أمريكا والصين: ومازالت الحرب مستعرة - محمد زهران - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمريكا والصين: ومازالت الحرب مستعرة

نشر فى : الأحد 9 يونيو 2019 - 2:30 ص | آخر تحديث : الأحد 9 يونيو 2019 - 2:33 ص

 

تكلمنا في المقالين السابقين (هنا وهنا) عن الحرب التي أصبحت معلنة بين الصين وأمريكا وقد خرجت من الخفاء إلى العلن وتُستخدم وستُسخدم فيها جميع أنواع الأسلحة ماعدا العسكرية منها على الأقل في الوقت الحالي،  واليوم نستكمل حديثنا عن معركة الشطرنج هذه والتي يعتبر العالم كله بمثابة رقعة المعركة.

 

في كتابها المهم (The Big Nine) أو الكبار التسعة تستعرض الكاتبة آمي ويب (Amy Webb) الباحثة في علوم المستقبليات وأيضا تدرسه في جامعة نيويورك عدة سيناريوهات مستقبلية بين أمريكا والصين، أحد هذه السيناريوهات تسميه الكاتبة السيناريو الكارثي،  لنرى ماذا تتنبأ في هذا السيناريو.

تستمر أمريكا في عدم الاهتمام بوجود خطة عامة للدولة في مجال الذكاء الإصطناعي وتترك الشركات الكبار تتعامل مع السوق وتتسارع فيما بينها على إنتاج وبيع المنتجات للجماهير ومازالت البرمجيات والأجهزة التي تتعامل بأنظمة الذكاء الإصطناعي تصمم عن طريق أقلية (الرجل الأبيض) ولكنها تتحكم في حياة الجميع، في نفس الوقت تواصل الصين مد نفوذها إلى الدول الفقيرة نسبياً عن طريق القروض وتصدير تكنولوجيا الذكاء الإصطناعي لتلك الدول وبهذا لن تستطيع تلك الدول أن تتخلص من النفوذ الصيني وتستطيع الصين بسهولة فرض إرادتها على تلك الدول وتعطي الكاتبة أمثلة لتلك الدول مثل فيتنام والأرجنتين وتانزايا وبوليفيا، وتواصل الصين بناء إمبراطوريتها في القرن الواحد والعشرين، تلك الإمبراطورية القائمة على المعلومات (وهي وقود جميع أنظمة الذكاء الإصطناعي) والإقتصاد وأبحاث ومنتجات الذكاء الإصطناعي، في هذه الأثناء لا تهتم الحكومة الأمريكية بغير الانتخابات الرئاسية وبرامج التوك شو السياسية، بعد مدة من الزمن (كل سيناريو تناقشه الكاتبة يمتد حتى العام 2069) تصبح أمريكا محاطة بدول موالية للصين إحاطة السوار بالمعصم وكل تلك الدول تستخدم أنظمة الذكاء الإصطناعي الصينية، أصبحت الصين لا تحتاج لأمريكا لا في التجارة ولا في التكنولوجيا وبعد مدة أخرى بدأت الصين تهاجم أنظمة الذكاء الإصطناعي التي تتحكم في حياة كل الناس في أمريكا ... وتأتي نهاية أمريكا.

قد تظن أن هذا السيناريو خيالي لكن هذا غير صحيح، دعني أعطيك مثالاً عن المستقبل القريب وكيف ستتحكم أنظمة الذكاء الإصطناعي في حياتنا (وهو مذكور أيضاً في كتاب آمي ويب) وهو أن ثلاجتك مثلاً ستكون متصلة بأنظمة الرعاية الصحية، عندما تضع في الثلاجة تورتة شيكولاتة مثلاً وديك رومي وقطع جاتوه ستبعث الثلاجة بتلك المعلومات (هذا مثال على إنترنت الأشياء) إلى منظومة الرعاية الصحية التي ستلاحظ أنك تسكن وحدك وأن هذا الطعام كثير جداً وغير صحي وبالتالي أنت معرض للسمنة ولأضرار صحية كثيرة، نتيجة ذلك أن فاتورة الرعاية الصحية الشهرية التي تدفعها من مرتبك ستزيد.

بل وإذا توغلنا في المستقبل سنجد أن أجهزة روبوت صغيرة جداً (نانو روبوت) ستحقن في أجسام البشر لتمنع الأمراض قبل وقوعها (مازلنا مع كتاب آمي ويب)، لكن إذا تحكمت أجهزة الذكاء الإصناعي في ذلك فمن الممكن مثلاً أن تقتل تلك الروبوتات الجنين وهومازال في طور التكوين في بطن الأم إذا أحس البرنامج المتحكم في تلك الروبوتات أن هناك إحتمالاً كبيراً أن يخرج هذا الجنين بتشوه أو بأمراض مزمنة، فماذا لو تحكمت دولة معادية في أجهزة الذكاء الإصطناعي لدولة أخرى؟ هل ترى الآن كم أن هذا السيناريو كارثي كما قالت آمي ويب؟

 

هل معنى ذلك أن الصين قوية ولن يستطيع أحد إيقافها؟ بالطبع لا فكما أن للصين عناصر قوة فإن لها أيضا عناصر ضعف، الصين دولة مركزية تهتم بالعمل الجماعي على حساب الإبداع الفردي وتحاول أن تجعل مواطنيها يتقبلون إنعدام الخصوصية حيث أنها تجمع معلومات عن كل شخص (أين يسافر وماذا يشاهد وأين يصرف أمواله وهل يعيش حياة صحية وهل يحترم قوانين المرور إلخ) وتحللها وتعطي لكل شخص درجة مثل درجات الإمتحان، كلما زادت تلك الدرجة كلما زادت الميزات التي يتمتع بها هذا الشخص مثل حرية السفر والحصول على قروض وهكذا، المشكلة في كل ذلك أن القدرة على الإبداع الفردي والإبتكار تقل، كم عالم صيني حصل على جائزة نوبل مثلاً مقابل الحاصلين على تلك الجائزة من أمريكا؟ لكن على صعيد آخر الصين قوية جداً في التكنولوجيا لأن التكنولوجيا تحتاج إلى إقتصاد وعمل جماعي.

 

نرى الآن ولو بصورة مبسطة عناصر القوة والضعف في الصين وأمريكا ... الموضوع أكثر تعقيداً من ذلك ولكن غداً لناظره قريب.

 

 

 

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات