(الناس أولاً).. فضوها سيرة - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(الناس أولاً).. فضوها سيرة

نشر فى : السبت 11 يوليه 2009 - 4:42 م | آخر تحديث : السبت 11 يوليه 2009 - 4:42 م

عندما استمعت إلى جاى ستاندنج البريطانى والذى تميل أفكاره يسارا يتحدث متحمسا عن شعار «الناس أولا» فى مؤتمر السياسات الاجتماعية الذى عقدته وزارة التضامن الاجتماعى أخيرا وهو يحكى عن تجربة محاربة الفقر فى البرازيل قلت ده «راجل دماغه راكبه شمال» وبالتأكيد لن يلتفت أحد من المسئولين لدينا كثيرا إلى ما يقوله، وسيعتبرون حديثه من النوع الذى تزدان به كتالوجات مثل هذه المنتديات والمؤتمرات وسرعان ما تصفر أوراقها وينسى الجميع الأمر.

ولكن عندما سمعت نفس الشعار يتردد بعدها بأيام فى اجتماعات «مجموعة الدول الصناعية الثمانى الكبرى» التى عقدت فى مدينة لاكويلا الإيطالية منذ أيام بما يعنى أن دولا مثل أمريكا وفرنسا وإيطاليا وروسيا وألمانيا و اليابان وكندا وبريطانيا هى الأخرى ترفع شعار «الناس أولا» أعتذرت فى سرى للرجل الذى ظننت أن «دماغه المتجه ناحية اليسار» هى التى جعلته يتحيز أكثر من اللازم للناس، ويضعهم فى مكانة رفيعة بأكثر مما تستطيع بعض الحكومات استيعابها.

ولكن على العموم استبشرت خيرا فمادام هذا الشعار أتى من «كبار العالم» من أهل اليمين فبالتأكيد لن يمر وقتا طويلا حتى نسمع هذا الشعار مجلجلا به أحد الوزراء أو كبير من الكبراء لدينا باعتباره شعارا مصريا خالصا.

ويجب علينا أن نكون مستعدين للحكومة من الآن قبل أن تفاجئنا بطرحها للشعار إياه وتبدأ فى تهيئة المجتمع له على الفور كما عودتنا. ونصحو يوما على استطلاع من استطلاعاتها تسألك وتجيب لك. من هم الناس؟ وهل الفقراء هم وحدهم البنى آدميين دون بقية الكائنات التى تعيش معهم؟ أليس الأغنياء ناس مثل حضرتك يستحقون الاهتمام أم أنهم ولاد ستة والفقراء ولاد سبعة؟ أليس الأغنياء من خلقة ربنا مثلهم مثل الفقراء؟

ألا تعتقد أن زيادة الاهتمام بالفقراء قد يخلق ضغينة فى قلوب أغنياء هذا البلد، خاصة أنهم عاشوا طويلا واعتادوا على مستوى معين من المعيشة الرغدة، فى حين أن الفقراء اعتادوا على العيشة الضنك وقد يكون صعبا عليهم أن يألفوا غيرها. فهل توافق على أن نبدل أحوالا استمرت لسنوات وتلائم كل فريق معها فيختل بذلك النسيج الاجتماعى؟

ألا تخشى من خلق مجموعات عنف أو إرهاب من الأغنياء عندما يشعرون أنهم درجة ثانية وأن الناس أصبحت أولا، أم أن الإرهاب لا يأتى إلا من الفقراء فقط؟ وإذا كان نصيب كل فرد من أفراد السادة الفقراء المحترمين حائزى البطاقات التموينية 7 جنيهات فى الشهر، يأكل بها أرزا وعدسا وفولا ويشرب بها زيتا وشايا، ولا تكفيه هذه الكميات إلا لتلبية 11 يوما من احتياجات معدة سيادته من الأرز فى الشهر وباقى أيام الشهر ربنا يدبرها له، أما كميات السكر فى بطاقة التموين للسيد المواطن المحترم فتكفيه لمدة 19 يوما فقط ويكمل الشهر بالشاى السادة بدون سكر، ومع ذلك هو حامد ربنا بل وعبرت الأغلبية من أصحاب البطاقات عن رضاها على هذا المستوى فى استطلاع حكومى. إذن ما المشكلة من استمرار تلك الأوضاع؟

وما الذى يضير المجتمع إذا كان نصيب السيد المواطن فى الريف من العيش البلدى المدعم 1.9 رغيف فى اليوم، مفسحا المجال بصدر رحب لزميله السيد المواطن فى الحضر أن يأكل فى نفس اليوم 3.1 رغيف فى المتوسط دون أن يطالب لا هذا المواطن أو ذاك بنصف رغيف زيادة، أو إضافة شريحة من العيش التوست. فهل ذنب الحكومة أن الفقراء يفضلون العيش البلدى لأنه الأكثر فائدة من الناحية الغذائية؟

والسؤال الأخير فى الاستطلاع.. إذا كان الحكومة قد نجحت بسياساتها الحكيمة أن تخلق فرص عمل لـ20مليون مشتغل فى مصر، منهم مليونا فرصة «جامدة قوى» يعنى برواتب خيالية فى الأنشطة الحديثة مثل الاتصالات أو تكنولوجيا المعلومات التى تتطلب إتقان اللغات الأجنبية والكمبيوتر. فهل كثير على أغنياء هذا البلد أن نخلق لأبنائهم مثل هذا العدد الهزيل ونترك «للناس» 18 مليونا عملا آخر يمرح فيه أبناؤهم؟ ومع ذلك هل الحكومة منعت الفقراء من الدخول فى منافسة الأغنياء على هذه الفرص أم أن الفقراء هم قليلو الحيلة والبخت، ولا يحبون المنافسة ويفضلون التسكع فى بيع البضائع على النواصى، ولا يحبون الخنقة فى الغرف المكيفة؟.

ولذلك علينا أن نستعد للحكومة من الآن وقبل أن تخرج علينا بنتائج استطلاعها من أن الناس كلهم سواء، وأن الله خلقهم أحرارا فقراء وأغنياء، وأن الأغنياء مهمومون هم أيضا بمشاكل الغنى التى لا يستطيع الفقراء تصورها لأنهم لم يجربوها.


قبل أن تفاجئنا الحكومة،علينا أن نسأل «الناس» هل أنتم راضون على مستوى الدعم حقا؟ وهل شرب الشاى السادة لمده 11 يوما فى الشهر بدون سكر يعكنن مزاجكم وهل أنتم راضون على أن يخرج أبناؤكم من سباق الأعمال التى تدر دخلا آدميا لأنهم يحبون الهواء الطلق ويكرهون التكييف؟ وهل.... وهل أشياء كثيرة أخرى؟

يبدو أنه من الأفضل أن نفضها سيرة من موضوع «الناس أولا» خاصة وأن مستر جاى ستاندنج غادر مصر، ومجموعة الثمانى لن يشغلها كثيرا أمر الناس عندنا.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات