نشر موقع صدى كارنيجى مقالا للكاتب «نيل بارتريك» عن العلاقات الأمنية الأمريكية السعودية خاصة فى عهد الرئيس الجديد دونالد ترامب، والذى يختلف فى تقييمه للأمور عن سابقه «باراك أوباما». يتناول الكاتب فى المقال فكرة التقارب المتزايد بين السلطتين وما تحاول الولايات المتحدة أن تقدمه للمملكة خاصة فى حربها فى اليمن من أعتدة وتأييد لحالة الحرب بدلا من الحل السياسى الذى سعى أوباما لتحقيقه.
يبدأ بارتريك مقاله بأنه على الرغم من أن العلاقات الأمنية السعودية ــ الأمريكية كانت متينة قبل رحيل باراك أوباما، إلا أن إدارة دونالد ترامب عمدت إلى تحسين الطابع العام لهذه العلاقات، وتعتبر السعودية أيضا أن الإدارة الأمريكية الجديدة بادرت إلى تحسين بعض المظاهر العملية لتلك العلاقة. من الممكن أن توسيع استخدام الهجمات الجوية والقوات الخاصة الأمريكية فى الشرق الأوسط سوف يجر الولايات المتحدة إلى مزيد من العمل العسكرى ضد الأفرقاء الذين يُعتبَرون خصوما للسعودية، بما فى ذلك أولئك المدعومين من إيران. بيد أن ذلك قد يؤدى أيضا إلى تعزيز قبضة إيران وتقويض المصلحة المشتركة فى إلحاق الهزيمة بالإسلاميين السنة المتشددين.
فقد سُجِلت زيادة كبيرة فى أعداد الهجمات بالطائرات الأمريكية غير المأهولة فى اليمن فى عهد الرئيس ترامب، مع التركيز على استهداف تنظيمَى الدولة الإسلامية والقاعدة. بحسب تقارير صحفية أمريكية، فاق عدد الهجمات بواسطة الطائرات من دون طيار فى مارس 2017 عددها على امتداد العام 2016. كذلك ارتفعت وتيرة الهجمات الجوية الأمريكية، بحسب ما تشير إليه التقارير، ووفقا لبيانات صادرة عن مسئولين عسكريين أمريكيين، توسع أيضا النطاق المحتمل لهذه الهجمات. ونتيجة لذلك، سُجِلت زيادة ملحوظة أيضا فى حصيلة القتلى فى صفوف المدنيين على مختلف الجبهات.
ويضيف الكاتب فيما يتعلق باليمن، أن الولايات المتحدة قررت استئناف بيع ذخائر موجهة بدقة إلى السعوديين، بعد الانتهاء من إجراء مراجعة إلزامية فى الكونغرس، وذلك بعدما كان أوباما قد أوقف العمل بأحد العقود فى ديسمبر الماضى بسبب سقوط ضحايا مدنيين. ويعد هذا تحولا عمليا وقد لقى ترحيبا كبيرا من السعوديين. كما أنه يوجه رسالة مفادها أنه سيتم، فى الوقت الراهن، التخلى عن المحاولة الفاشلة التى بُذِلت فى عهد أوباما من أجل ترويج حل سياسى فى اليمن.
يؤكد الكاتب هنا على فكرة أن كلا من الولايات المتحدة والسعودية تحبذان الحرب، وليس السياسة، فى اليمن فى المرحلة الحالية. أما عن كم سيدوم تبنى إدارة ترامب لهذه المقاربة، فإن هذا سيتوقف ــ وفقا لبارتريك ــ على المراجعة الحالية للسياسة الأمريكية فى اليمن، والتى لن تُنجَز قبل وقت لاحق من شهر إبريل الحالى.
***
ليس واضحا إذا كانت المراجعة الأمريكية ستوافق على اقتراح تقدمت به الإمارات العربية المتحدة من أجل الحصول على دعم أمريكى مسلح لمحاولة تقوم بها الإمارات مع السعودية بغية استعادة السيطرة من الحوثيين على ميناء الحديدة المحورى على البحر الأحمر. لكن يدعم وزير الدفاع الأمريكى جيم ماتيس المقترح الإماراتى، الذى يحظى بالتأييد من السعوديين على ما يبدو، على أساس أن إيران تشكل التهديد الأساسى للمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط فى شكل عام، وللتنقل الحر للسفن، تحديدا عبر مضيق باب المندب الضيق فى البحر الأحمر، على مقربة من المكان حيث استهدفت قوات الحوثيين المتمركزة فى البر سلاح البحرية الأمريكى.
يستطرد الكاتب قائلا إن عملية مدعومة من الولايات المتحدة لتحرير ميناء الحديدة ــ وما يترتب عنها من تأمين فتح مضيق باب المندب أمام السفن ــ تتطلب مزيجا من القوات والأعتدة الجوية والبحرية والبرية، والتى من شأن الإمارات أن تعتمد جزئيا على الولايات المتحدة من أجل الحصول عليها، مع تدخل سعودى محتمل. وتزداد المصالح الأمنية التى تتصورها السعودية لنفسها فى اليمن، تعقيدا بحكم أنه للإماراتيين وجود أقوى بكثير على الأرض فى الجنوب، وأحد الأسباب هو أن السعوديين لا يحبذون التحرك العسكرى الميدانى، لا فى اليمن ولا فى أى مكان آخر.
فى الحقيقة، ربما لا يرغب السعوديون فى استمرار العملية العسكرية، إنما لا يمكنهم الإقرار بوجود منافسة بين دول الخليج تشجعهم على التحفظ فى هذا المجال. فى حال تكللت هذه العملية بالنجاح، قد تمنح الإمارات دورا أساسيا فى تحديد المستقبل السياسى لجنوب اليمن، والسلطة على الأمن فى البحر الأحمر.
فيما يخطط السعوديون لإنشاء مرفق لسلاحهم البحرى فى جيبوتى، ويتطلعون إلى انتقال السيطرة على جزيرتَى تيران وصنافير من مصر إلى المملكة، يملك الإماراتيون أعتدة عسكرية فى جيبوتى وإريتريا، ويسعون إلى الحصول على منشأة بحرية فى شمال الصومال، ما يتيح لهم فرصة أفضل لاستكمال الجهود الأمريكية من أجل الحفاظ على الأمن فى البحر الأحمر، لا سيما منذ إعلان إدارة ترامب بأنها ستعمد إلى توسيع الهجمات بالطائرات الأمريكية من دون طيار ضد المقاتلين السنة فى الصومال. على الرغم من أن هذا التدخل الأمريكى المتزايد فى فرض الأمن فى البحر الأحمر يُرضى السعوديين فى شكل عام، إلا أن المملكة تخوض أيضا منافسة ناشئة مع الإمارات على النفوذ فى منطقة البحر الأحمر. ربما يتوقع السعوديون أن يساعدهم استئناف تنفيذ اتفاقهم البحرى المعلق مع الولايات المتحدة على تخطى مشاحناتهم التجارية مع الممونين الأمريكيين. كما أنه من شأن الاستحواذ على هذه الأعتدة البحرية من الولايات المتحدة أن يُتيح للمملكة تعزيز أعتدتها البحرية التى حصلت عليها من فرنسا التى تحافظ أيضا على علاقات قوية مع الإمارات. فى المقابل، غالب الظن أن الولايات المتحدة ستقدم المصالح السعودية على المصالح الإماراتية.
***
وأخيرا رغم ما أضافه الكاتب من أن السعودية قد ترغب فى استعمال العلاقات الموطدة مع الولايات المتحدة لتثبيت حضورها أكثر فى مواجهة طهران فى منطقة الخليج، بينما لا تزال الولايات المتحدة تعتبر أن تنظيم الدولة الإسلامية يشكل مصدرا أكبر للقلق. وعلى الرغم من تأكيده أن تقدم إيران المساعدة فى المعركة ضد الدولة الإسلامية فى سوريا والعراق، والآمال التى عقدها السعوديون على تحدى الولايات المتحدة لإيران فى سوريا لن تجد سبيلا إلى التحقق على أرض الواقع وذلك بناء على ما قاله وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون فى 30 مارس الماضى إن مستقبل بشار الأسد السياسى يقرره الشعب السورى، إلا أن الضربات الأمريكية الأخيرة فى سوريا قد تثبت عكس ذلك.
نيل بارتريك
النص الأصلى