أزمتنا الاقتصادية وسياستنا الخارجية ( ٢ــ٢) - علاء الحديدي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 11:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمتنا الاقتصادية وسياستنا الخارجية ( ٢ــ٢)

نشر فى : الإثنين 10 يوليه 2017 - 9:25 م | آخر تحديث : الإثنين 10 يوليه 2017 - 9:25 م

تناولت فى المقال السابق كيف يخضع اقتصادنا القومى للعوامل الخارجية، وما يفرضه علينا ذلك من ضرورة إعادة النظر فى أولوياتنا الداخلية والخارجية. وأشرت فى نهاية المقال إلى أهمية أن «تعكس سياساتنا الخارجية أهدافا اقتصادية واضحة تسعى لتحقيقها جميع مؤسسات الدولة تحت مظلة إستراتيجية موحدة». فأين نحن من ذلك؟
بداية يجب أن نحدد أولويات سياستنا الداخلية، وطبقا لهذه الأولويات، يمكن الحديث عن أولويات سياستنا الخارجية. فهل يحتل الاقتصاد أولوية متقدمة، وهو ما أظن أنه كذلك فى ظل ظروفنا الاقتصادية الحالية، فيكون السؤال التالى أى نوع من الاقتصاد نريد؟ اقتصاد يعتمد على الصناعة والتصدير مثلا، أم اقتصاد يهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتى وتقليل الاعتماد على الخارج، أم اقتصاد يقوم على التجارة فى الخدمات واستغلال الموقع الجغرافى الذى تمتاز به مصر؟ أم اقتصاد متنوع يضم بعضا من مكونات كل ما سبق؟ لكل إجابة مسار خاص به، وسياسة خارجية تعكس هذا المسار وتحدد أهدافه. ولكن الأهم أن يتم أولا تحديد الرؤية الاقتصادية للدولة، ثم تأتى عملية توزيع الأدوار بعد ذلك. وهنا يجب أن يكون هناك تقسيم واضح للأدوار والمهمات بين مختلف الوزارات والهيئات التنفيذية، سواء تحدثنا عن وزارة الخارجية أو وزارة الاستثمار والتعاون الدولى أو وزارة الصناعة والتجارة الخارجية أو غيرها. مثلهم مثل فريق كرة القدم الذين يلعبون ضمن فريق واحد من أجل إحراز الهدف النهائى فى أى مباراة. فلكل لاعب دوره، ولكن ما يميز فريقا عن آخر هو درجة التناغم والتنسيق فيما بينهم. وهو ما ينطبق أيضا على أداء الدول حيث إن ما يميز أية دولة عن الأخرى هو درجة التنسيق والعمل الجماعى بين مختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها.
وفى هذا الإطار سأطرح مشروع تطوير محور قناة السويس كمثال يمكن أن نحاول تطبيق ما سبق عليه. فهذا المشروع العملاق هو بالأساس مشروع خدمات يستغل موقع مصر الجغرافى، ولكن يمكن أن يكون قاطرة التنمية للاقتصاد المصرى ككل. فماذا فعلنا به ومعه؟ بداية نجد أنه لم يأخذ حظه من الاهتمام كمشروع توسيع مجرى قناة السويس، وهو ما سبق أن تعرضت له فى مقال سابق بجريدة الشروق بتاريخ ٢٣ مايو الماضى بعنوان «تطوير القناة قبل فوات الأوان». أيضا كان يجب التعامل معه كهدف قومى تسعى جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة إلى تحقيقه، بدلا من تشتيت الجهود وبعثرتها فى العديد من المشروعات، بعضها مشكوك فى جدواه الاقتصادية. فكان من الأجدى مثلا أن يتم تأجيل العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المشروعات لمرحلة لاحقة وتوجيه ما نملكه حاليا من موارد محدودة فى بناء البنية التحتية اللازمة لتحويل منطقة القناة إلى منطقة اقتصادية خاصة تستطيع جذب رءوس الأموال العالمية ومنافسة المناطق الاقتصادية الأخرى من حولنا. وهو مجهود ضخم يتطلب توفير المرافق اللازمة وسبل الإعاشة لمئات الالاف من العاملين من مياه للشرب وكهرباء وسكن وتعليم وصحة ومواصلات طبقا للمقاييس الدولية وليس المعايير المحلية. وهو الأمر الذى يغيب أحيانا عند البعض ولا يرى ما يحدث حولنا من تطورات، فيتم البناء وفقا لأنظمة لا تواكب العصر، فنخرج من حلبة المنافسة. وبعد تهيئة المشروع للمنافسة بالعمل الداخلى، يأتى دور العمل الخارجى. لقد أعربت الصين عن استعدادها للدخول فى شراكة اقتصادية مع الدول التى يمر من خلالها طريق الحرير البحرى الجديد وفى القلب منه قناة السويس، أى مشروع تطوير محور قناة السويس كمركز لوجيستى دولى للخدمات البحرية. ومثلما تبحث الدول عن تحالفات عسكرية وسياسية، وهو ما يعكس احتياجات هذه الدول لمواجهة أخطار داخلية أو تهديدات خارجية، فإن الدول أصبحت تبحث أيضا عن تحالفات اقتصادية، وهو ما يتوجب معه فى ظل ظروفنا الاقتصادية الحالية أن تكون الصين شريكنا الإستراتيجى الأول. والمقصود هنا أن تقوم الصين (ثانى أكبر اقتصاد فى العالم) بالاستثمار فى محور القناة مثلما استثمر الاتحاد السوفيتى سابقا فى بناء السد العالى بمصر. هذا التوجه الإستراتيجى المصرى نحو الصين يحتم علينا عدم التعامل معها بمنطق التجزئة، بل يفرض علينا المشاركة معها فى مبادرة طريق الحرير البحرى، حيث إن نجاح هذه المبادرة يصب مباشرة فى صالح محور قناة السويس.
لا يقتصر الأمر على توجيه سياستنا الخارجية لتعزيز علاقتنا مع الصين بشكل أكثر شمولا عما ذى قبل وفى عدد أكبر من المجالات، فى الثقافة والتعليم والسياحة وغيرها من المجالات التى يمكن التوسع فيها، ولكن أيضا مع الدول الأخرى على خط طريق الحرير البحرى لخلق شراكات اقتصادية معها وتأمين خطوط الملاحة التى تمر بقناة السويس والعمل على إنعاش التجارة فيما بينها. وهو ما يتطلب إعادة نظر فى توجهاتنا وسياستنا الخارجية وأولياتنا من أوروبا والغرب إلى آسيا والشرق، فهذا هو المستقبل وإحدى السبل الرئيسية للخروج من أزمتنا الاقتصادية الراهنة.

التعليقات