تقنين النهب والسرقة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تقنين النهب والسرقة

نشر فى : الجمعة 10 فبراير 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الجمعة 10 فبراير 2017 - 9:50 م
إذا كان أحد الكتاب الإسرائيليين قد اعتبر تقنين «الكنسيت» لسرقة الأراضى الفلسطينية بمثابة «بصقة» فى وجه المجتمع الدولى، فكيف نصف وقعه على العالم العربى صاحب «القضية المركزية»؟!.. الوصف الأول أطلقه تسفى برئيل فى مقالة نشرتها صحيفة «هاآرتس» يوم ٨ فبراير الحالى، بعد يومين من إقرار البرلمان الإسرائيلى للقانون الذى أضفى شرعية على سرقات المستوطنين للأراضى التى يملكها الفلسطينيون فى الضفة الغربية. وهى خطوة غير مسبوقة لم يجرؤ الكنيسيت على الإقدام عليها من قبل، ولم يكن ذلك تعففا أو حياء بطبيعة الحال، لأن الأحزاب اليمينية نجحت فى فرضه بما يمثله من تحدٍ صارخ للمجتمع الدولى وانتهاك وقح للقانون الدولى. ذلك أن الاستيطان، بمعنى نقل السكان إلى الأراضى المحتلة، يعد جريمة حرب حسب ميثاق روما. لكن إسرائيل تحايلت وفرقت بين مستوطنات تقيمها الدولة، وهذه أجازتها رغم أن القانون الدولى يجرمها، وبين البؤر العشوائية التى يقيمها المستوطنون من جانبهم خارج مخططات الدولة. وهذه يبطلها القانون الإسرائيلى من الناحية النظرية، وبمقتضى ذلك القانون صدرت أحكام قضائية بإزالة بعض تلك البؤر من باب ستر العورة وذر الرماد فى العيون، حيث لا يغيب عن أحد أن المشروع الاستيطانى برمته جزء أصيل من سياسة الدولة العبرية، التى قامت على اغتصاب الأراضى وإحلال شعب مستورد محل الشعب أصحاب الأرض.

لقد عرفنا سرقة للأراضى فى فلسطينين بقوة السلاح، ثم الاحتيال من خلال إصدار ٤٣ قانونا لمصادرة أراضى الفلسطينيين. أما القانون الذى تم إقراره يوم الاثنين الماضى بدعوى تسوية الأراضى، فإنه لم يلجأ إلى الاحتيال وقرر بمنتهى الصفاقة أن المستوطنين إذا استولوا من جانبهم على أراضى يملكها فلسطينيون، حتى إذا تم ذلك خارج مخططات الدولة، فليس للفلسطينى صاحب الأرض أن يرفع دعوى لاستردادها، وإنما يصبح مخيرا بين أمرين إما القبول بالتعويض المالى، أو مقايضته بأرض بديلة. وهو ما يعنى إسقاط التمييز الذى كان قائما بين المستوطنات الحكومية وتلك التى يقيمها الأفراد أو الجماعات الأهلية.

الأثر المباشر لهذه الخطوة يتمثل فى فتح الباب على مصراعيه لتقنين نهب الأراضى والتمدد التوحشى الاسيتطانى فى الضفة الغربية بما يمهد لضمها وإخضاعها للقانون الإسرائيلى، فضلا عن أنه يجهز على أمل قيام الدولة الفلسطينية، التى أصبحت فى خطاب السلطة شعارا وهتافا بلا مضمون على الأرض. يؤيد ذلك ويرجحه أن الحكومة الإسرائيلية قررت أخيرا إقامة ستة آلاف وحدة سكنية جديدة، فى تحد لقرار مجلس الأمن حظر الاستيطان، ولا يشك أحد فى أن ذلك ما كان له أن يتم دون ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية الجديدة التى صرح ناطق باسمها بأن المستوطنات لا تشكل تهديدا للسلام أو عقبة فى طريقه، وأستحى أن أقول إن الصمت العربى الرسمى إزاء المرحلة الجديدة من سرقة الأراضى الفلسطينية بمثابة ضوء أخضر ضمنى يطمئن إسرائيل إلى أن ما تفعله لن يعكر الصفو ولن يفسد «للود» قضية.

فى مواجهة هذا الموقف فإن السلطة الفلسطينية قد ينقذها من الحرج والفضيحة أن ترفض المحكمة العليا فى إسرائيل إجازة القانون. أما إذا وافقت عليه فأمامها خياران الأول تنفيذ قرار المجلس المركزى واللجنة التنفيذية الصادر منذ سنتين بوقف التنسيق الأمنى وإعادة تقيم العلاقة مع إسرائيل فى مختلف المجالات، الثانى أن تلجأ السلطة إلى المحكمة الجنائية الدولية لتحدد موقفا إزاء تقنين سرقة الأراضى ونهبها. ومبلغ علمى أنها يمكن أن تلوح بذلك، لكنها أعجز من أن تقدم على أى منهما.

أما الشعب الفلسطينى فأمامه خيار واحد لا بديل عنه هو المقاومة ولا شىء غيرها، ولن أضيف حتى لا أتهم بالتحريض على «الإرهاب»!
فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.