إصلاح المنظومة لابد له من إصلاح النظم - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إصلاح المنظومة لابد له من إصلاح النظم

نشر فى : الأربعاء 10 نوفمبر 2010 - 10:57 ص | آخر تحديث : الأربعاء 10 نوفمبر 2010 - 10:58 ص

 أفضت القمة العربية العادية الثانية والعشرون، والمنعقدة فى سرت فى مارس الماضى، إلى تشكيل لجنة من خمسة رؤساء وتكليفها بإعداد وثيقة لتطوير منظومة العمل العربى المشترك تعرض على الدول الأعضاء تمهيدا لمناقشتها على مستوى وزراء الخارجية قبل عرضها على قمة استثنائية. وانعقدت هذه القمة قبل شهر فى مدينة سرت، فأصدرت أربعة قرارات.. اثنان بشأن دعم السلام والوحدة والتنمية فى السودان، ودعم جمهورية الصومال، أما الآخران فانصبا على الموضوعين الأساسيين المحالين إليها، وهما «تطوير منظومة العمل العربى المشترك»، و«سياسة الجوار العربى». وإذا كان الموضوع الأخير يظل موضع أخذ ورد بين الدول لتباين المواقف منه، فإن السير فيه يتوقف إلى حد كبير على ما يتقرر بشأن تطوير منظومة العمل العربى المشترك، الذى اتضح أن الاختلافات حوله أشد وأعمق.

ومن المعلوم أن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية انشغلت بقضية التطوير منذ فترة طويلة، وترتب على ذلك قرارات من قمم سابقة بتعديل أسس اتخاذ القرارات فى مجلس الجامعة والمجلس الاقتصادى والاجتماعى وترجيح السعى إلى صدور القرارات بالتوافق حتى يلتزم الجميع بتنفيذها. وحدث بعض التقدم بشأن البرلمان العربى ومحكمة العدل العربية، وإن ظل الوهن يصيب تفعيل معاهدة الدفاع المشترك. ورغم تزايد المخاطر المحدقة بالوطن العربى على المستويين الدولى والإقليمى، فقد تصاعدت حدة الخلافات بين الدول العربية، أو بالأحرى بين النظم العربية والرؤساء العرب، بحيث خصصت جهود لإذابتها سعيا على الأقل لمجرد تصافح الرؤساء. وبدلا من أن يؤدى قرار القمة الاستثنائية بشأن تطوير منظومة العمل العربى المشترك إلى إيجاد أرضية جديدة تصلح للم الشمل العربى، إذا به يفضى إلى وضع يكشف مدى تردى العلاقات العربية.

وكانت قمة سرت العادية قد شكلت لجنة خماسية ضمت إلى جانب الرئيس المصرى رؤساء الترويكا (قطر وليبيا والعراق) والرئيس اليمنى الذى كان قد طرح مشروعا بما سماه «اتحاد الدول العربية»، للنظر فى قضيتى التطوير وإنشاء رابطة الجوار. وناقش وزراء الخارجية خلال دورة اجتماعهم الـ134 فى سبتمبر الماضى توصيات اللجنة الخماسية، وأعدوا بروتوكولا من 16 بندا يلحق بميثاق الجامعة. إلا أن القمة الاستثنائية فوجئت بتعديلات كبيرة أدخلتها الرئاسة الليبية عليه، ثم نسب إليها قرار بتكليف الأمانة العامة ودولة الرئاسة ولجنة وزارية مصغرة بإعادة صياغته ودراسة التبعات المالية المترتبة على التطوير، وعرض الموضوع على دورة خاصة لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية خلال ثلاثة أشهر تمهيدا لعرضه على القمة العادية فى مارس 2011 لإقراره بالتوافق. وفى اليوم التالى لإعلان القرار أعلنت سبع دول (أعضاء مجلس التعاون الخليجى باستثناء قطر، والمغرب والأردن، وأيدتهم سوريا) أنها لم تكتف بالتحفظ على صيغة القرار، بل رفضته. ومن ثم رفضت المملكة السعودية اجتماع وزراء الخارجية لمناقشة المشروع، وذكرت أن إصلاح النظام العربى ليس فى حاجة إلى «تعديلات جوهرية فى الميثاق، أو إنشاء مؤسسات جديدة، بقدر ما يحتاج إلى تفعيل وتقوية المؤسسات القائمة، والالتزام الجاد والعملى بما تم الإجماع عليه من إصلاحات ومقررات، وضمان أعلى درجات المصداقية والجدية فى تنفيذ القرارات». وشددت على التمسك بـ«أسس سليمة تلبى تطلعات القادة العرب وطموحات شعوبهم، وتتفق وميثاق الجامعة العربية ووثيقة العهد والوفاق وقرارات المجلس الأعلى». وعبرت مصر عن رفضها بالإصرار على مسمى «جامعة الدول العربية». وصرح أمين عام الجامعة، عمرو موسى أن مشروع البروتوكول اعتمد من حيث المبدأ كإطار للعمل، وبقيت التفاصيل موضع خلاف يجرى العمل على تجاوزه، وأضاف أن الوضع العربى عليه «علامات استفهام كبيرة جدا».

ورغم أن القرار اتبع القواعد المعمول بها فى الجامعة من تكليف الأمانة بمتابعة الأمر مع الدول الأعضاء ثم عرضه على مجلس الجامعة فى القمة، فإن المشكلة كانت فى إيراد أمور مختلف عليها فى ديباجة القرار، كما لو أنها من المسلمات، وهو أمر يبدو كمحاولة ساذجة لتحميل القمة اتفاقا على أمر كان موضع رفض من عدة دول. فبعد الإشارة إلى الإيمان بمبادئ ميثاق الجامعة وطموحات الشعوب لتحقيق التكامل بين الدول العربية فى مختلف مجالات العمل العربى المشترك، وما تتطلبه المتغيرات على الصعيدين العربى والدولى من تحديث لمنظومة العمل العربى المشترك، نصت الديباجة على:

«وتفعيلا للآليات المتفق عليها فى إطار منظومة العمل العربى المشترك والإسراع نحو تحقيق كونفيدرالية عربية والاندماج فيما بين اقتصاديات الدول العربية وصولا إلى الوحدة الاقتصادية العربية المنشودة».

ووأضح أن الإشارة إلى إقامة كونفيدرالية تستند إلى فكرة سبق أن طرحها العقيد القذافى فى وقت تلا إعلانه قطيعة مع المنظومة العربية بأكملها وتفضيل العمل على بناء اتحاد أفريقى يترأسه، ربما على سبيل إزالة الملل الناجم عن رتابة الحياة فى ظل البقاء أربعين عاما فى نفس الموقع. والمعنى المستشف من العبارة السابقة هو الجمع بين وحدة اقتصادية وتنظيم سياسى كونفيدرالى، تحتفظ فيه النظم القطرية بكياناتها وتشكل معا حكومة كونفيدرالية. وبين هذا وذاك تؤكد نفس الديباجة أهمية تفعيل معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى واستئناف اجتماعات الأجهزة، التى نصت عليها وبصفة خاصة مجلس الدفاع العربى المشترك. ومن غير الواضح موقع قضية الأمن والدفاع المشترك من التطوير المقترح.

إن الصورة المطروحة تدفع إلى التساؤل عن موقع الوحدة الاقتصادية التامة وما تعنيه من تحكم الأجهزة القومية فى موارد تقتطع من الدول الأطراف لأغراض دعم مسار الوحدة وتعظيم العائدات الإضافية، التى يفترض أن تضيفها إلى دخولها الوطنية، وتحقيق التكافل فى حال التعرض إلى أزمات اقتصادية وهو الأمر الذى ينشغل به الاتحاد الأوروبى بوحدته الاقتصادية النقدية. فالوحدة الاقتصادية كانت هى مدخله إلى الوحدة السياسية، التى اختير لها الصورة الفيدرالية لصعوبة إقامة وحدة اندماجية فى ظل التمايز الواضح بين الشعوب الأوروبية. وقد جربت الولايات المتحدة صيغة الكونفيدرالية عند نشأتها فى 1777 فعجزت الحكومة الكونفيدرالية الضعيفة عن تسيير شئون مجموعة الولايات، التى أعلنت استقلالها، انتهى أمرها بالتصديق على الدستور وتولى جورج واشنطون تأسيس اتحاد فيدرالى ظل يتوسع ليضم 50 ولاية، ساهم فى تماسكها تقارب ثقافى مكن من تطبيق لائحة حقوق الإنسان وضمان الحريات السياسية.

لو أن النظم القائمة فى الدول العربية احترمت حقوق مواطنيها وأشركتهم فى إدارة شئون حياتهم، لقامت هذه الشعوب بتحقيق دعاوى الوحدة العربية، التى لاح لها بصيص أمل فى الخمسينيات، سرعان ما أخمدته نظم عربية تستأثر بالتسلط على مقدرات البشر. ولو أن الصدق لازم الدعوة إلى الوحدة الاقتصادية لما استغلت تلك النظم المجلس الاقتصادى (والاجتماعى) لتجميد مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، وسلبه مؤخرا عملية إنشاء الاتحاد الجمركى ليلهث وراء منطقة تجارة حرة لم تستكمل حتى الآن. لو أن تلك الأنظمة قدرت فعلا أن عليها أن تقف صفا واحدا أمام العدو المشترك لما استنجد كل منها بالقوى الحريصة على التفتت العربى، ليضرب «إخوته فى العروبة». لو أن تلك النظم كانت صادقة مع نفسها لما تركت شعوبها نهبا للصراع والانقسام، بدءا بالصومال وانتهاء بالسودان ولبنان. لا يمكن لأى عاقل أن يرجو خيرا من حكومة كونفيدرالية تتصارع فيها حكومات فاشلة على حساب الشعب العربى بأجمعه.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات