قصة مجلسين - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 3:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قصة مجلسين

نشر فى : السبت 11 أبريل 2009 - 5:11 م | آخر تحديث : السبت 11 أبريل 2009 - 5:11 م

 حينما جابه العرب تحدى إنشاء إسرائيل على أرض عربية وتشريدها أهلها، استشعروا الخطر الذى اتضح أنه يهدد الوجود العربى بأكمله، فعقدوا فى 1950 معاهدة للدفاع المشترك وألحقوا بها ما أطلق عليه «التعاون الاقتصادى» تقديرا منهم أن الأمن القومى يحتاج إلى دعامة اقتصادية تتعاون الدول الأطراف على توفيرها، وتأكيدا على ما نص عليه ميثاق جامعة الدول العربية من العمل على التعاون فى مختلف أوجه الحياة، وفى مقدمتها الشئون الاقتصادية والمالية. وقررت المعاهدة إنشاء مجلس اقتصادى من الوزراء المختصين ليقترح على حكومات الدول الأطراف ما يراه كفيلا بتحقيق تلك المهمة. ومع الأيام انفصل المجلس عن الدفاع، ثم تحول إلى مجلس اقتصادى واجتماعى إدراكا لأهمية الشئون الاجتماعية وارتباطها مع الاقتصادية كركيزتين لعملية التنمية التى انشغلت بها الدول العربية.

وللإعداد لأعمال المجلس المذكور، خصص له جانب من الأمانة العامة للجامعة، نُظر إليها ــ كأى أمانة ــ على أنها تأتمر بأوامر المجلس. وبهذا نشأ نظام مؤسسى قاعدته الفنية تتلقى التوجيهات من السادة الوزراء، ولا تملك حق المبادرة لأنها لا تمنح الموارد المالية والفنية التى تمكنها من استقصاء أوجه التعاون وكيفية تحقيقها، إلا بقدر ما يكلفها به المجلس.

أما المجلس نفسه فهو «سيد قراره» لأنه لا توجد اتفاقية تفصيلية مصدق عليها من الدول تحدد له المهام والتكليفات وأساليب التنفيذ والتزام الدول بالتنفيذ. فالأمر فى النهاية يعود إلى الدول، تقبل مما يقترحه ما تشاء وبالصيغة التى تشاء، فإذا اختلفت عجز المجلس عن حل النزاع لأنه لا ولاية لها عليها. وقد استمرأت الدول هذه الصيغة الهلامية، التى كان آخر تجلياتها تعثر ما يسمى منطقة التجارة الحرة الكبرى، التى يفترض أنها استكملت فى 2005 رغم أن العرب كانوا بدءوا تحرير التجارة منذ 1953.

وعندما قررت اللجنة السياسية لدى الجامعة فى 1954 إعداد اتفاقية لتحقيق وحدة اقتصادية على مراحل بأسرع ما يمكن، أُعدت اتفاقية برءوس أقلام، اكتفت ببيان عناوين مهام المرحلة الأولى، وكلفت مجلسا من كبار المختصين فى الدول الأطراف بإعداد ما يلزم لتنفيذها وصياغة باقى المراحل فى حدود عشر سنوات، وهو ما يعكس عدم تقدير مغزى عملية الوحدة، وما تحتاجه من مشاورات مستمرة ومن أطر مؤسسية قادرة على صياغة وتنفيذ للانتقال من مرحلة القطرية إلى حالة الوحدة. واعترضت قيامه خلافات بين دول ترفع راية الوحدة إلى أن هدأت الأمور فى 1964، فإذا الدول لا تعنى بمنح ممثليها التفرغ الكامل. فاستعيض عنه بمجلس وزارى، يجتمع مرتين سنويا. وكان ممثلوها فيه هم بطبيعة الحال ممثلوها فى المجلس الاقتصادى، فنقلوا إليه نقيصة إصدار قرارات باسم الدول، ليعودوا إلى دولهم فلا ينفذوها، ويأمروا الأمانة العامة بمتابعة تنفيذ ما لم ينفذوه، لتعرض نتيجة المتابعة إليهم وهم أدرى بها سلفا.

وبحكم أن المجلس الاقتصادى يضم جميع الدول، بينما لا يشارك فى مجلس الوحدة إلا تلك الدول التى قبلت الانضمام إليه، فقد تخلت عنه من البداية لبنان الرافضة للوحدة، والسعودية المتجنبة لها، والدول الخليجية عقب استقلالها التى انضمت اثنتان منها ثم انسحبتا، والدول المغربية التى كانت تأمل فى وحدة مغاربية عجزت حتى عن تحويلها إلى تعاون وثيق، وانسحبت ليبيا فى إطار تمردها على التجمع العربى، وتزعمها لاتحاد أفريقى. وبقيت الدول الأقل نموا أملا فى أن يعود عليها ذلك ببعض الخير. وبدا أن نفس الأمور تبحث فى مجلسين، فأثير التساؤل: لماذا الإبقاء على هذه الازدواجية؟ وبديهى أن الإجابة هى التضحية بمجلس الوحدة، خاصة أنه يحمل صفة يستعيد القوم من ذكرها.. وهى الوحدة.

لو أن النوايا صحت على إقامة وحدة اقتصادية، لوجب إعادة النظر فى اتفاقية الوحدة وصياغتها بتفصيل تدرسه الدول بعناية، فإذا قبلت ما يتطلبه من التزامات واستحسنت ما يحققه لها من مكاسب، صدّقت عليها وقبلت ما يعنيه ذلك من نقل عملية اتخاذ القرار بصورة فردية لتتم بصورة جماعية، دون أن ترى فى ذلك انتقاصا من سيادة تتوهم أنها تملكها، وهى فى ضعفها لا تملك إلا قرارات رد الفعل، التى جلبت على العرب الوبال فى صراع دام ستين عاما مع كيان دخيل.

حينما أرادت أوروبا بناء سوق مشتركة توقعت أن تنجز فى اثنى عشر عاما فوقعت على معاهدة روما التى فصلت مراحل تحرير التجارة وبناء اتحاد جمركى، وأسس انتقال العمال والأموال، فيما يزيد على 250 مادة. وبحكم أنها كانت معاهدة تمس عملية اتخاذ القرار ساندتها ببرلمان تصاعدت صلاحياته التشريعية مع الزمن، وأنشأت محكمة عدل تفصل فى نزاعات أطرافها الأفراد والدول، وشكلت لها مجلس وزارى يتخذ ضمن سلطاته من قرارات تحترمها الدول.

لكن الأهم أن الأمانة العامة كانت مكلفة بالتحضير لأعمال المجلس، أما العمل الفنى فكلفت به مفوضية بمثابة مجلس وزراء على المستوى الإقليمى، وأعضاؤه مفوضون لشئون الجماعة الأوروبية هم وزراء تتبعهم إدارات فنية على مستوى رفيع من الخبرة، والقدر المناسب من الاحترام. وحينما تقدم السير نحو الوحدة عقدت معاهدات جديدة أهمها معاهدة ماستريخت التى أقيم بموجبها الاتحاد الأوروبى. ورغم وجود «مجلس أوروبا» الذى يضم عددا أكبر من الدول، وتنظيمات إقليمية أخرى، لم يعب أحد على الجماعة الأوروبية أنها بدأت بست دول فقط، وبغياب المملكة المتحدة عنها فى البداية، التى دفعها نجاح الجماعة لطلب الانضمام إليها، وهو ما تم بعد ذهاب ديجول الذى عارض مشاركتها.

ومع تجميد مجلس الوحدة، فتت المجلس الاقتصادى عملية الوحدة إلى اتفاقيات لتيسير التجارة والاستثمار لم تكتمل عضويتها إلا بعد سنوات طوال. ولما ظهر أن اتفاقية تيسير التبادل التجارى مخالفة لقواعد التكامل التى حددتها منظمة التجارة العالمية، أنشأت منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، التى يقال إن الجزائر قررت أن تنضم إليها بينما ظلت بعض الدول خارجها. وقررت قمة الكويت إقامة اتحاد جمركى، ننتظر أن يعد له إعدادا سليما وإيجاد جهازه المتخصص لينفذ اتفاقية واضحة المعالم بشأنه. وبدلا من ترك مجلس الوحدة الحالى يبحث لنفسه عن دور وعن تسمية يستتر وراءها مثل «التجارة والتنمية» كالأنكتاد، فإن الأولى أن يتحول إلى مفوضية لها جميع الصلاحيات الفنية والقدرة على إعداد القرار، أعضاؤها يقفون ندا للوزراء أعضاء المجلس الاقتصادى الذى تترك له عملية إقرار القرارات التى تعدها المفوضية.

وبحكم أهمية التنمية، فإن مهام الوحدة لا تقتصر على بناء سوق مشتركة، بل يجب أن تمتد إلى تحقيق تنمية تكاملية، تعظم قدرات جميع الدول الأطراف وتقرب بين مستويات معيشتهم وتحسن استغلال موارد قل أن تتوافر لمجموعة من الدول. وعندئذ لا تصبح القمة الاقتصادية استثناء، كقمة الكويت، بل تتولى المهام الثلاث: الدفاع بمعاهدته، والسياسى الذى يقتصر على المصالحات التى لا تتحقق، والتنمية بشقيها الاقتصادى والاجتماعى الذى يشكل لب الوحدة المنشودة. وإلى جانب هذا التنظيم التنفيذى ينشأ تنظيم تشريعى فى شكل برلمان عربى، وآخر قضائى بمحكمة عدل عربية، وهو ما يتطلب سيادة الديمقراطية والعدل فى الدول الأعضاء أولا.

أم ترانا نستعيذ بالعلى القدير من شر الوحدة؟

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات