شعب النهضة - امال قرامى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شعب النهضة

نشر فى : الثلاثاء 9 ديسمبر 2014 - 8:15 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 9 ديسمبر 2014 - 8:15 ص

فى حوار صحفى مع قناة تلفزية تونسية خاصة غازل المنصف المرزوقى أتباع حركة النهضة قائلا: إنّه يثق فى ما سماه بـ«شعب النهضة» فى انتخابه، مثبتا بذلك أنه يميز بين «شعب النهضة» وسائر مكونات «الشعب». وعلى هذا الأساس انتبه التونسيون إلى أن المرزوقى الذى يسوّق لنفسه على أنّه «رئيس كل التونسيين» لا ينظر إليهم باعتبارهم يمثّلون الشعب بل إنّه يميّز بين «شعب النهضة» الذى يحسب له ألف حساب لأنّه يمثل كتلة عددية مهمّة فى الانتخابات، وسائر التونسيين.

والواقع أنّها ليست المرة الأولى التى يقوم فيها المرزوقى بعملية الفرز إذ خاطب التونسيات من قبل، قائلا: المحجبات والمنتقبات والسافرات. ولا نخال المرزوقى وهو «الرئيس المفكّر» يجهل مدى خطورة استعمال هذه العبارات، ولكن نراه قد «اضطر» إلى استعمالها كتكتيك سياسى بهدف مزدوج: إخافة الخصوم السياسيين، من جهة، وكسب ودّ أتباع النهضة الذين رفضوا ترشح الباجى قايد السبسى، من جهة أخرى.

وهكذا نتبيّن أنّ شكل تواصل السياسيين يؤثر فى الناس ويوجهّهم إمّا سلبا أو إيجابا حسب وعى الفاعل السياسى بسلطة الكلمات وخطورة اللغة السياسية، هذه اللغة التى هى فى الواقع أداة أساسية من بين أدوات سياسة أخرى يلجأ إليها السياسى، ومن السذاجة أن نعزل سلطة السياسة عن سلطة اللغة السياسية. وبالإضافة إلى ذلك يعكس انتقاء العبارات مقاصد المتلفّظ من ذلك بناء علاقة مع الآخر وكسب ودّه بالرفع من شأنه والتنويه بفضائله الاستثنائية وإشعاره بأنّه هو الأحرى بالتوجه إليه بالخطاب والتعويل عليه فى العملية الانتخابية باعتبار أنّه يمثّل قوّة سياسية. وإذا كان المتخيل الإسلامى يقوم على فكرة الاصطفاء «خير أمة أخرجت للناس فإنّ السياسى يجعل «شعب النهضة» هو المصطفى من دون سائر التونسيين. وهكذا تكون العبارة أداة تشجّع وتدفع وتحفز المخاطب حتى يناصر المرزوقى فى حملته.

•••

واللافت للانتباه أنّ عبارة «شعب النهضة» صارت عبارة متداولة بكثرة فى خطاب قيادات حزب النهضة وأتباعها وكذلك فى تعاليق النهضاويين على صفحات التواصل الاجتماعى وكأنّ هؤلاء وجدوا مبرّرا لاستعمالها فإذا كان المرزوقى نفسه يعترف بأنّ النهضاويين يمثلون «شعبا» فما المانع من ترسيخ هذه العبارة فى الخطاب السياسى أو فى فضاءات التواصل، خاصة أنّها تحقّق الإشباع النفسى وتساهم فى استعلاء من كانوا فى سدّة الحكم.

والمطلع على منابر الحوار على مواقع الإنترنت وصفحات الفيسبوك يدرك مدى انتشاء عدد من أتباع حزب النهضة ومناصريه باستعمال هذه العبارة التى وجدت هوى فى نفوسهم لاسيما وأنها تشعرهم بتميزهم عن الآخرين. كما أنّ إصرار البعض على ترسيخ هذه العبارة يثبت طريقة تمثيل الذات من جهة، وتمثيل الآخر من جهة أخرى. فحزب النهضة تنسب له صفات تميزه عن غيره وتتعارض مع الآخر. وليست الغاية من وراء هذا الفرز إلا إجراء مقارنة، وتجذير الاختلاف بين «شعب النهضة» وبقية التونسيين.

•••

إنّ تعمّد السياسى، وهو الذات المتحكمة فى اللغة السياسية والخطاب، إخراج طرف حزبى، وهو النهضة من مجموع الناخبين بمنحه قيمة إيجابية يساهم فى بناء علاقات قائمة على استبعاد الآخر ونفيه وإقصائه باعتبار أنّه ليس جديرا بالتفاعل معه ولا يملك الأهلية اللازمة ولا الفضائل التى تجعل التواصل معه مفيدا. وبناء على ذلك ترسم خارطة جديدة للناخبين: «شعب النهضة» الذى يمثّل المركز أمّا البقية فإنّها تزجّ فى دائرة الهامش.

وإذا كانت اللغة تؤثر فى سلوك الناس وطرائق تفكيرهم وتحدّد أنماط التفاعل بينهم وتقوم بتشكيل رؤية الإنسان للكون، والعالم الذى يعيش فيه فإنّ تسلل مثل هذه العبارات إلى الخطاب السياسى فى سياق تقسّم فيه البلاد إلى شمال/جنوب، كفار/مؤمنين، سلفية جهادية/علمانيين...يثبت مدى مسئولية السياسى فى تفكيك الوحدة الوطنية. كما أنّ هذا الفرز قد تكون له انعكاسات خطيرة على مستوى ترسيخ قيم المواطنة فعزوف عدد من أنصار النهضة عن المشاركة فى انتخابات لا يملكون فيها مرشحا يفسر فى ضوء أن «مواطنية» شعب النهضة لا تمارس إلاّ متى كانوا فى مواقع السلطة أما إذا كانوا بلا مرشح فى عملية انتخابية فإنّهم غير معنيين ومحايدين وخارج اللعبة، وإن كان الواقع يثبت العكس.

التعليقات