الاحتلال الرقمي الإسرائيلي - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 4:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاحتلال الرقمي الإسرائيلي

نشر فى : الجمعة 10 ديسمبر 2021 - 10:15 م | آخر تحديث : الجمعة 10 ديسمبر 2021 - 10:15 م

 

نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا للكاتبة إليزا كامبيل والكاتب إميرسون بروكنج عرضا فيه كيف أصبح عالم الإنترنت هو الملاذ الوحيد للشعب الفلسطينى الذى يقع تحت سلطات لا تمثله للتعبير عن نفسه، وأوضحا كيف تشن حكومة الاحتلال الإسرائيلية والمنظمات المؤيدة لها حربا على الشعب الفلسطينى على منصات التواصل الاجتماعى لإرهابهم وإرهاب من يؤيدهم وإخفاء أصواتهم.. نعرض منه ما يلى.
يعيش 4,8 مليون من سكان الأراضى الفلسطينية المحتلة فى واقعين متزامنين ومختلفين. فى العالم المادى، الفلسطينيون أسرى محاصرون فى غزة أو الضفة الغربية ومحاصرون من قبل نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية. يخضعون إما لحكم حماس أو السلطة الفلسطينية، أو المساءلة فى نهاية المطاف أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية التى تحرم المتهمين من توكيل محامين عنهم، مما يجعل نسبة الإدانة تصل إلى ما يقرب من 100%.
ولكن فى عالم الإنترنت، تختفى نقاط التفتيش. يمكن للفلسطينيين التحدث مع عائلاتهم التى تقف الأسلاك الشائكة والمدافع الرشاشة حائلا بينهم. يمكنهم مشاركة قصصهم مع العالم. يمكنهم أن يكونوا مواطنين فى دولة فلسطين ذات السيادة؛ التى اعترفت بها 138 دولة واعتُرف بها فى عام 2012 كدولة مراقبة غير عضو فى الأمم المتحدة. هذا النوع من فلسطين، فلسطين الرقمية، تمثل وفاءً بوعود الإنترنت المتفائلة، والمنسية إلى حد كبير، من إعطاء أصوات لمن لا صوت لهم وإلقاء الضوء على المناطق المظلمة فى العالم.
لكن، هذا العالم للأسف مهدد بشكل عام من ثلاث قوى. أولا، جهاز الشرطة والمراقبة واسعة النطاق لإسرائيل، والذى يتم استخدامه لتتبع وترهيب وسجن الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة بسبب كلامهم على الإنترنت. والثانى عبارة عن شبكة من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية تستخدمها الحكومة الإسرائيلية لاستهداف مؤيدى فلسطين حول العالم. القوة الثالثة هى شركات وسائل التواصل الاجتماعى الأمريكية، التى أبدت استعدادًا لإسكات الأصوات الفلسطينية إذا كان ذلك يعنى تجنب الجدل السياسى والضغوطات من قبل الحكومة الإسرائيلية.
تظهر هذه القوى معا كيف يمكن لحكومة يقال عنها ديمقراطية أن تقمع حركة شعبية بمساعدة مديرين تنفيذيين ليبراليين فى وادى السيليكون. هذا الأسلوب الذى يُستخدم تجاه الفلسطينيين الآن لن يبقى إلى الأبد محصورا فى الشرق الأوسط، بل سينتشر وسيستخدم ضد النشطاء فى جميع أنحاء العالم.
كان الفلسطينيون من أوائل المتبنين المتحمسين للإنترنت. وارتفعت نسبة من بإمكانهم الولوج إلى الإنترنت من 2% فى عام 2001 إلى 41% فى عام 2011، مما جعلهم من أكثر الشعوب اتصالا بالإنترنت فى الشرق الأوسط. لقد نجحوا فى ذلك على الرغم من سيطرة إسرائيل شبه الكاملة على الإنترنت فى فلسطين.. قدمت وسائل التواصل الاجتماعى للشباب الفلسطينى طريقة للتفاعل مع هويتهم الثقافية وتاريخهم المشترك الذى تمزق قبل ولادتهم. كما مكنهم من تنظيم احتجاجات ضد الاحتلال الإسرائيلى وإلقاء الضوء على الأضرار التى أوقعتها الرصاصات والقنابل الإسرائيلية.
فى الوقت الذى اكتشف فيه الفلسطينيون صوتهم الرقمى فى منتصف العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، بدأ جيش الدفاع الإسرائيلى بالاستثمار بشكل كبير فى مجال الإنترنت؛ فجند المدونين ومصممى الجرافيك وأنشأ وجودا قويا له على الفيسبوك وتويتر ويوتيوب خلال أوقات النزاع، نظم طلاب الجامعات الإسرائيلية مجموعات فيما بينهم ــ تسمى هاسبارا بالعبرية ــ لإنتاج محتوى مؤيد لإسرائيل يواجه التحيزات المناهضة لإسرائيل فى وسائل الإعلام العالمية. ولكن ذلك لم يكن كافيا لتغيير الرأى العام العالمى الذى ظل ينتقد بشدة إسرائيل خلال حربى 2012 و2014 فى قطاع غزة، وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعى بانتهاكات إسرائيل ومعاناة الفلسطينيين. فى 2015، اتخذ الصراع الفلسطينى الإسرائيلى على الإنترنت بعدا جديدا عندما تم تنظيم حملات من جانب الشباب الفلسطينى لمواجهة جنود الاحتلال بأنفسهم، قتل فيها 31 إسرائيليا و150 فلسطينيا من قبل الشرطة والجيش الإسرائيلى.
بعدها انتبهت قوات الأمن الإسرائيلية إلى وسائل التواصل الاجتماعى، وأنشأت حسابات فيسبوك مزيفة لتسهيل المراقبة، واعتقلت أكثر من 300 فلسطينى بسبب نشاطهم على الفيسبوك زاعمين أنه محرض على العنف المستقبلى. فى عام 2016، أصدرت إسرائيل قانونًا صارمًا جديدًا لـ«مكافحة الإرهاب» وسّع تعريف التحريض ليشمل أى مظاهرة «تضامن مع الإرهاب أو المنظمات الإرهابية». هذا القانون جرم بشكل فعال أى مديح عام أو دعم أو حتى حمل أعلام مرتبطة بالتضامن الفلسطينى. كما مكن الجيش الإسرائيلى من اعتقال الفلسطينيين بسبب المحتوى الذى يشاركوه على الإنترنت.
•••
هذا له تأثير مخيف وواضح على التعبير الرقمى. لا يستطيع الفلسطينيون معرفة متى يمكن أن تصنف الخوارزميات التنبؤية الإسرائيلية ما يكتبونه أو يشاركونه على أنه «تحريض على العنف». لا يمكنهم معرفة ما إذا كان «أعجبنى» يمكن تفسيره على أنه «دعم للإرهاب».
تمتد جهود إسرائيل لحظر الخطاب المؤيد للفلسطينيين إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط. فى السنوات الأخيرة، مارست الحكومة الإسرائيلية والمنظمات الموالية لها ضغوطًا على الفيسبوك وشركات التكنولوجيا الأخرى لتبنى تعريف جديد وواسع لمعاداة السامية، والذى نشره التحالف الدولى لإحياء ذكرى الهولوكست فى عام 2016، يربط فيه الانتقادات الموجهة لإسرائيل بخطاب الكراهية المعادى لليهود، بما فى ذلك الأصوات التى تنادى بحق تقرير المصير. إذا تم اعتماد هذا التعريف من قبل منصات التواصل الاجتماعى، فسيتم تقييد النقد الموجه لإسرائيل بشكل كبير.
بالنسبة للفلسطينيين، فتعريف التحالف الدولى يحمل عواقب وخيمة. فهذا التعريف من شأنه أن يعيق مناقشة التاريخ الفلسطينى الذى تم فيه طرد أكثر من 700 ألف فلسطينى قسرا من منازلهم على يد عصابات صهيونية فى أواخر الأربعينيات، إلى جانب الثقافة الفلسطينية المرتبطة بالحرمان الذى تسبب فيه الاحتلال الصهيونى لأكثر من 53 عاما. من خلال حظر الانتقادات الموجهة لإسرائيل، سيؤدى ذلك بالضرورة إلى تقليص المساحة التى يمكن فيها الإعراب عن دعم حق تقرير المصير للفلسطينيين.
مثلما تحاول الحكومة الإسرائيلية السيطرة على الشفرات المتعلقة بالخطابات عبر منصات التواصل الاجتماعى، فهى أنشأت أيضا مؤسسات جديدة لمراقبة المنصات بشكل مباشر. أدارت وزارة العدل الإسرائيلية منذ عام 2015 وحدة إلكترونية أصدرت عشرات الآلاف من طلبات إزالة المحتوى على فيسبوك وتويتر ويوتيوب، بدعوى التحريض على العنف أو دعم الإرهاب. هذه الطلبات لا يتم تتبعها فى تقارير الشفافية التى تستخدمها شركات التكنولوجيا للكشف عن أوامر الرقابة الحكومية الرسمية.
تمتلك وحدة الإنترنت الإسرائيلية قوة هائلة، وعلى الرغم من أنها تتحدث بالنيابة عن الحكومة إلا أنها لا تلتزم بالقوانين الدستورية التى تنص على حرية التعبير. فهى تستهدف أى خطاب لأى مستخدم على الإنترنت ــ سواء إسرائيلى أو فلسطينى أو طرف ثالث محايد فى أى مكان فى العالم ــ وتطلق حملات قمع غير مرئية للمراقبين فى الخارج.
•••
نظرًا لأن الفلسطينيين اعتنقوا النشاط الرقمى واعتمدوا عليه لتعزيز قضيتهم، وأصبحت الحكومة الإسرائيلية تنظر إليه على أنه تهديد أمنى، فشلت شركات وسائل التواصل الاجتماعى إلى حد كبير فى رسم مسار وسطى. تمارس الحكومة الإسرائيلية حملة ضغط منسقة لا يمكن للمديرين التنفيذيين فى مجال التكنولوجيا تجاهلها.
على النقيض من ذلك، فإن الطبيعة المجزأة للسيادة الفلسطينية، الممزقة بين حماس والسلطة الفلسطينية والاحتلال ــ تعنى أن الشعب الفلسطينى لا يوجد لديه وسيلة لتحدى القوانين واللوائح الجديدة المفروضة عليه. وعلى الرغم من دفاع الشعب الفلسطينى عن حقه فى حرية التعبير، إلا أن الأمور لا تسير لصالحه.
والنتيجة هى تحيز منهجى مناهض للفلسطينيين فى ممارسات تعديل المحتوى لشركات التواصل الاجتماعى. هذا التحيز كان واضحا فى مايو عندما احتشد الفلسطينيون ضد مصادرة سلطات الاحتلال للأراضى الفلسطينية فى القدس الشرقية. على مدار أكثر من شهر من الاحتجاجات الفلسطينية، تم حذف ما يقرب من 700 منشور أو تصغيره أو إخفاؤه وغالبا بدون سابق إنذار أو تفسير من فيسبوك أو إنستجرام أو تويتر أو يوتيوب وتيك توك. بالنسبة لهؤلاء النشطاء الفلسطينيين الذين اعتمدوا على ظهورهم على الإنترنت لحماية أمنهم الجسدى، كانت هذه العمليات مقلقة.
مع تصاعد الاشتباكات الفلسطينية الإسرائيلية مايو الماضى، أصبحت هذه الفجوة الرقمية أكثر وضوحا. أى محتوى باللغة العربية يشاركه فلسطينى كان يُنظر إليه على أنه عمل إرهابى محتمل. ووفقًا لما رصدته هيومن رايتس واتش، فإن أحد مستخدمى إنستجرام حذف له منشور يحث فيه أتباعه بعدم التنازل مطلقا عن حقوقهم بموجب القانون الدولى. تمت إزالة محتوى مستخدم آخر على إنستجرام لمشاركته صورة للأضرار التى أحدثتها القنابل الإسرائيلية فى غزة على بيته. فى الوقت نفسه، ظل خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين ــ المكتوب بالعبرية ــ مرئيًا بسهولة عبر وسائل التواصل الاجتماعى.
تنبهت بعض المجموعات داخل شركات التواصل الاجتماعى الكبرى إلى التآكل المستمر للحقوق الرقمية الفلسطينية. فى سبتمبر الماضى، دعا مجلس الرقابة فى الفايسبوك إلى إجراء تحقيق مستقل فى ممارسات تعديل المحتوى المؤيد للفلسطينيين لتحديد ما إذا كانت قد «تم تطبيقها دون تحيز». إلا أن هذا التعاطف غير كافٍ، وتتمثل الخطوة الأقوى فى أن تلتزم الشركات ووسائل التواصل الاجتماعى بمراعاة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 67/19، الصادر فى عام 2012، والذى يعترف بدولة فلسطين المستقلة ويمنحها مكانة كدولة مراقبة غير عضو فى الأمم المتحدة.
من شأن مثل هذا الإجراء أن يضفى الطابع الرسمى على نوع من السيادة الرقمية الفلسطينية، ويضمن للفلسطينيين حقوقًا محدودة فى التعبير يتجاوز وساطة مسئولى الأمن الإسرائيليين. سوف يجسد روح كل من اتفاقيات أوسلو ومبادرات السلام التى لحقتها وتمت من خلال الوساطة الأمريكية، والتى سعت إلى رسم خارطة طريق نحو إنشاء دولة فلسطينية. كما أنها ستعيد صدى المبادئ الديمقراطية التى طالما تبنتها شركات وسائل التواصل الاجتماعى.
من الناحية العملية، فإن اعتراف شركات التواصل الاجتماعى بدولة فلسطين الرقمية من شأنه أن يعزز الحماية للخطاب الفلسطينى. لن تكون الحكومة الإسرائيلية قادرة بعد الآن على إصدار طلبات إزالة المحتوى التى تعامل الفلسطينيين كأقلية عديمة الجنسية. سيجعل هذا المسئولون التنفيذيون فى مجال التكنولوجيا يشعرون بالذنب عندما يتجاهلون ممثلى الشعب الفلسطينى. فى الأزمات المستقبلية، يمكن للفلسطينيين أن يرتاحوا قليلا لعلمهم أن أصواتهم الرقمية ــ مفتاح سلامتهم ووسيلة الإنصاف الفعالة الوحيدة ــ لن تقع بالكامل تحت رحمة قوة معادية؛ فى وقت تستمر فيه إسرائيل بالنظر إلى حرية تعبير الشعب الفلسطينى على أنه تهديد للأمن القومى، وفى وقت يتزايد فيه تطبيق مصطلح «الإرهاب» بشكل عشوائى.
أنشأت الحكومة الإسرائيلية سلسلة فعالة من الأنظمة لقمع الخطاب الفلسطينى، وقامت شركات التكنولوجيا، فى سعيها لتقليل المخاطر القانونية والسياسية، بما تبقى من جهد؛ والنتيجة تقلص المساحة الرقمية للفلسطينيين على الرغم من تزايد اتصالهم بالإنترنت عن أى وقت مضى.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغني
النص الأصلي

التعليقات