، ولكن أولئك الشباب وحدهم كانوا أصحاب الفضل فى انطلاقة الثورة، وقد لعبوا دورهم فى هذا الصدد بكفاءة لافتة سواء من منظور التحضير للثورة أو متابعة أحداثها يوما بيوم وتوجيه مسارها بناء على ذلك أو وضوح الرؤية الذى جعلهم لا ينخدعون بالتنازلات الجزئية، التى قام بها رأس النظام السابق فيما وقع غيرهم الأكثر خبرة منهم فى براثن هذه الخديعة.

لكن الاعتراف بهذا كله شىء وتصور البعض أن الثورة ملك لهؤلاء الشباب وحدهم أو حتى لشباب مصر كله شىء آخر، فقد كان للعمل الطليعى الذى قام به الشباب باقتدار أثره فى جذب قطاعات اجتماعية واسعة من مختلف الأعمار إلى معسكر الثورة، ولولا ذلك لبقيت مظاهرات 25 يناير تدور فى الحلقة المفرغة التى أطبقت على ما سبقها من تحركات شعبية، أو تخرج عن مسارها قليلا لتعود الأمور بعد ذلك إلى ما كانت عليه. من ناحية أخرى بدا رأس النظام وكبار أعوانه متشبثين بالبقاء فى السلطة على الرغم من كل ما جرى، وهنا انضمت القوات المسلحة إلى قوى الثورة بعد أن رأت بحسها الوطنى خطورة ما يجرى وتداعياته التى قد لا يمكن السيطرة عليها لاحقا. من هنا تحركت ممثلة فى مجلسها الأعلى معلنة تأييد أهداف الثورة، ولعبت دورا حاسما فى تنحى الرئيس السابق، ثم فى حماية الثورة لاحقا.

أقول قولى هذا لأن بعض الشباب يعتقد أن الاستئثار بالثورة وتوجيهها من حقه وحده، ولا شك فى الدور المحورى لطليعة شباب الثورة، لكنها أصبحت ملكا للجميع، وإن لزم القول بأنه من حق هذه الطليعة أن تشغل المكان الذى تستحق فى دوائر صنع القرار ومؤسساته فى النظام الجديد. غير أن ثمة عوائق خطيرة تحول دون قيام هذه الطليعة الشبابية بدورها المستحق فى صنع المستقبل. أولى هذه العوائق وأخطرها غياب القيادة التنظيمية المتماسكة لفصائل شباب الثورة. نسمع بطبيعة الحال عن «ائتلاف شباب الثورة» و«مجلس أمنائها» و«تنسيقية جماهيرها» و«المكتب التنفيذى» لاتحادها إلى غير ذلك مما قد يستعصى على المتابعة الدقيقة، لكن المؤكد أننا لسنا إزاء تنظيم واحد قوى يحرك باقتدار المشهد السياسى بعد انطلاقة الثورة. وما زال المرء يذكر بكل الفخر معالم ذلك المشهد فى الأيام الأولى التى أعقبت رحيل مبارك.

شباب يدعوك حين تسمعه وتشاهده إلى الفخر بأنك مصرى، وعلى الرغم مما كان معروفا بخصوص انتمائهم لتنظيمات مختلفة حرص كل منهم على ألا يذكر اسم التنظيم الذى ينتمى إليه، فالأولوية للانتماء للوطن والكل يذوب فيه. أما الآن فقد اختلف المشهد بوضوح، فقد تكاثرت الأسماء، وطفحت على جلد الثورة عشرات «الائتلافات» التى لا يعرف أصحابها معنى الائتلاف أصلا.

المهم أنه ترتب على غياب تنظيم متماسك قوى وواضح وضع غير مألوف فى تاريخ الثورات، وبموجب هذا الوضع أصبح «شباب الثورة» بعيدين عن المشاركة فى مواقع السلطة. فى ثورة 1952 كان نجاح تنظيم «الضباط الأحرار» إيذانا بانطلاقهم على الفور فى تنفيذ برنامجهم، فصدر قانون الإصلاح الزراعى الذى غير الخريطة الاجتماعية لمصر جذريا قبل مرور شهرين على نجاح الثورة.

أما فى حالنا الراهن فإن «شباب الثورة» ليس جزءا من بنية سلطتها، وإنما هو مجرد «قوة ضاغطة» من أجل تحقيق أهدافها، وكذلك من أجل «ترشيد» قرارات مؤسسات المرحلة الانتقالية بعد صدور هذه القرارات، وقد سبب هذا الوضع كثيرا من الإرباك لعملية صنع القرار بعد الثورة وانعكس بدوره على الاستقرار السياسى، وأوجد تناقضات ثانوية بين «شباب الثورة» وتلك المؤسسات.

●●●


من المظاهر المهمة لهذه التناقضات موقع الشباب من «محاولات الحوار» من أجل المستقبل سواء الحوار الوطنى، الذى كان الدكتور يحيى الجمل مسئولا عنه لجلسة واحدة، وقاطعه «شباب الثورة» أصلا، ثم انتقلت مسئوليته إلى الدكتور عبدالعزيز حجازى حيث شارك الشباب ولكن كانت لهم فى كل يوم مشادة مرة بسبب حضور من انتموا فى السابق إلى الحزب الوطنى المنحل، وثانية لعدم إعطائهم فرصتهم فى الحوار وغير ذلك. أو «الوفاق القومى»، الذى أشرف عليه د.يحيى الجمل، ويبدو لى أن الشباب لم يشارك فيه أصلا، أو حوار بعض فصائل الشباب مباشرة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى لم يخل بدوره من مشاكل. ولا شك أن للشباب الحق فى كثير من اعتراضاتهم على مجريات تلك الحوارات، وفى هذه إشارة إلى عدم الإعداد الجيد للحوارات المختلفة، وهو ما اعترف به مسئولون عنها، أو اختلاف الرؤية بين المسئولين عن الحوار وبين الشباب وهذا من طبائع الأمور. لكن النقد الذى يمكن أن يوجه بحسم إلى الشباب المعترض هو أنهم لم يستطيعوا بعد التخلص من الآليات «غير المؤسسية» الضرورية لإسقاط نظام قديم، والانتقال إلى الآليات المؤسسية المطلوبة لبناء النظام الجديد. بعبارة أخرى فإن ما جرى فى «ميدان التحرير» لا يصلح للتكرار فى جلسات الحوار.

لكن ما يثير قلقى بحق أن الشباب الذى نجح فى إسقاط نظام استبدادى راسخ ما زال هو نفسه غير قادر حتى الآن على التخلص من الأساليب القديمة للحركة، فالاعتراضات على الحوارات المختلفة تأخذ من حيث الجوهر شكل الانتقاد والشكوى ــ كما كان جيلى وأجيال سبقته يفعلون فى ظل النظام القديم ــ دون مبادرة بتقديم البديل. ولا أدرى ما الذى يمنع هؤلاء الشباب الذين قاموا بعمل تاريخى بكل المقاييس من الدعوة لحوار شبابى من أجل المستقبل، ولعل ذلك يؤدى إلى بلورة رؤية واضحة للمستقبل، ويكون مناسبة لكى يعرف الشعب أكثر من هم هؤلاء الشباب تحديدا، وكيف تطورت العلاقات التنظيمية بين فصائلهم وإلى أين وصلت، وما هى التنظيمات المحسوبة على الثورة والتى كاد يقترب عددها من المائتين، وإلى أى مدى يمكن أن تعد داخل معسكر الثورة أم أنها تكتفى «بالتبرك» بالثورة أو الاستفادة منها، وما هو رأى هؤلاء الشباب فى الجماعات الغريبة التى تحتل ميدان التحرير فى بعض الأيام دون دعوة من شباب الثورة، وتشترك فى أعمال تخريبية كما حدث فى الاستنجاد بهم من قبل «البلطجية» كى يساندوهم فى الهجوم على قسم الأزبكية منذ أيام ناهيك عن حادث التحرش المخجل بمراسلة إحدى القنوات التليفزيونية، والأهم من ذلك كله ما هو برنامجهم المحدد لمستقبل الوطن؟

●●●


بدلا من الاحتجاج «التظاهري» فى قاعات الحوار إذن فإن على شباب الثورة المبادرة بما يرونه الحق، وهى مناسبة على أى حال لتعلم «السلوك المؤسسى» بدلا من أن تكون الأيدى هى اللغة الرسمية للحوار. وساعتها سوف ينكشف المزيفون الذين قفزوا إلى حافلة الثورة دون وجه حق، وسوف يكون المصريون أسعد الناس بأبنائهم وهم يتحركون على نحو مؤسسى منتظم يوحد الصفوف ولا يشقها، ويجعلهم أكثر ثقة بمستقبل الوطن.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية